المائة دولار" تحت قدمي .. شعورٌ بالإنتصار
م. يحيى حامد
القبة نيوز- لَمْ يَكُنْ هذا الشّعورُ بالإنْتِصار الّذي راوَدَني هو في الواقِعِ نَتيجةً فِعْلِيّةً مُباشِرةً لِحَقيقةِ أنّني قدْ دُستُ قاصِداً و مُتَعَمِّداً و بِقرار على وَرَقَةِ المائةِ دولار, كما و أنّني لَمْ أكُنْ في تَجَمُّعٍ طُلّابيٍّ ثَوريٍّ في نِيويورك أوْ فرانكفورت يَدعو إلى إحتلالِ وُول ستريت والانتفاضِ على رأس المال.
لَقد كان الأمر مُجَرّدَ صُدفةٍ حَدَثتْ معي في إحدى ضواحي عمّان , خارِجاً منْ مَكتبي مُتَوَجِّهاً ماشِياً إلى الدُّكان القريب لأشتري أوقِيّةً من القَهْوةِ أدْفَعُ ثَمَنَها بالدّينار و ليس بالدولار ( و إنْ كُنتُ أعْرِفُ إرتباط الإثنيْن ضِمنَ مُعَادَلةِ الإقتصاد العالميِّ المُعقّدةِ و الّتي لا نَعْرِفُ عن تفاصيلِها ويَبْدو لِي أنّهُ لا يُرادُ للناس في هذا العالمِ أنْ يَعرِفوا عنْ تَفاصيلها إلاّ الشّيْء القليل).
و في ساحَةِ إصْطِفافِ السّيّارات على بابِ المُجَمّعِ التجارِيّ الّذي فيه مَكْتَبي صادَفَ أنّ سيّارةً مُتَأَنِّقَةً كانت تَقومُ بالإصْطِفاف وَنَزَلَ مِنْها شابٌّ مُتَأنِّقٌ وأنيقٌ و يَبدوعَلى مَلامِحِ وَجْهِهِ مِن الوَهْلَةِ الأُولى شُعورٌ بالثِّقةِ بالنّفسِ قدْ يَكونُ بَدا لي في إدراكِ اللاوعيِ العميقِ لديَّ ( و الّذي حَقيقَةً ليس دائماً يُصيب) أنّها (أي هذهِ الثّقة في النفس) قدا كانت في تِلك اللّحظة زائِدةً قليلاً عنْ المُستوى الطّبيعيِّ الصِّحيِّ الإيجابِيِّ ومِثْلُ هذِه الثّقة الزّائدة قَليلاً قدْ نراها عِنْدَ عَدَدٍ غيرِ قليلٍ من الشّباب أصحابِ الشّهادات الأكاديميّة في بِدايةِ حياتِهم العَمَليّة و الّذينَ لم يَخوضوا بعدُ خُطوبَ الحياةِ بما فيها من بعض البداياتِ السّهلةِ أحياناً و الكثيرِ من الصُّعوبات و هذه الثّقة الزائِدة أحياناً لا أعْتَقِدُ أنّها مُشكِلةٌ كبيرةٌ ما دام الانسان قابلاً للْتَعَلُّمِ و ما دامتْ هذهِ الثِّقة لم تَتَحَوّل إلى أكثر من ذلك.
هؤلاء الشّباب سوف تَصْقُلُهُم الأيّام, أسْتَطْرِدُ لأقولَ أنَّ سَبَبَ نَظَري المُتَحَقّق إلى هذا الشّاب لَمْ يَكُنْ أناقّةَ ملابِسِهِ و لا أناقةَ سَيّارَتِهِ ولكِنّني أَرَدْتُ أنْ أتَأكّدَ ما إذا كانَ هذا الشّابُّ هو أحَدُ جيراني المُباشِرين في المُجَمّع لِأُلقي عَليهِ تَحِيّةَ الجارِ للجار أوْ أنّهُ أحد الزّائرين الّذين لا أعْرِفُهم شخْصيّاً فَأُسلّمَ عَليهِ بالتّحيّة العامّة غير الخُصوصيّة إذا كان الموقِفُ يَسْتَدعي إلْقاء السّلام بِشَكْلٍ مُباشرٍ عَليه,لمْ يَكُنْ هُنالِكَ ضَرورة أو فُرْصَة لإلْقاء السّلام بِشكلٍ مُباشر حيثُ أنّه قد بَدا لي أنَّ هذا الشّاب قدْ كان على عَجَلَةٍ من أمْرِهِ فَمَرَرْتُ عَلى مَقْرُبةٍ مِنْهُ مُتابِعاً طَريقي إلى الدُّكان وَعِند مُروري بالقُرْبِ مِنهُ رَأيْتُ على الأرضِ في ساحَةِ إصْطِفافِ السّيّارات على بُعْدِ مترٍ أو مِترينِ من هذا الشّاب مَجْموعةً من الأوراق النّقدِيّةِ من فئةِ المائةِ دولار, لمْ يَكُن صَعْباً إدراك ما حَصل, لَقَدْ سَقَطَ جاكيت بَدْلة هذا الشّاب و الّذي كان يَحْمِلُهُ مَثْنِيّاً على يَدِهِ وَبِطريقةٍ أو بِأُخرى خَرَجتْ من جيْب الجاكيت هذِهِ الأوراق النّقْدِيّة و كانت هذه الأوراق النّقديّة الّتي قَدّرْتُ عَدَدَها من النّظرةِ الأولى أنّها ثّمانيةُ أوراق مُجْتَمِعةً حَوْل بَعْضِها في دائِرةٍ صغيرة نسبِيّاً قبلَ أن تَهُبّ نَسائِمُ هواءٍ لِتَحْمِلَها بعيداً قَليلاً عن بَعْضِها و قَريباً من الشّارِع و كانَ الأمْرُ يَحْتاجُ بعضَ المُساعدة و التَدخُّلِ مِنّي و قدْ لاحَظْتُ أنّ الشّاب قدْ إنْتَبَهَ أيْضاً لِسُقوطِ و تَطايُرِ هذِه الأوراقِ النّقديّة تقريباً في نفس الوقت الّذي رَأيْتُها أنا فيه مُتَناثرةً على الأرض و لاحَظتُ أنّ الشّاب قد إنْتابَهُ شَيْءٌ قَليلٌ مِن الإرْتِباك وهو يَرى دولاراتِه على الأرض وَتَحْمِلُها نَسائِمُ الهواء شيْئاً فَشيْئاً بَعيداً قَليلاً فَبَدَأتُ مُساعَدَتي البَسيطةِ لَهُ في هذا الأمر البَسيط من خِلال إرْسالِ رِسالةِ تَهْدِئةٍ بسيطة مُحمّلةٍ بِشيْءٍ قَليلٍ من المُزاح :"إمْسِكْ", قُلْتُ لَهُ بِهُدوء و كأنّي أشيرُ إلى شيْءٍ يَخُصُّهُ أرادَ مُتَعَمِّداً الهُروب..بادَرَ هُوَ إلى جَمْعِ بعض هذهِ الأوراق عن الأرض و ساعدتُهُ أنا في جَمعِ بَعْضِها و كانت الوَرَقة الأخيرة قدْ حَمَلَها الهواء إلى طَرف الشّارع المَليء بالسّيّارات وَكُنتُ أنا الأقرَبَ لها و كانتْ نَسَمات الهواء تُواصِلُ حَمْلَها إلى مَسافةٍ أبعدعن الرَّصيف و أقرب إلى مَسارِ السّيّارات, تَنَبّهْتُ إلى ضَرورةِ الحَذَر وحُسنِ التّصَرُّفِ عندَ مُتابَعةِ هذه "المائة دولار" وَوازنتُ نظريَ بين النّظرِ إليها و النّظَرِ إلى حَرَكَة السّيّارات و في الوقْتِ المُناسب لمْ أنحني لِألْتَقِطها حيْثُ أنّ خَطَر السّيارات كانَ لا يَزالُ قائِماً وإنّما قَرّرتُ أن أَمْنَعَ إبْتِعادِها أكثرَ مع الهواء من خِلالِ الدّوْسِ عَليها بِقَدمي مع المُحافظةِ على قامتي بَعيدةً قدْرَ الإمْكانِ عنْ مِسارِ السّيّارات و على رأسي مُرْتَفِعاً و على نَظري مُتابِعاً لِحَرَكةِ السّيارات وَبَعْدَ لَحَظات كانتْ السّيارات القادِمة بَعيدة نوْعاً ما و كان بإمْكاني الإنْحناء بِهُدوءٍ و تَركيز و إلْتِقاطِ هذه "المائةِ دولار" العنيدة دون أيّ خَطَرٍ عليّ , إلْتَقطُها وأعْطيْتُها لصحاحِبها و طَلَبتُ مِنهُ أن يَعُدَّ نُقُودَه, كانتْ هذهِ هي المرّة الأُولى الّتي أَدُوسُ فيها قاصِداً و مُتَعَمَّداً و بِقَرارٍ على وَرَقةٍ نَقْدِيّة وَقَدْ تَصادَفَ أنّ هذهِ الصُّدْفة قد قادتْني إلى الدّوْسِ بِقَدّمي على وَرَقةِ المائِةِ دولار وَلكِنّني حَقيقَةً عنْدَما فَعَلْتُ ذلكِ قدْ إنْتابني شُعورٌ بِنَوْعٍ من الإِنْتِصار, تفَكّرْتُ بعْدَ ذلك باحِثاً في نَفْسي عن سَبَبِ هذا الشُّعور الّذي راوَدّني فَوَجَدْتُ أنّه قدْ كان لهُ سَبَبين رئيسييّن: الأوّلُ هو أنّني قد تَمَكّنْتُ من تَقديمِ مُساعدةٍ و لو بَسيطةٍ لغيري و لكن بهُدوءٍ و ترْكيزٍ و دون إنْفِعال و السّبَبُ الثاّني و هوَ الأهمُّ هو أنّني في مَعْرِضِ سَعْيي للْمُحافَظةِ على هذه المائة دولار أو الحُصولِ عليها أو إسْتِردادها قدْ أعْطَيتُ الأولويّة الكُبرى لِسَلامتي و سَلامةِ من حَوْلي و ليْس لإسترْدادِها أو الحُصولِ عَلَيْها, فَكّرتُ قَليلاً و إسْتِنْتَجتُ أنّني كإنسان يَعيشُ في هذا العالم سَأنْتَصِرُ دائماً على المائة دولار و على الألْفِ دولار و على المَليونِ دولار إذا كان العَقلُ حاكِماً في مَعْرِضِ سعيي لِلُحُصولِ عَلَيْها و إذا كُنتُ في سَعيي لِتَحْصيلها مُعْطِياً الأوْلَويّة ليس لها و لكن لِسلامتي و أمني و سلامةِ و أمنِ من حولي ليسَ فَقط على المَدى القَريب و لكنْ على المَدى المُسْتَقبَليِّ البعيد لقد تَذكّرتُ و أدرَكتُ مَرّةً أُخرى من خِلالِ هذِهِ المُصادفة الّتي عايَشْتُها أنّ هذهِ الأوراق النَقْدِيّة و حتَى المُمْتَلَكات الّتي يُمْكِنُ لي أن أقْتَنيها بِها , أنّ هذهِ الأمور الماديّة كُلُّها ليست أهم من سلامتي و حياتي ومِن سلامة و حياة من حولي و ليست أهم من أمْن الحياةِ و إستِمْرارها المُطّرد الهادِئِ وإستِقرارها و أنّها كُلُّها قد تَتَطايرُ في لَحْظةٍ ما لأسبابٍ مُخْتَلِفةٍ و تَذْهبَ أدْراج الرّياح , و على ذِكرِ الدولار و رأس المال فإنّني في مقالي الّذي أعمَلُ عليهِ حاليّاً عن فِكْرَةِ الإقْتِصاد الإجتماعي التّشارُكي أُحاوِلُ أن أوَضّحَ كيْفَ يُمْكِنُ لنا نَحنُ كَمُجْتَمَعٍ إنسانيٍّ أن نَتَعامَلَ مع الدولار و رأس المال مع المُحافظة على أمْنِنا و سلامَتِنا المُجْتَمَعِيّة و الفرديّة ومع المُحافظة أيضاً على الايجابية و الإنتاجيَة و المُحافظة على القُدْرةِ على الإبداع و على البُنْيةِ الأساسيّة لِمَفهومِ و تَطبيقِ مَبْدَئِ العَدالةِ الإجتِماعِية , و على ذِكرِ القهْوة فإنّني قد وَضَعْتُ في الأيام السابقة الأفكار الرّئيسية لِمقالٍ أرجو أن يَكتَمِلَ قريباً عن موضوعِ " القَهوةِ الأُردِنيّة" و إنّني أرجو أن يَكونَ مشروع هذا المَقال ! أو مَقالُ هذا المشروع ! بِروْنَقٍ إنسانيٍّ و بِنِكهةٍ وطَنيّة.
وَسَلِمتُمْ أصْدِقائي و للحديثِ بَقيّة
لَقد كان الأمر مُجَرّدَ صُدفةٍ حَدَثتْ معي في إحدى ضواحي عمّان , خارِجاً منْ مَكتبي مُتَوَجِّهاً ماشِياً إلى الدُّكان القريب لأشتري أوقِيّةً من القَهْوةِ أدْفَعُ ثَمَنَها بالدّينار و ليس بالدولار ( و إنْ كُنتُ أعْرِفُ إرتباط الإثنيْن ضِمنَ مُعَادَلةِ الإقتصاد العالميِّ المُعقّدةِ و الّتي لا نَعْرِفُ عن تفاصيلِها ويَبْدو لِي أنّهُ لا يُرادُ للناس في هذا العالمِ أنْ يَعرِفوا عنْ تَفاصيلها إلاّ الشّيْء القليل).
و في ساحَةِ إصْطِفافِ السّيّارات على بابِ المُجَمّعِ التجارِيّ الّذي فيه مَكْتَبي صادَفَ أنّ سيّارةً مُتَأَنِّقَةً كانت تَقومُ بالإصْطِفاف وَنَزَلَ مِنْها شابٌّ مُتَأنِّقٌ وأنيقٌ و يَبدوعَلى مَلامِحِ وَجْهِهِ مِن الوَهْلَةِ الأُولى شُعورٌ بالثِّقةِ بالنّفسِ قدْ يَكونُ بَدا لي في إدراكِ اللاوعيِ العميقِ لديَّ ( و الّذي حَقيقَةً ليس دائماً يُصيب) أنّها (أي هذهِ الثّقة في النفس) قدا كانت في تِلك اللّحظة زائِدةً قليلاً عنْ المُستوى الطّبيعيِّ الصِّحيِّ الإيجابِيِّ ومِثْلُ هذِه الثّقة الزّائدة قَليلاً قدْ نراها عِنْدَ عَدَدٍ غيرِ قليلٍ من الشّباب أصحابِ الشّهادات الأكاديميّة في بِدايةِ حياتِهم العَمَليّة و الّذينَ لم يَخوضوا بعدُ خُطوبَ الحياةِ بما فيها من بعض البداياتِ السّهلةِ أحياناً و الكثيرِ من الصُّعوبات و هذه الثّقة الزائِدة أحياناً لا أعْتَقِدُ أنّها مُشكِلةٌ كبيرةٌ ما دام الانسان قابلاً للْتَعَلُّمِ و ما دامتْ هذهِ الثِّقة لم تَتَحَوّل إلى أكثر من ذلك.
هؤلاء الشّباب سوف تَصْقُلُهُم الأيّام, أسْتَطْرِدُ لأقولَ أنَّ سَبَبَ نَظَري المُتَحَقّق إلى هذا الشّاب لَمْ يَكُنْ أناقّةَ ملابِسِهِ و لا أناقةَ سَيّارَتِهِ ولكِنّني أَرَدْتُ أنْ أتَأكّدَ ما إذا كانَ هذا الشّابُّ هو أحَدُ جيراني المُباشِرين في المُجَمّع لِأُلقي عَليهِ تَحِيّةَ الجارِ للجار أوْ أنّهُ أحد الزّائرين الّذين لا أعْرِفُهم شخْصيّاً فَأُسلّمَ عَليهِ بالتّحيّة العامّة غير الخُصوصيّة إذا كان الموقِفُ يَسْتَدعي إلْقاء السّلام بِشَكْلٍ مُباشرٍ عَليه,لمْ يَكُنْ هُنالِكَ ضَرورة أو فُرْصَة لإلْقاء السّلام بِشكلٍ مُباشر حيثُ أنّه قد بَدا لي أنَّ هذا الشّاب قدْ كان على عَجَلَةٍ من أمْرِهِ فَمَرَرْتُ عَلى مَقْرُبةٍ مِنْهُ مُتابِعاً طَريقي إلى الدُّكان وَعِند مُروري بالقُرْبِ مِنهُ رَأيْتُ على الأرضِ في ساحَةِ إصْطِفافِ السّيّارات على بُعْدِ مترٍ أو مِترينِ من هذا الشّاب مَجْموعةً من الأوراق النّقدِيّةِ من فئةِ المائةِ دولار, لمْ يَكُن صَعْباً إدراك ما حَصل, لَقَدْ سَقَطَ جاكيت بَدْلة هذا الشّاب و الّذي كان يَحْمِلُهُ مَثْنِيّاً على يَدِهِ وَبِطريقةٍ أو بِأُخرى خَرَجتْ من جيْب الجاكيت هذِهِ الأوراق النّقْدِيّة و كانت هذه الأوراق النّقديّة الّتي قَدّرْتُ عَدَدَها من النّظرةِ الأولى أنّها ثّمانيةُ أوراق مُجْتَمِعةً حَوْل بَعْضِها في دائِرةٍ صغيرة نسبِيّاً قبلَ أن تَهُبّ نَسائِمُ هواءٍ لِتَحْمِلَها بعيداً قَليلاً عن بَعْضِها و قَريباً من الشّارِع و كانَ الأمْرُ يَحْتاجُ بعضَ المُساعدة و التَدخُّلِ مِنّي و قدْ لاحَظْتُ أنّ الشّاب قدْ إنْتَبَهَ أيْضاً لِسُقوطِ و تَطايُرِ هذِه الأوراقِ النّقديّة تقريباً في نفس الوقت الّذي رَأيْتُها أنا فيه مُتَناثرةً على الأرض و لاحَظتُ أنّ الشّاب قد إنْتابَهُ شَيْءٌ قَليلٌ مِن الإرْتِباك وهو يَرى دولاراتِه على الأرض وَتَحْمِلُها نَسائِمُ الهواء شيْئاً فَشيْئاً بَعيداً قَليلاً فَبَدَأتُ مُساعَدَتي البَسيطةِ لَهُ في هذا الأمر البَسيط من خِلال إرْسالِ رِسالةِ تَهْدِئةٍ بسيطة مُحمّلةٍ بِشيْءٍ قَليلٍ من المُزاح :"إمْسِكْ", قُلْتُ لَهُ بِهُدوء و كأنّي أشيرُ إلى شيْءٍ يَخُصُّهُ أرادَ مُتَعَمِّداً الهُروب..بادَرَ هُوَ إلى جَمْعِ بعض هذهِ الأوراق عن الأرض و ساعدتُهُ أنا في جَمعِ بَعْضِها و كانت الوَرَقة الأخيرة قدْ حَمَلَها الهواء إلى طَرف الشّارع المَليء بالسّيّارات وَكُنتُ أنا الأقرَبَ لها و كانتْ نَسَمات الهواء تُواصِلُ حَمْلَها إلى مَسافةٍ أبعدعن الرَّصيف و أقرب إلى مَسارِ السّيّارات, تَنَبّهْتُ إلى ضَرورةِ الحَذَر وحُسنِ التّصَرُّفِ عندَ مُتابَعةِ هذه "المائة دولار" وَوازنتُ نظريَ بين النّظرِ إليها و النّظَرِ إلى حَرَكَة السّيّارات و في الوقْتِ المُناسب لمْ أنحني لِألْتَقِطها حيْثُ أنّ خَطَر السّيارات كانَ لا يَزالُ قائِماً وإنّما قَرّرتُ أن أَمْنَعَ إبْتِعادِها أكثرَ مع الهواء من خِلالِ الدّوْسِ عَليها بِقَدمي مع المُحافظةِ على قامتي بَعيدةً قدْرَ الإمْكانِ عنْ مِسارِ السّيّارات و على رأسي مُرْتَفِعاً و على نَظري مُتابِعاً لِحَرَكةِ السّيارات وَبَعْدَ لَحَظات كانتْ السّيارات القادِمة بَعيدة نوْعاً ما و كان بإمْكاني الإنْحناء بِهُدوءٍ و تَركيز و إلْتِقاطِ هذه "المائةِ دولار" العنيدة دون أيّ خَطَرٍ عليّ , إلْتَقطُها وأعْطيْتُها لصحاحِبها و طَلَبتُ مِنهُ أن يَعُدَّ نُقُودَه, كانتْ هذهِ هي المرّة الأُولى الّتي أَدُوسُ فيها قاصِداً و مُتَعَمَّداً و بِقَرارٍ على وَرَقةٍ نَقْدِيّة وَقَدْ تَصادَفَ أنّ هذهِ الصُّدْفة قد قادتْني إلى الدّوْسِ بِقَدّمي على وَرَقةِ المائِةِ دولار وَلكِنّني حَقيقَةً عنْدَما فَعَلْتُ ذلكِ قدْ إنْتابني شُعورٌ بِنَوْعٍ من الإِنْتِصار, تفَكّرْتُ بعْدَ ذلك باحِثاً في نَفْسي عن سَبَبِ هذا الشُّعور الّذي راوَدّني فَوَجَدْتُ أنّه قدْ كان لهُ سَبَبين رئيسييّن: الأوّلُ هو أنّني قد تَمَكّنْتُ من تَقديمِ مُساعدةٍ و لو بَسيطةٍ لغيري و لكن بهُدوءٍ و ترْكيزٍ و دون إنْفِعال و السّبَبُ الثاّني و هوَ الأهمُّ هو أنّني في مَعْرِضِ سَعْيي للْمُحافَظةِ على هذه المائة دولار أو الحُصولِ عليها أو إسْتِردادها قدْ أعْطَيتُ الأولويّة الكُبرى لِسَلامتي و سَلامةِ من حَوْلي و ليْس لإسترْدادِها أو الحُصولِ عَلَيْها, فَكّرتُ قَليلاً و إسْتِنْتَجتُ أنّني كإنسان يَعيشُ في هذا العالم سَأنْتَصِرُ دائماً على المائة دولار و على الألْفِ دولار و على المَليونِ دولار إذا كان العَقلُ حاكِماً في مَعْرِضِ سعيي لِلُحُصولِ عَلَيْها و إذا كُنتُ في سَعيي لِتَحْصيلها مُعْطِياً الأوْلَويّة ليس لها و لكن لِسلامتي و أمني و سلامةِ و أمنِ من حولي ليسَ فَقط على المَدى القَريب و لكنْ على المَدى المُسْتَقبَليِّ البعيد لقد تَذكّرتُ و أدرَكتُ مَرّةً أُخرى من خِلالِ هذِهِ المُصادفة الّتي عايَشْتُها أنّ هذهِ الأوراق النَقْدِيّة و حتَى المُمْتَلَكات الّتي يُمْكِنُ لي أن أقْتَنيها بِها , أنّ هذهِ الأمور الماديّة كُلُّها ليست أهم من سلامتي و حياتي ومِن سلامة و حياة من حولي و ليست أهم من أمْن الحياةِ و إستِمْرارها المُطّرد الهادِئِ وإستِقرارها و أنّها كُلُّها قد تَتَطايرُ في لَحْظةٍ ما لأسبابٍ مُخْتَلِفةٍ و تَذْهبَ أدْراج الرّياح , و على ذِكرِ الدولار و رأس المال فإنّني في مقالي الّذي أعمَلُ عليهِ حاليّاً عن فِكْرَةِ الإقْتِصاد الإجتماعي التّشارُكي أُحاوِلُ أن أوَضّحَ كيْفَ يُمْكِنُ لنا نَحنُ كَمُجْتَمَعٍ إنسانيٍّ أن نَتَعامَلَ مع الدولار و رأس المال مع المُحافظة على أمْنِنا و سلامَتِنا المُجْتَمَعِيّة و الفرديّة ومع المُحافظة أيضاً على الايجابية و الإنتاجيَة و المُحافظة على القُدْرةِ على الإبداع و على البُنْيةِ الأساسيّة لِمَفهومِ و تَطبيقِ مَبْدَئِ العَدالةِ الإجتِماعِية , و على ذِكرِ القهْوة فإنّني قد وَضَعْتُ في الأيام السابقة الأفكار الرّئيسية لِمقالٍ أرجو أن يَكتَمِلَ قريباً عن موضوعِ " القَهوةِ الأُردِنيّة" و إنّني أرجو أن يَكونَ مشروع هذا المَقال ! أو مَقالُ هذا المشروع ! بِروْنَقٍ إنسانيٍّ و بِنِكهةٍ وطَنيّة.
وَسَلِمتُمْ أصْدِقائي و للحديثِ بَقيّة