facebook twitter Youtube whatsapp Instagram nabd

القعدان يتفوّق على "سيزيف" ويلقي ب"كورونا" في البحر

القعدان يتفوّق على سيزيف ويلقي بكورونا في البحر

القبة نيوز - تقول الأسطورة الإغريقية إنّ الآلهة حكمت على "سيزيف" بأن يظلّ يدحرج الصخرة إلى قمة الجبل، وكعقابٍ له، كان كلما قارب القمّة ينهار وصخرته إلى قاع الوادي، فيعاود الكَرّة من جديد.. غير أننا هذه المرّة مع "سيزيف" أردني، محكومٌ عليه بالنجاح وبلوغ الأمل في دفع الصخرة والتغلّب عليها، وقذفها لتستقرّ في البحر.


فحين يتداول شابٌ أردني من ذوي الاحتياجات الخاصّة مفهوم "الصخرة" مستعيراً كلّ ثقلها، في دفع متواصل، للإلقاء بها في عرض البحر، وحين يستنسخ بطريقة إبداعيّة من نفسه ممرضاً وعسكرياً وشرطي مرور وعامل وطن، للتغلب على هذه الصخرة،.. في مزج إبداعي مثير بين الفيديو والفن التشكيلي(الفيديو آرت)،.. فإنّ في ذلك اشتغالاً لحواس هذا الشّاب جميعها، وهو يعاني، إضافةً لوضعه الخاص، ألَمَ ما يمرّ به الأردن ويعانيه أمام هذه الجائحة الكونيّة المُسماة "كورونا".

فؤاد القعدان (23 سنة)، وهو يقدّم لنا عمله هذا الذي حمل اشتغالاً بأكثر من جنس أدبي وفني، واشتعالاً أيضاً لكلّ مواهبه وطاقته، استحقّ أن يفوز بالمركز الأول من مسابقة "موهبتي من بيتي"في أسبوعها الثالث،..المسابقة التي أطلقتها وزارة الثقافة ضمن فلسفة حفز الإبداع المنزلي وتنظيمه خلال فترة الحظر والبقاء في البيوت.

فالصخرة الهائلة جداً قياساً إلى الحجوم الاعتياديّة لمن تناوبوا على دفعها والتصدّي لها، كانت ضيئلةً جداً، فلسفيّاً، إذا ما قورنت بالجهد الوطني العملاق لمن مثّلوا هذه الكوادر الإنسانيّة العاملة؛ ففي المساحة الزمنية القليلة للفيديو، كنّا أمام حياة كاملة وعمل متواصل وخوف وقلق عبّرت عنه الموسيقى والمؤثرات التي تخللت إبداع الفنان القعدان، الأديب أيضاً، فمن الواضح أنّ تصوّراً قصصياً كان وراء ذلك،.. ولقد أحسسنا بانعدام المسافة بين الشرطي والعسكري والممرض وعامل الوطن، وهم ما إن يستريح أحدهم حتى يحلّ محلّ آخر، أو ما إن يتعب أحدهم حتى يتسلّم المهمَّة آخر، وهو كموضوع يحيلنا إلى التكاتف والتعاضد أمام صخرة"كورونا"، وهي صورة ذهنية جميلة تفتّقت عن إبداع القعدان الذي يبدو أنّه كان لديه استعدادٌ نفسي وإبداعي استفدنا منه في هذا الظرف، وبالتأكيد سيفيد الذائقة الجماليّة الإبداعية له في ما بعد هذه الأزمة، بإذن الله.

لم ينس الفنان القعدان أن يجعل من المدّة الزمنية صفراً بين أيدي ممثلي الكوادر الفنيّة في العمل وهم يعاضلون الصخرة، بجماليّة اللون والحركة والسرعة في الإحلال، دون الإخلال بالذائقة، كما أشعرنا بالجهد المبذول، فكنّا نشاركهم تعبهم ونمسح عنهم عرقهم وتنحني ظهورنا ونضع أيدينا فوق أيديهم أمام صخرة ثابتة ربما لا تتزحزح إلا بشقٍّ من الأنفس، وهي الرسالة التي اعتمدها القعدان في أنّ المصائب الكبيرة أو الأزمات الخانقة ليس من السهل تجاوزها إلا بجهدٍ أكبر منها، فقد كانت الحركة الفيزيائيّة للجسد في أقدام تنغرس في الأرض وتتحرّك بانتظام وحذر شديد تشدّنا إلى الصخرة التي تكاد تبلغ الجبال طولاً، في مساحة خالية من مفردات البيوت والناس، إلا من تلال وهضاب، وربّما يحيلنا ذلك إلى معنى التباعد الاجتماعي أو أنّ مرحلة دفع الصخرة هذه هي المرحلة الأخيرة من مراحل جاءت ضمناً؛ بعد أن كانت بين الناس وقريباً منهم وفي أسواقهم ومناطق سكناهم، فالطبيعة الجرداء تشير بتقديرنا إلى مرحلة نفي "الكورونا" بعيداً؛ إمعاناً في الحكم عليها بالموت المعنوي قبل أن نكون في المشهد الأخير منها، وهو مشهد دفعها إلى البحر لتستقرّ في قاعه، على ما للماء- إن نحن اجتهدنا أو "شطحنا" في التأويل- من دلالة النقاء وغسل النفوس والأجساد من تبعات هذه الصخرة التي هي المرض الثقيل الذي يضغط بكلّ وطأته على النفوس صبح مساء.

هذا وإنّ تتويج كلّ هذه الجهود الإنسانيّة الوطنيّة منذ ما قبل هذه المرحلة وخلالها وفي الفترة الحاسمة منها، جاء من خلال الفرح بالإنجاز، أو احتقار هذه الصخرة، بطرحها من أعلى قمّةٍ إلى جوف البحر، وهذه المرّة من خلال قَدَمِ أحدهم، وهي مرحلة أخيرة ونهائيّة مفرحة كانت بمنزلة قصّ شريط الاحتفال بالنجاح، وتثبيت العلم الوطني بدلالة النصر على حرب، وهو أيضاً ذكاء من الفنان الأديب القعدان في أنّه حمل ما نقوله في أبجدياتنا الوطنية من أننا نعيش حرباً مع الكورونا، ولا حاجة بنا لتبيان قيمة ارتفاع وثبات الراية في المعارك أو الحروب من المنظور العسكري، وفي سماء المشهد برزت خريطة الأردن التي شكّلها الغيم، وهي تقطر معنوياً بالمطر والخير، كما شارك في الفرح بالعَلَم كلٌّ من العسكري والممرض وعامل الوطن وشرطي المرور، وهؤلاء في الواقع عيّنة على عناصر وطنية كثيرة استعاض عنها القعدان بهؤلاء، لما لهم من تعاملٍ يومي في التوجيه والحماية والدفاع والوقاية.

هذا العمل في الواقع مشحون بالتعب النفسي جرّاء الأزمة، بما في الصحراء وظلال الكثبان ووقع المؤثّر الصوتي من خوفٍ كبير، غير أنّ في سماء اللون ثمّة متسعٌ للأمل تحقَّق،.. وقد عرف الفنان القعدان كيف يُفارق ويستلهم الفكرة في فرح الوصول؛ بعيداً عن الشقاء الأسطوريّ بصخرة "سيزيف" المحكوم عليه بأن ينهار في اللحظة الأخيرة التي يصل بها وصخرته الأبديّة قريباً من قمّة الجبل. 

عمون -  ابراهيم السواعير


تابعوا القبة نيوز على
 
جميع الحقوق محفوظة للقبة نيوز © 2023
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( القبة نيوز )