المياه و السلام العالمي
بقلم سمو الأمير الحسن بن طلال و سنديب واسلكر
قبل نحو ثلاثة عشر قرنا، وفي عام 715 م، أهدى الخليفة الوليد بن عبد الملك سكان دمشق مسجدا كبيرا.
وقال في خطبة الاحتفال بالافتتاح أن أربعة أمور ساهمت في ازدهار دمشق: المناخ والماء والفواكه والحمامات. وصورت الفسيفساء، عند مدخل الجامع الأموي، الأنهار الجارية والحدائق الغنّاء، وحتى يومنا يمكن لزوار المسجد رؤية هذه الفسيفساء.
وحتى قبل 60 عاما فقط، كان بإمكان سكان دمشق الشام أن يعرفوا أنفسهم بالفسيفساء.
في الواقع، في جميع أنحاء العالم، الأنهار والبحيرات والمراعي، والأشجار وفرت سبل العيش للمزارعين والصيادين وولدت الموسيقى من مجدفي القوارب.
وفي آسيا وأوروبا وأفريقيا ألهمت التيارات الزرقاء الموسيقيين والفنانين والكتاب.
عام 1950 كانت مساحة البحر الميت 950 كم مربع، وبحر آرال 68 ألف كم مربع وبحيرة تشاد 25 ألف كم مربع. واليوم تناقصت مساحة البحر الميت الى 637 كم مربع، وبحر أرال إلى 17ألف كم مربع وبحيرة تشاد إلى 1300 كم مربع.
تقلص مساحة هذه البحيرات جاء نتيجة لتحويل وتدهور الأنهار والمنابع التي تغذيها. والأهم من ذلك أنه يمثل تقلصا للحس السليم وحسن النية والتفاهم بين البلدان التي تتقاسم منابع المياه.
وللأسف، نجد معظم أجزاء العالم القاحلة في كثير من الأحيان متقاربة جدا.
ويقول خبراء أن المياه كانت أحد العوامل الرئيسية لنشوب حرب عام 1967 بين اسرائيل ودول عربية، ويقولون أيضا إن كانت هناك حربا ستنشأ في شمال أفريقيا أو آسيا الوسطى، فسوف تكون على مصادر المياه المتنازع عليها.
وفي حين أن المياه بحد ذاتها قد لا تكون الشرارة الرئيسية لحرب، إلا أنها يمكن أن تؤدي إلى تفاقم الأزمات القائمة، وترفع تلك الأزمات إلى مستويات حرجة.
وأظهر مؤشر التعاون في مجال المياه الذي وضعته مجموعة الاستشراف الاستراتيجي، والذي يحلل تقريبا جميع أحواض الأنهار المشتركة البالغ عددها 286 حوضا في 148 بلدا في العالم، وجود علاقة قوية بين التعاون في مجال المياه وتقليل مخاطر الحرب. والواقع أن البلدان التي تتشارك في تعاون فعال في مجال المياه لا تذهب إلى الحرب.
ومن الضروري التمييز بين التعاون الأساسي في مجال المياه، الذي يتعلق بالإدارة اليومية للحوض المشترك، والتعاون الفعال في مجال المياه، الذي يتمثل في المشاركة السياسية رفيعة المستوى لاستخدام المياه كقوة للسلام. ومن الضروري أيضا بذل جهود واعية لتعزيز التعاون الفعال في مجال المياه.
في بداية العقد الحالي، اجتمعنا معا لإطلاق عملية السلام الأزرق في الشرق الأوسط. وتشكلت مجموعة من الرياديين من صانعي السياسات وقادة الرأي المعارضين للنزعة الحالية بتحويل المياه من مصدر محتمل للأزمات إلى أداة للسلام.
وساهمت عملية السلام الأزرق أيضا في تجديد التعاون بين العراق وتركيا على نهر دجلة. وسوف تصل إلى نتيجتها المنطقية عندما ينشأ مجلس للتعاون بشأن الإدارة المستدامة للمياه في سيناريو ما بعد الصراع.
وانتشرت الجهود، التي بدأت في الشرق الأوسط مع عملية السلام الأزرق، في أماكن أخرى من العالم. ففي تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، ولأول مرة في تاريخ الأمم المتحدة، عقد مجلس الأمن دورة استثنائية بشأن المياه والسلام والأمن حيث أكد على قيمة التعاون.
وبمجرد أن تتوافر حصيلة التعاون المائي في النصف الثاني من عام 2017، سيكون لدى البلدان المشاطئة أداة لدعم اتخاذ القرار لتطوير التعاون عبر الحدود وعلى مراحل.
هناك إدراك متزايد لأهمية التعاون في مجال المياه. واتخذت الصين زمام المبادرة لخلق آلية Lancang Mekong لدعم لجنة نهر الميكونج. وتأمل الهند وبنجلاديش بتوقيع اتفاق حول نهر تيستا.
وبدأ رؤساء مصر وإثيوبيا والسودان بمعالجة المخاوف المتبادلة حيال بناء سد النهضة الإثيوبي الكبير. وتعامل البيرو وبوليفيا بحيرة تيتيكاكا كمنطقة إقليمية مشتركة، كهيئة موحدة ذات سيادة مشتركة.
إن التحديات المتزايدة للأمن الناجمة عن الافتقار إلى التعاون في مجال المياه وبصيص الأمل المنبثق عن التقدير المتزايد تتطلب تحليلا منهجيا للعلاقة بين المياه والسلام.
هذا التحليل يجب أن يؤدي إلى توصيات بشأن هيكل عالمي جديد للمياه والسلام. ويهدف الفريق العالمي رفيع المستوى المعني بالمياه والسلام، المؤلف من 15 بلدا، إلى اقتراح مثل هذه البنية، بعد عدة اجتماعات عقدها في عدة قارات وهو يستعد لتقديم تقريره إلى الأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر 2017
وللصدفة الحسنة، أن الاجتماع النهائي للفريق العالمي رفيع المستوى يعقد في عمان اليوم الثالث من ايار وغدا الرابع منه.
وكنا من عمان أيضا، كشفنا عام 2013 عن الصلة بين التعاون في مجال المياه والسلام العالمي. وفي عمان كذلك ستضع العقول العظيمة، التي تشكل الفريق العالمي رفيع المستوى، توصياتها بشأن كيفية تعزيز المياه للسلام العالمي. ونأمل أن تُعرف عمان كمكان لنقطة التحول.
سمو الأمير الحسن بن طلال مؤسس ورئيس منتدى الفكر العربي وعضو بارز في الفريق العالمي الرفيع المستوى المعني بالمياه والسلام.
سنديب واسلكر هو رئيس مجموعة الاستشراف الاستراتيجي، وهي مؤسسة أبحاث عالمية مقرها في مومباي.