facebook twitter Youtube whatsapp Instagram nabd

مبدعون في كل الأوقات .. عرّاب الفن الكاريكاتيري في الأردن عماد حجاج

مبدعون في كل الأوقات .. عرّاب الفن الكاريكاتيري في الأردن عماد حجاج

القبة نيوز - من سوسن أبو السندس - الفن حالة إبداعية صعبة التحليل، لا أحد على الإطلاق يستطيع أن يفسر كيف تنطلق شرارة الإبداع، هي حالة من التدفق الذهني، يستطيع بها الفنان أن يضع نفسه في أي مكان يريده، والأجمل أنه يصطحب معه محبي هذا النوع من الفنون إلى تلك العوالم التي أبدعها، حالة من النشوة والصفاء تنصهر به ذات المبدع مع ما يقدمه من فنون.


قد يخطر ببالنا أن فنّ الكاريكاتير ما هو إلا نتاج نشرات الأخبار التي تحمل كمَاً من العنف والدمار، إلا أن الفنان عماد حجاج رئيس رابطة رسامي الكاريكاتير الأردني يقول إن مصادر الفنان متعددة ومختلفة، هي ومضة تحدث من محيط الفنان ويتفاعل معها، ومع الوقت يستطيع أن يرى في كل حدث فكرة، حتى الروائح فإن لها سحراً آخر، تتغلغل داخل الذاكرة "فتخرج من داخلي ذلك الطفل الصغير"، وذلك يتمثل في شخصية "اسماعيل" طفل أبو محجوب الذي ينقل تجارب عماد حجاج الطفل.

ويضيف حجاج "أنظر إلى كل أعمالي وأنا فخور بها وراض عنها، ثابت على مواقفي صادق في تعبيري ولا أزيف الرأي العام" ويؤكد على أن فن الكاريكاتير ما هو إلا تعبير عن الأفكار النابعة من الثقافة الشخصية للفنان، يحمل بين طياته رسالة.

ومن خلال متابعة النشاطات المنزلية لحجاج في "أوقات الحجر المنزلي" نجد أنه مستمر في عمله وينتج رسومات تحاكي الواقع خالقا وسط الهموم بسمة صغيرة ويصف حجاج هذا النوع من الفنون أنه "الفن المضحك المبكي".

بداية الفنان عماد حجاج
كان الخيال حاضنا لإبداعه وملجأ لأحلامه، يعيش صراعاً بين نفسه وواقعه، يحمل بداخلة قوة أنارت له دربه واستطاع بها أن يخرج من منطقة اللاشعور، ممسكاً زمام أمره، يروي لنا عن نفسه قصة جديدة تحكي عن ولادة فنان محملا بالطاقة والإبداع.

قال حجاج درست الفيزياء بمنحة جامعية، ولم أكن أحظى وقتها برفاهية اختيار التخصص، منذ بداية الطريق وأنا أعلم جيدا أني لا أنتمي لكلية العلوم، إلى أن بدأت السنة الثالثة وتحديداً عشية امتحان مادة الفيزياء النووية، كنت في حالة لا أستطيع وصفها، فاليوم التالي ذهبت لتقديم الامتحان وأمسكت بورقتي وبدأت، لم أبدأ بالإجابة ولم تحضرني ولا حتى معادلة واحدة، كلّ ما فعلته أني رسمت علماء الفيزياء تعلوهم هالة من الأرقام والمعادلات الحسابية حائرون بين تلك الأرقام، يتوسطهم فنانٌ يرسم لوحة يهيم بها فرحا وسعادة، وكأني أعبر عن نفسي متسائلاً "ماذا أفعل بينهم"؟

أتممت رسمتي وكنت أول طالبٍ يخرج من قاعة الامتحان، أنهكتني تلك الحالة لدرجة أنني كنت أتصبب عرقا، ظن الجميع حينها أني ذلك الطالب المجتهد الذي أنهى إجابته وخرج مسرعاً مخلفاُ وراءه الأمل في الدرجات العالية، لم تمر تلك الرسومات على ورقة الامتحان مرور الكرام أمام أستاذي الذي آمن بموهبتي ودعمني حتى تمكنت من أن أحول تخصصي إلى قسم الفنون الجميلة.

تغيير جذري نال من حجاج طالب الفيزياء محولا إياه الى الفنان الذي يرى الحياة بألوان الطيف، إنسان جديد بشخصه وطباعه أكثر انطلاقا وانفتاحا وتفهما، يقول حجاج وقتها كنت أرسم في كل مكان لدرجة "أني رسمت على الحيطان"
لمع نجم حجاج داخل محيطه الجامعي بعدما قدّم عدة لوحات نُشرت على صحيفة اليرموك" الصحيفة الجامعية الرسمية"، وأصبحت الأصابع التي توجهت إليه باللوم تتوجه إليه بالإعجاب، يقول حجاج عملي بصحيفة اليرموك مثّل "مختبرا صغيرا لجميع الأحداث التي مررت بها لاحقا"، بعد التخرج عمل في شركة لتصميم الإعلانات دون أن يكون لعمله مردود مالي أو حتى وظيفي مرضي، وعمل بعدها بصحيفة الرأي الأردنية التي مثلت بداية انطلاقته في عالم الصحافة.

حكاية أبو محجوب:
كل إنسان في مرحلة ما، يجد نفسه محاكيا ومقلداً لشخصية أبيه، أمّا مع الفنان فالقضية لها بعد آخر، يقول حجاج " أبو محجوب يمثل والدي ببدلته وقوامه وتفاصيل الوجه النحيل نفس العقال ولفة الشماغ ".

ويضيف حجاج "أحببت الاسم منذ أن سمعته" له وقع خاص منطوقا ورسما فتدرج الحروف: حاء تبعها جيم ومن ثم "الواو" وصولا إلى أخر حرف، كل ذلك له سِحر آخّاذٌ، ولم يتوقف الإبداع إلى هذا الحد حيث أن أبو محجوب بخطوط وجهه يرسم خارطة الأردن لكنها "معكوسة".

شخصية أبو محجوب تخلق لغة مشتركة بين الفنان وبين الجمهور إلا أنه يُعّرِض الفنان لحالة من الرتابة، وقد تمر بعض الحالات لا يستطيع أبو محجوب أن يعبر عنها، يقول حجاج "أنا مقننٌ جدا في اختيار هذا القالب وأركز على الكاريكاتير السياسي في هذه المرحلة".

أما عن مستقبل أبو محجوب قال حجاج "أتمنى أن يبقى أيقونة الفن الساخر ويبقى قيمة فنية أردنية حية على مداد الأجيال مثل "شخصية سوبر مان"، ومن الجدير بالذكر أن شخصية أبو محجوب قد اُتيحت للرسم من قبل مجموعة من الفنانين في معرض قدم أكثر من 20 لوحة له، كلٌ أضاف عليه من روحه ورسمه بطريقة مختلفة.

محددات الكاريكاتير:
يمتنع حجاج عن رسم مشاهد العنف أو المشاهد الدموية، وهو ضد الإسفاف أو الابتذال، خصوصا بعدما يصل الفنان إلى بناء قاعدة جماهيرية كبيرة ويدخل كل البيوت ويتابعه الصغار والكبار، محددات وضعها لنفسه من نتاج تجربته الشخصية.

يصف حجاج مهنته بأنها " مهنة المصاعب" إذ انها مادة رأي في نهاية المطاف، فكثيرٌ من الفنانين تعرضوا للاعتداء بسبب اختلاف الأراء منهم من أُطلق عليه النار مثل ناجي العلي ومنهم من قطعت أصابعه مثل الفنان علي فرزات.
أما المجتمع باختلاف أذواقه وأفكاره فرض على الفنان نوع آخر من الرقابة لا سقف ولا ضوابط لها، يقول حجاج " دعيت للمثول أمام القضاء كثيرا بسبب سوء الفهم"

ما يميز تجربة حجاج:
رسومات حجاج أسست لعلاقة قوية بينه وبين جمهوره، وهي مثال حي على "حرية التعبير" في الأردن، ولحجاج بصمات مطبوعة في ذهن الأردنيين يقول حجاج "أول من جسد رؤساء الوزارة بأشكالهم الطبيعية بداية من دولة فايز الطراونة إلى دولة عبدالكريم الكباريتي مرورا بدولة عبد الرؤوف الروابدة، تجربة تمثل الحياة الديمقراطية بأبهى حللها، حين يستطيع المواطن أن يمارس حقه في التعبير عن رأيه، إلا أن بعض الساسة وأصحاب القرار لا يحبون من يقدمهم بهذا المحتوى وهذا كان سبب إقصائي من جريدة الرأي" إلا أنه أشاد بتجربته مع دولة عبدالكريم الكباريتي حيث تعتبر أنموذجا ديمقراطيا حقيقيا، لأنه فهم معنى السخرية الهادفة، وتقبله بروح رياضية.

فكرة رابطة رسامي الكاريكاتير:
في عام 1993 بدأت فكرة تنظيم رابطة تجمع بين الفنانين اجتماعيا وفنيا، يقول حجاج كان على رأس المنظمين المرحوم الفنان محمد طملية -صحفي ساخر أردني -والنائب الحالي الأستاذ جميل النمري، إلا أن أيّاً من تلك الأفكار لم تُترجم على أرض الواقع، وفي عام 2008 أجمع مجموعة من الرسامين والكتَاب الساخرين - منهم الفنان أحمد رسمي والفنان جلال الرفاعي ومن معان الفنان نضال هاشم- على تنفيذ ما أُتفق عليه مسبقا، وبدأنا بتنفيذ رابطة رسامي الكاريكاتير الأردني وسُجلت رسميا بوزارة الثقافة، ومن أهم أهدافها تنمية المهنة وتعزيز العلاقات بين المبدعين في الأردن، وتوفير فرص عمل لمن لا عمل له من الفنانين في ظل الأحوال الاقتصادية الصعبة، وفتح نوافذ الاتصال بين الفنانين الأردنيين ونظرائهم من الفنانين العرب والأجانب، "وما يميزنا الآن الأجواء الحميمية التي تجمع 25 عضوا من ضمنهم امرأتين."

مهرجان الكاريكاتير الأردني الذي عقد بنسخته الأولى، قبل نهاية الشهر الماضي هو ثمرة من ثمار الرابطة، يهدف إلى تقديم رسائل بصرية تساعد على بناء الرأي العام بأسلوب ساخر وناقد في زمن تتراقص فيه الأحلام مع الآلام ويُسرق واقع الطفولة ويُراق دم مستقبلها، حين تصبح هموم الأطفال أكثر من قطعة حلوى، و تتبدل الأدوار ويغدو الطفل الصغير صباحاً إلى عمله عوضاً عن مدرسته، ليؤمن لنفسه ولمن حوله المأكل والمشرب، حينها يُسرق مستقبلٌ أمةٍ بأكملها ويضيع الأمل في التغيير، فأطفال اليوم هم حماة المستقبل، 65 لوحة فنية عُرضت في مهرجان الكاريكاتير الأردني تروي بسخرية حكاية زمن تُغيّب فيه الطفولة، حاملا عنوان "حقوق الأطفال".

تابعوا القبة نيوز على
 
جميع الحقوق محفوظة للقبة نيوز © 2023
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( القبة نيوز )
 
تصميم و تطوير