facebook twitter Youtube whatsapp Instagram nabd

تساؤلات حول مشروع قانون الكهرباء

تساؤلات حول مشروع قانون الكهرباء

القبة نيوز- يناقش مجلس النواب هذه الأيام، من خلال لجنة الطاقة، مشروع قانون الكهرباء العام لسنة 2025، الذي جاء ليحل محل القانون المؤقت المعمول به منذ أكثر من عشرين عامًا. وبصرف النظر عن مضمون المشروع، فإن مبدأ إقرار قانون دائم هو أمر ضروري، علماً بأنه تم عرض مشروع قانون الكهرباء العام بصيغة أخرى على البرلمان الثامن عشر، إلا أن الحكومة في ذلك الوقت قامت بسحبه لأسباب لا مجال للخوض فيها هنا.

من حيث الشكل ووفقاً لما تم الترويج له، يطرح مشروع القانون الجديد توجهات إصلاحية، تنسجم ظاهريًا مع مفاهيم التحرير التدريجي للسوق، وتشجيع الاستثمار، وتنويع مصادر الطاقة وتوطين التكنولوجيات الحديثة بحيث يمكّن مشروع القانون المرخص له بالنقل أو التوليد أو التوزيع من إنشاء وتشغيل محطات لتخزين الطاقة الكهربائية، كما يتيح للأفراد امتلاك مشاريع توليد ذاتي أو تخزين، ويتيح المجال لإنشاء مشاريع الهيدروجين، وإنشاء أنظمة نقل كهربائي مستقلة لتغطية الاستهلاك خارج الشبكة الوطنية. على أن يتم تنظيم كل هذا لاحقاً من خلال تعليمات تصدر عن هيئة تنظيم قطاع الطاقة، وفقاً لما جاء في نصوص مشروع القانون.

هذه البنود تشكل نقلة نوعية باتجاه تحرير جزئي للسوق. غير أن التحدي الأكبر لا يكمن في الطموح، بل في المنهج الذي سيُتبع لتحقيقه.

تطبيقات التحول نحو السوق المفتوح ليس فكرة جديدة، بل سبق أن طُبّقت أنظمة التوليد الذاتي ومشاريع العبور. وهذه التطبيقات تمثل في جوهرها تطبيقات مبدئية لتحرير السوق. إلا أن تطبيقها على أرض الواقع من خلال التعليمات التنظيمية التي صدرت عن الهيئة بشأنها افتقرت في كثير من الأحيان إلى التوازن والوضوح، أدى إلى تعثرات عملية واعتراضات من أطراف مختلفة على آليات توزيع الأعباء والمخاطر، وبالنتيجة كانت دائما على حساب شركة الكهرباء الوطنية، التي ظلت تتحمل التكاليف الفنية والمالية الناشئة عن هذه الاختلالات.

رغم هذه التجربة، يكرر مشروع القانون ذات النمط من خلال طرح مزيد من التحولات (وليس بالضرورة جميعها ضرورية)، ثم تأجيل تحديد آليات العمل بها لتعليمات ستصدر لاحقًا! هذه المقاربة تثير القلق من أن نسير بمثل هذه الخطوات بدون رؤية متكاملة، وأن تتحول التعليمات المنتظرة إلى أدوات جزئية متضاربة، كما في التجارب السابقة.

علماً بأن القانون المؤقت نفسه ينص على ضرورة قيام هيئة نظيم قطاع الطاقة بإجراء دراسات سنوية من خلال بيوت خبرة مستقلة، وبالتعاون مع الشركاء، لقياس مدى نضوج السوق وجاهزيته للانتقال التدريجي إلى السوق المفتوح. لكن للأسف هذه الدراسات لم تُنجز فعليًا حتى اليوم، ومع ذلك، يتجه المشروع الجديد بخطوات كبيرة نحو هذا التحول، من دون خارطة طريق واضحة أو معايير انتقال تدريجي تستند إلى تقييم علمي وفني واقتصادي وإنما جاء ليعتمد على عبقرية الفرد والتي كان من الأجدى تسخيرها من أجل بناء القدرات المؤسسية اللازمة والممكنة لتقوم بدورها باشتقاق هذه التحولات بصورة مدروسة ومتوازنة وحسنة التطبيق.

في ظل غياب هذه الرؤية، تبقى المخاطر متركزة لدى جهة واحدة، هي شركة الكهرباء الوطنية، التي تقوم بدور مشغل النظام الكهربائي وتتحمل كلفة تأمين التوليد الاحتياطي وكلفة استقرارية النظام الكهربائي، بينما تضمن الأطراف الأخرى من قطاعي التوليد والتوزيع جميع كلفها وأرباحها بموجب الرخص والامتيازات الممنوحة لها. وعليه، فإننا أمام مشهد تستفيد منه أطراف على حساب أطراف أخرى، ما سيؤدي إلى تفاقم الخلل المالي والتشغيلي للقطاع بأكمله. وهو ما أبدينا وجهة نظرنا بشأنه في السابق مرات عديدة، وكان يضيق الصدر عنه رغم أن الغاية كانت ولا تزال إثراء النقاش وتجويد المخرجات.

إن تأجيل معالجة التفاصيل المفصلية إلى "تعليمات لاحقة" دون مشاركة مبكرة وشفافة، يُفقد القانون معناه ويُرحّل الأزمة. فتجربة القطاع مع التعليمات والقرارات الفردية أظهرت افتقارها في كثير من الأحيان إلى العمق الفني، وعدم قدرتها على معالجة التحديات البنيوية. لذلك، فإن أي تعليمات قادمة يجب ألا تُترك لمرحلة ما بعد إقرار القانون، بل يجب أن تُطرح منذ الآن، وتُعرض على طاولة صانع القرار لتقييم الجدوى الكاملة لمشروع القانون، قبل المضي بإقراره بحيث يكون مشروعاً ناضجاً لا مظلة عامة تنتظر تفصيلات غير مضمونة. وأولى خطوات هذا النضج أن نرى، اليوم لا غدًا، رؤية التعليمات التنظيمية التي ستصدرها الهيئة والوزارة، حتى لا يتحول المشروع إلى قفزة في المجهول، يكرّس أعباءً إضافية على النظام الكهربائي بدل أن يضعه على مسار الإصلاح الحقيقي.


* المدير العام السابق لشركة الكهرباء الوطنية
[email protected]

 

 

تابعوا القبة نيوز على
 
جميع الحقوق محفوظة للقبة نيوز © 2023
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( القبة نيوز )
 
تصميم و تطوير