facebook twitter Youtube whatsapp Instagram nabd

نضال انور المجالي يكتب : بلاغة الأقوال وعقم الأفعال: مفارقة الواعظ الذي يخالف!

نضال انور المجالي يكتب : بلاغة الأقوال وعقم الأفعال: مفارقة الواعظ الذي يخالف!

بقلم - الكاتب نضال انور المجالي


​نتوقف كثيراً عند تلك الشخصيات التي تتقن فن الموعظة، وتجيد رصف الكلمات البليغة في النقد والتوجيه، لكنها تسقط في اختبار الفعل حين يتعلق الأمر بذات القضايا التي تتبناها. إنها ظاهرة تثير الاستياء والدهشة: كيف يمكن لامرئ أن يكون خطيباً بليغاً في باب، وهو في حياته الخاصة أبعد الناس عن تطبيقه؟

​الأزمة الحقيقية تكمن في ازدواجية المعايير التي أصبحت سمة لبعض المتحدثين. فنجدهم يتحدثون بلسان الفقه والوعي، ينتقدون أكل الربا أو مال اليتيم، ويُطلقون التحذيرات النارية من هذه الآثام الكبرى، بينما سجلهم الشخصي مليء بالشبهات أو حتى الحقائق المرة في التعاملات المالية. يرتدون عباءة الناصح الأمين، وهم في الخفاء قد يكونون أوّل من يمد يده إلى ما حُرّم أو يسعى في طريق الشبهات.

​والمفارقة لا تقف عند حدود المعاملات المالية، بل تتجسد بشكل صارخ في أبسط الواجبات الاجتماعية والدينية:
​قاطع يتحدث عن صلة الرحم!

​يُلقي أحدهم محاضرة عن أهمية صلة الرحم وفضلها، ويستشهد بالنصوص والمواقف، بينما هو قاطع لإخوته وأخواته، جدار الصمت والخصام بينه وبين أقرب الناس إليه أطول من أن يُهدم بكلمة عابرة. كيف تُقنع الآخرين بفضل الوصل وأنت عاجز عن تطبيقه في محيطك الأضيق؟ هذا التناقض يُفقد الموعظة تأثيرها ويحوّلها إلى مجرد "ثرثرة" لا قيمة لها.

​البخيل يتحدث عن الكرم والجود!

​وهناك من يتفنن في الحديث عن فضيلة الجود والكرم، وعن أهمية الإنفاق في سبيل الله ومساعدة المحتاج، بينما تضيق يده على ماله، ويُعرف عنه البخل الشديد، بل قد يصل به الأمر إلى التقصير في حقوق أسرته وواجباته المالية الأساسية. يصبح كلامه عن الكرم مجرد فلكلور لغوي لا يمت لواقعه بصلة.

​الفقيه الجاهل!

​أما النقطة التي تلامس صميم الدين، فهي أن يتصدر الحديث في القضايا الفقهية من لا يفقه أساسيات عبادته. فقد تجده يتشدد في أحكام وينتقد الآخرين، بينما هو نفسه قد لا يُحسن الوضوء ولا يعرف شروطه أو فرائضه. الحديث عن التزام الآخرين بحكم ما، بينما الأساسيات مفقودة، هو تجاوز لحدود المعقول والمقبول.

​إن رسالة هذا المقال ليست لجلد الذات، بل لتسليط الضوء على مبدأ أساسي: الفعل هو الترجمة الحقيقية للقول.

​من يُريد أن يكون واعظاً أو ناقداً أو موجهاً، فليبدأ بصفحته الخاصة، ليراجع ما بينه وبين إخوته، وبين جيبه وعائلته، وبين عبادته وأساسيات دينه. فالناس ينظرون إلى فعلك أكثر مما يستمعون إلى قولك. ومتى ما انفصل القول عن الفعل، تحول الناصح إلى مُدان، وتحولت الموعظة إلى سخرية، وسقطت هيبته أمام نفسه والآخرين.

​دعوا الأقوال تكون ظلاً للأفعال، وإلا، فالصمت أستر

تابعوا القبة نيوز على
 
جميع الحقوق محفوظة للقبة نيوز © 2023
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( القبة نيوز )
 
تصميم و تطوير