facebook twitter Youtube whatsapp Instagram nabd

الأوبئة .. وقفة مع التاريخ

الأوبئة .. وقفة مع التاريخ

د. فيصل الغويين

القبة نيوز-يبدو تاريخ البشرية مع الأوبئة مروعًا، ومسببًا لانهيار مجتمعات ودول وامبراطوريات؛ فقد سيق ظهور فايروس كورونا الجديد العديد من الأوبئة عبر الزمن الموثق، ويبدو هذا المرض الآن هادءا، وليس مميتا بالمعنى الحرفي للكلمة مقارنة بالعديد من الأوبئة الفتاكة السابقة، والتي تسببت في قتل أعداد كبيرة من السكان. وكان لهذه الأوبئة تداعيات كبيرة على المجتمع البشري بداية من قتل أعداد كبيرة من سكان العالم، وصولا إلى جعل الانسان يفكر في أسئلة أكبر عن الحياة والوجود.


فعلى مر التاريخ البشري أثرت الأوبئة على الحضارات والدول والشعوب، منذ أول تفش معروف عام 430 ق. م في الحرب بين حلفاء أثينا وحلفاء اسبارطه. وفي الفترة ما بين (165- 180م) ضرب الطاعون الامبراطورية الرومانية، مسببا موت 5 ملايين شخص على مستوى العالم، ويمكن اعتبار موجات الأوبئة التي ضربت الامبراطورية الرومانية على مدى أربعة قرون من أسباب زوالها.

وفي القرن السادس الميلادي ضرب الطاعون العالم آتيًا من الامبراطورية البيزنطية ، حيث أدى هذا الوباء إلى مقتل ما بين 30 – 50 مليون انسان، وهو ما يمثل حسب التقديرات نصف سكان العالم المعروف آنذاك. كما ساهم تفشي هذا الوباء في توقف الأنشطة التجارية واضعاف الامبراطورية البيزنطية.

وامتداد لهذا الوباء وقع طاعون عمواس في السنة 15ه (620م)، خلال خلافة عمر بن الخطاب، بعد فتح بيت المقدس، وكانت بدايته بلدة عمواس الواقعة بين القدس والرملة، ثم انتشر في بلاد الشام. وتشير الروايات التاريخية إلى وفاة أعداد كبيرة من الناس، قددرت ما بين 25- 30 ألف، حيث عرفت هذه السنة بعام الرمادة. وكان من أبرز من ماتوا في هذا الوباء: ابو عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، ويزيد بن أبي سفيان، وضرار بن الأزور، وغيرهم من كبار الصحابة.

وخلال القرن الرابع عشر الميلادي أدى انتشار الطاعون الأسود في جميع أنحاء اوروبا، والذي بدأ من جنوب غرب آسيا، ووصل أوروبا أواخر عام 1340 م إلى مقتل ما بين 75 - 100 مليون انسان في العالم، الأمر الذي أحدث اختلال سكاني كبير، احتاج إلى حوالي قرنين للعودة إلى عدد السكان قبل هذا الاجتياح الوبائي. كما ترتب عليه تراجع القنانة (عبودية الفلاحين) حيث مات الكثير من الناس، لدرجة أن مستولى معيشة الناجين قد ارتفع، كما ساهم في زيادة فرص العمل، وتنامي الحراك الاجتماعي، وتوقف الحروب لفترة قصيرة.

وبعد حركة الكشوف الجغرافية واكتشاف الأمريكيتين، تدفق الأوروبيون وخاصة الاسبان إلى هذه المناطق، حاملين معهم أمراض جديدة كالجدري الذي أدى تفشيه، أو نشره عن قصد، إلى موت 90% من سكان القارتين، وهو ما أتاح للأوروبيين استعمار المناطق التي تم اخلاؤها، وتغيير تاريخ القارتين. وخلال القرن السابع عشر اجتاح الطاعون اشبيلية فقتل حوالي 75 ألف من السكان، و 20% من سكان لندن.

وخلال القرن التاسع عشر ظهر وباء الكوليرا في آسيا وافريقيا مسببا وفاة عشرات الآلاف من الناس. وكانت أكبر حالات تفشي الوباء في اليابان وموسكو وباريس ولندن. كما انتشر الوباء في الامبراطورية العثمانية خلال حرب البلقان (1912-1913). وتسببت في العديد من الوفيات. وهو المرض الذي لا يزال مستمرا حتى اليوم. ونظرا إلى أن عدوى الكوليرا ناتجة عن طعام أو ماء ملوثين بجراثيم معينة فقد ألحق الضرر بأغلبية ساحقة في الدول التي تعاني من التوزيع غير العادل للثروة وغياب التنمية الاجتماعية، ولا تزال تلحق الضرر بالمناطق الفقيرة، في حين أنها لا تؤثر بشكل كبير على الدول الغنية.

كما كان الجدري على مر التاريخ المرض الأكثر تسببا في الوفيات. وفي عام 1980 أعلنت منظمة الصحة العالمية عن استئصال هذا المرض كليا. ,كان (التيفوس) من الأوبئة التي تفشت وخاصة عام 1848، والذي قتل أكثر من عشرين ألف شخص، معظمهم من الايرلنديين الذين فروا إلى كندا من المجاعة الكبرى.

وخلال الحرب العالمية الأولى عاد المرض للانتشار بين جيوش دول اوروبا الشرقية، حيث توفي ما يقرب من 150 ألف في يوغسلافيا وحدها، ويعتقد أن ثلاثة ملايين انسان توفي خلال الحرب الأهلية الروسية (1917- 1923) .

وبين عامي 1918- 1920 تفشى ما عرف آنذاك بالانفلونزا الاسبانية، والتي تسببت في وفاة ما بين 50- 100 مليون شخص في العالم. ويعتقد أنها لعبت دورا في انهاء الحرب العالمية الأولى خاصة أنه كان يصيب بشكل أساسي الشباب.

وفي السنوات من 1968 – 1970، انتشر فيروس آخر للانفلونزا. وتشير التقديرات إلى موت مليون انسان في العالم. ورغم أن هذا الفيروس لم يكن قاتلا مثل الانفلونزا التي انتشرت مع نهاية الحرب العاملة الأولى، فقد كان معديا بشكل كبير، حيث أصيب نصف مليون شخص خلال أسبوعين من اكتشاف أول حالة.

أما انفلونزا الخنازير فقد تسببت منذ عام 1957 حتى الآن في موت حوالي ثلاثة ملايين انسان. كما تفشى فايروس ايبولا في غرب افريقيا في الفترة ما بين 2013- 2016، وتسبب في وفاة حوالي 12 ألف شخص. وفي بداية الثمانينات من القرن الماضي ظهر فيروس نقص المناعة المكتسبة (الايدز)، حيث توفي حوالي 35 مليون شخص منذ ذلك الحين.

وخلال عامي 2002 – 2003 ظهر فايروس (سارس) ابتداء من هونغ كنغ، وانتشر المرض خلال أسابيع إلى عشرات الدول، وأدى إلى مقتل واصابة حوالي 10 آلاف شخص. وتم احتواء المرض منذ عام 2004.

أما النوع الجديد من فايروس كورونا الذي بدأ في الانتشار أواخر عام 2019، ورغم نسبة الوفيات المنخفضة نسبيًا بالمقارنة مع الأوبئة السابقة ، إلا أن خطورته تكمن في سرعة انتشاره كالنار في الهشيم.

ومما يثير القلق بشأن القيروس الجديد أنه قد يكون أحد أدوات الدول الكبرى في تحطيم نفوذ منافسيها (الصراع الأمريكي- الصيني على قيادة العالم)، وعدم وجود علاج له حتى الآن، وعن مدى اانتشاره زمنيًا وجغرافيا، وإلى متى سيستمر. وتبدو آثاره كارثية على المستوى الاقتصادي، حيث تسبب في شل الحياة في معظم دول العالم، وقد يؤدي إلى انهيار اقتصادي وأزمة اقتصادية شبيهة بأزمة عام 1929، والتي أدت إلى ظهور الحراكت القومية المتطرفة كالفاشية والنازية، وهو ما قاد العالم إلا حرب عالمية جديدة، أدت إلى تغيير موازين القوى التي حكمت العالم طيلة قرون سابقة. كما ستكون لهذا الوباء الجديد آثار اجتماعية وسياسية تفوق نتائج الحروب، وقد يكون جزءا من بداية حروب جديدة، في مرحلة تشهد تحول تاريخيا لمراكز القوى من الغرب إلى الشرق.


تابعوا القبة نيوز على
 
جميع الحقوق محفوظة للقبة نيوز © 2023
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( القبة نيوز )
 
تصميم و تطوير