يوم الأم: تجسيد للمحبة والعطاء في نفحات الشهر الفضيل

القبة نيوز - مع بزوغ فجر يوم الأم هذا العام، الذي يصادف الحادي والعشرين من آذار، يكتسب الاحتفال به رونقًا خاصًا مع نفحات الشهر الفضيل، وهو ما يدفع الأبناء لتقديم هدايا تتجاوز قيمتها المادية، لتصل إلى ما يلامس عمق الروح والقلب لأمهاتهم.
ففي سياق الاحتفال بيوم الأم، تلك المدرسة الأولى والقلب الذي ينبض حبًا وعطفًا، يتجلى الدور المحوري الذي تلعبه المرأة الأردنية في المجتمع، حيث تمكنت المرأة في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني من تحقيق ذاتها والمساهمة الفاعلة في التنمية الوطنية، ويمثل هذا اليوم فرصة لتسليط الضوء على الإنجازات التي حققتها المرأة الأردنية في مختلف الميادين.
ويؤكد جلالته، في كتب التكليف السامي للحكومات المتعاقبة، أهمية حق المرأة في التعليم والتوجيه والتدريب والعمل، وتمكينها من أداء دورها في المجتمع، باعتبارها شريكة للرجل في تنمية المجتمع وتطويره.
وأظهر تقرير "حصاد المرأة الأردنية لعام 2024"، الصادر عن اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة، بعنوان "تمكين المرأة أولوية وطنية"، أن جلالة الملك أنعم على 3 سيدات بوسام الملك عبدالله الثاني للتميز بمناسبة عيد الاستقلال الثامن والسبعين.
كما أنعم بميدالية اليوبيل الفضي على 40 سيدة من مختلف المحافظات، تقديرًا لمساهماتهن في خدمة الأردن والمجتمع المحلي.
فالمرأة الأردنية لها تاريخ حافل ومشرّف استطاعت، أن تشارك بفاعلية في مختلف مجالات الحياة، مما يعزز دورها الهام كمربية وأم وكعنصر فاعل في بناء الأسرة والمجتمع، فالاحتفال بيوم الأم يُعد فرصة لتجديد العهد بمواصلة دعم حقوق المرأة وتعزيز مشاركتها في جميع مجالات الحياة، مما يساهم في تحقيق المزيد من المنجزات التنموية التي تعزز من مكانة المرأة الأردنية لتحقيق المزيد من التقدم والازدهار.
فيوم الأم، هو مناسبة لتقدير الإنجازات والاحتفاء بالدور الهام الذي تلعبه الأمهات في بناء جيل المستقبل ورفعة الوطن.
ففي الوقت الذي يرى فيه كثيرون، أن الهدايا التقليدية تعتبر وسيلة للتعبير عن المحبة والاهتمام بالأم، يبرز صدى من الأفكار التي تدعو إلى منح الأمهات هدايا تفوق الماديات، كحفر بئر ماء في البلدان الفقيرة، أو المساهمة في بناء مسجد، أو دعم وجبات إفطار للصائمين، وغيرها من الأعمال الخيرية المهداة باسم أمهاتهم، الأمر الذي يبرهن أن أبسط الهدايا يمكن أن تصبح جسورًا للإنسانية وإحداث فرق في حياة الآخرين.
الأم خلود أبو طالب وزوجها عبرا عن فرحهما عند استقبال هدية من ابنهما وزوجته بحفر بئر ماء باسمهما في أحد البلدان (بنغلادش).
وقالت أبو طالب: "أجمل شعور بالعالم هدية عيد الأم بئر يسقي العطشى في بنغلاديش، فهي مفاجأة أبكتني وأثلجت صدري كهدية في عيد الأم، وذلك باسمي كصدقة جارية وباسم زوجي أبو وسيم" معتبرة أنها الهدية الأغلى من أبنائها الذين هم قرة العين ومهجة القلب والروح.
المهندسة ريم السكر، المقيمة في دبي، عبّرت قائلة: "أهداني أولادي ورودًا جميلة ملؤا يومي بالفرح والسعادة مع قبلات وأحضان دافئة".
وأضافت: "أما بالنسبة لتهنئة أمي الغالية، فقد اخترت طريقة لا تُنسى، وبالرغم من بعد المسافة وصعوبة اختيار هدية، أرسلت الورد مع نقود وقمت بإجراء اتصال مرئي لتهنئتها، لتقريب المسافات فيما بيننا".
المعلمة والكاتبة نسرين أبو الرُّب، هنّأت الأمهات قائلة:"كل عام وجميع الأمهات بألف خير، ففي هذا اليوم تتهافت قلوب الأبناء في يوم الأم لشراء هدية تليق بالأمهات، وتسعد قلوبهن فمنهم من يرى بالهدية المادية بهجة لأمه وإسعادًا لها، فيقبل الأبناء على محال الأدوات المنزلية والكهربائية لاغتنام يوم الأم بهدية يرون فيها الفخامة أو ما تحتاجه الأم لبيتها، وقد يفضل البعض هدايا جمالية (الورد، نباتات الزينة، العطور ..) وأرى فئة من الأبناء
تتوجه نحو الهدية الدينية (سجادة صلاة، مصحف أنيق، مسابح إلكترونية .. ) لشعورهم بجمالية هذه الهدية وقربها الروحي والنفسي من والدتهم".
وتابعت: أما أنا فأقع في كل عام بحيرة في انتقاء الهدية لأمي؛ لأنني أريدها أن تجمع بين التفرد والجمال والقرب النفسي والروحي لأمي، ولا أفضل الهدية المادية؛ لأن يوم الأم هديته تسكن في وجدان الأمهات وزوايا بيوتهن مهما كان ثمن الهدية فقيمتها المعنوية وأثرها في نفوس الأمهات أكبر بكثير.
واعتبر الدكتور محمد عوض الفواعير، أن اختيار الهدية المناسبة للأم، هي أمر في غاية الأهمية سواء باختيار الهدايا المعنوية أو المادية، والذي ينبغي على الأبناء التفكير في اهتمامات ورغبات أمهاتهم، مؤكدًا ضرورة التفكير مليًا في ما تحبه الأم، ومفاجأتها بشيء يقع في صميم اهتمامها ورغبتها في الحصول عليه.
وأبرز الفواعير أهمية الهدايا الدينية، كعمرة أو حج، مبينًا أهمية جعل من يوم الأم مناسبة خاصة للاحتفاء بتضحيات الأم ودورها المحوري في الحياة الأسرية.
مدير مراقبة الأسواق والتموين في وزارة الصناعة والتجارة والتموين، المهندس عاطف علاونة، أكد أن هناك زيادة ملحوظة في عمليات الشراء خلال الأيام الخمسة الأولى من شهر رمضان، حيث تضاعف الطلب على المواد الغذائية والدواجن واللحوم بخمسة أضعاف مقارنة ببقية أيام الشهر الفضيل.
وأشار إلى أن الشراء استقر في منتصف الشهر، إلا أن الاهتمام اتجه نحو شراء الحلويات والملابس والأجهزة الكهربائية، خاصة مع العروض والتسهيلات التي يقدمها التجار لجذب المواطنين، خاصة مع اقتراب يوم الأم، في الوقت الذي لوحظ فيه ضعف الإقبال على شراء الذهب نتيجة ارتفاع أسعاره بشكل ملحوظ.
وتعج وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت بإعلانات وعروض مختلفة لجذب المستهلكين على شراء هدايا قيّمة أو التبرع عن أمهاتهم.
أستاذ التسويق في الجامعة الأردنية الدكتور زيد عبيدات، أشار إلى عدة عوامل مؤثرة على قرارات المستهلكين عند شراء الهدايا في عيد الأم خلال شهر الرمضان، حيث تزيد خلال هذه الفترة الحملات الترويجية التي تعتمد على التسويق العاطفي الذي يرتكز بشكل كبير على إثارة مشاعر الحب والتقدير للأمهات من خلال شراء هذه الهدايا في عيد الأم.
وبين اتجاه الكثير من المستهلكين للشراء خلال هذه المدة؛ بسبب الحملات الترويجية والتنزيلات الكبيرة التي تقوم بها بعض المحلات التجارية، والتي تعتبر أيضًا حافزًا أساسيًا للمستهلك للقيام بشراء منتجات منزلية بأسعار أقل من سعرها الأصلي، وقبل نفاذ الوقت.
ولفت إلى الاختلاف في الأنماط الاستهلاكية خلال شهر رمضان المبارك، حيث لوحظ ارتفاع أسعار المنتجات خلال بداية شهر رمضان؛ بسبب زيادة الإقبال خلال الأيام الأولى من الشهر الفضيل، والذي تزامن مع رواتب الموظفين مع الإشارة بأن الصوم والجوع في بعض الأحيان، خصوصًا في الأيام الأولى يؤدي إلى قيام المستهلكين بسلوكيات
شرائية عشوائية وغير مخطط لها، ومع ذلك ومع مرور الوقت شهدت الأسواق انخفاضًا بالحركة التجارية والإنفاق بسبب تركيز المستهلكين بشكل أكبر على الواجبات الدينية، وفي نهاية الشهر الفضيل والذي يتزامن مع عيد الأم وقرب عيد الفطر، من المتوقع زيادة حركة الشراء بشكل أكبر لتغطية الالتزامات العائلية.
رئيس قسم التسويق والتسويق الرقمي في جامعة البترا الدكتورة سيما غالب مقاطف، قالت: يشهد العصر الحالي زيادة الاهتمام بالتكنولوجيا وبالأخص الذكاء
الاصطناعي، والذي أصبح الاعتماد عليه في التسويق من خلال استخدام أنظمة تساهم في خلق ميزة تنافسية
للمنتجات، وبالأخص الهدايا المقدمة للأمهات خلال شهر رمضان المبارك، والتي يتم التركيز عليها على الدوافع العاطفية كالمحبة والحنان، إضافة إلى الدوافع الثقافية كالعادات والتقاليد و والدينية كالبر بالوالدين.
وتابعت: بوجود الذكاء الاصطناعي شهد تسويق هذا النوع من الهدايا تحولات كبيرة كاستخدام المتاجر الافتراضية أو الإلكترونية لتقديم بعض المقترحات لهذا النوع من الهدايا، إضافة إلى استخدام الواقع المعزز (AR) والذي يتيح للمستهلكين تجربة المنتجات رقميًا قبل شرائها، مما يجعل تجربة اختيار الهدية أكثر تفاعلية ودقة، كما ظهرت حاليًا أيضًا الهدايا الرقمية، مثل الاشتراكات على بعض المنصات الرقمية.
ولفتت إلى التفاعل المباشر مع المستهلكين من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وإتاحة الدفع السريع والمريح، والذي توفره التقنيات الحديثة والتي تساهم جميعها في تسهيل قرارات الشراء الفورية.
الأستاذ الدكتور محمد عواد الزيادات رئيس قسم التسويق ونظم المعلومات الإدارية في جامعة البلقاء التطبيقية قال: تعتمد الإعلانات الرمضانية على إبراز قيم العطاء والتقدير للأم من خلال مشاهد دافئة تُظهر الترابط الأسري، فضلا عن ربط شراء الهدايا بالقيم الرمضانية عبر حملات المسؤولية الاجتماعية، مثل "اشتري هدية لوالدتك، وساهم في دعم الأسر المحتاجة"، مما يدفع المستهلكين للشعور بأنهم يشاركون في عمل خيري أثناء تسوقهم.
ولفت إلى أنه تساهم العروض الخاصة والخصومات الحصرية التي يعلن عنها المؤثرون في تحفيز قرارات الشراء الفورية، خاصة عند اقترانها بعناصر مثل الشحن المجاني أو الهدايا الإضافية.
وأوضح، أن الحالة العاطفية والفيزيولوجية للصائم تلعب دورًا أساسيًا في استجابته للإعلانات خلال شهر رمضان، حيث يكون أكثر حساسية للمؤثرات البصرية والعاطفية، إلى جانب ذلك، تؤثر الحالة الروحانية للصائم على استجابته للإعلانات التي تروج لقيم الخير والعطاء والتكافل الاجتماعي. يشعر الصائم بميل أكبر لدعم الحملات الخيرية والمبادرات الاجتماعية التي تستهدف الفئات المحتاجة، وهو ما تستغله بعض العلامات التجارية لربط منتجاتها برسائل المسؤولية الاجتماعية، مما يعزز من ولاء المستهلكين تجاهها.
أستاذ الفقه والدراسات الإسلامية في جامعة البلقاء التطبيقية الدكتور حسين الربابعة قال: إن من أبر البر وأعظمه عند الله تعالى أن يبر المسلم أمه، فالأم هي محل البر والإكرام، وهي رمز التضحية والفداء والطهر والنقاء، وهي الأصل الذي يشرف به الولد، وأحق الناس بصحبته، ويليها الأب في حق البر والصحبة.
وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أولى الناس بالإحسان إليه والبر به في مصاحبته له؟ فأجابه النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن أولى الناس بحسن المعاملة وطيب المعاشرة هي الأم، ثم سأله: ثم من يلي الأم في هذا الحق؟ فأجابه بالإجابة نفسها: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، وهكذا أوصاه بالأم، وأكد حقها في حسن المعاملة ثلاث مرات؛ بيانا لفضلها على سائر الأقارب دون استثناء.
ثم سأله الرابعة: ثم من؟ قال: أبوك، فكرر - صلى الله عليه وسلم- حق الأم ثلاثا، وذكر حق الأب مرة واحدة، وليس ذلك تقليلا من حق الأب، وإنما هو تأكيد على عظم حق الأم؛ ولعل ذلك لكثرة أفضالها على ولدها، وكثرة ما تحملته من المتاعب الجسمية والنفسية أثناء حملها به، ووضعها وإرضاعها له، وخدمتها وشفقتها عليه، وهذه الشفقة قد تطمع ولدها، فيتهاون في برها؛ ولذا أكد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بر الأم مرارا، وفقا للربابعة.
وفي هذا السياق، أشار الربابعة إلى أن الأم لها أعلى درجات البر؛ لذا فإن من أعظم الصدقات التي تقدم للأم لما لها من فضل على الإنسان منذ بداية نشأته إلى أن يصبح شابًا يافعًا، ومن الصدقة الجارية التي أخبر عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قوله عليه الصلاة والسلام: (إذا مات ابنُ آدمَ انقطع عملُه إلا من ثلاثٍ: صدقةٍ جاريةٍ أو علمٍ يُنتفَعُ به أو ولدٌ صالحٌ يدعو له) فمن أراد أن يحقق البر لامه فعليه أن يتصدق عنها بأي نوع من أنواع الصدقات كحفر بئر أو كفالة يتيم أو المشاركة في موائد الرحمن أو أي عمل من أعمال البر الأخرى، داعيًا في الوقت نفسه أصحاب المتاجر
إلى مساعدة هؤلاء من خلال تقديم عروض خاصة لتحقيق هذه الغاية السامية والدال على الخير كفاعله، فهذه الأعمال أجرها وثوابها يصل إلى الأم ما دام ينتفع بها، وتقدم خدمة للناس.
وكانت دائرة الإفتاء العام، قد نشرت على موقعها الرسمي فتوى بحكم عيد الأم والإهداء فيه، بأن ما تصالح الناس على تسميته بـ (عيد الأم) يتواصلون مع أمهاتهم وتقديم الهدايا لهن فيه، ليس عيدًا بالمفهوم الشرعي للعيد، ولكنه يوم وفاء وتقدير للأمهات، حيث تعارف الناس في العالم كله على الاعتراف بجميل الأمهات، والتعبير عن مزيد المحبة والامتنان لهن في يوم واحد يجمعهم.
وجاء في الفتوى، أن تكريم الأم بهذا اليوم بالمعنى السابق أمر تنظيمي عادي لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية التي تؤكد على معاني الوفاء والامتنان والشكر للوالدين في كل وقت وزمان.
وقد نالت الأم الحظ الوافر من الأمر بحسن صحبتها والإحسان إليها، وأن تكريم الأمهات في يوم الأم ليس من باب التشبه المحظور، بل هو من الحكمة العامة و"الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها"، ذلك أن بر الأم وإكرامها والإحسان إليها واجب شرعي مطلوب تحقيقه، في كل وقت وحين، سواء كان ذلك حال حياتها، أو بعد وفاتها، بالدعاء والاستغفار لها، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بها، وإكرام صديقاتها.
(المصدر : بترا)