لماذا أمكن خفض سعر الدواء؟
جميل النمري
القبة نيوز -حتى الأمس كانت وزارة الصحة ومؤسسة الغذاء والدواء ونقابة الصيادلة تبرر فقط اسعار الأدوية وتشرح الآلية المحكمة والعادلة للتسعير وتبرر فرق الاسعار عن بعض الدول مثل مصر وتركيا بانخفاض اسعار عملتها أو وجود مصانع محلية للاصناف العالمية، هذا حتى جاء الانتقاد الصارم من جلالة الملك وطلبه تخفيض الاسعار، واذا فجأة وخلال يوم واحد يعلن عن تخفيضات للأسعار تشمل 1127 دواء ومستلزما طبيا بنسب تراوح بين 20 % إلى 63 %!!
هذا أمر صادم حقا! فإمّا ان الجهات الحكومية كانت متواطئة في الارتفاع الفاحش للاسعار أو ان التخفيض هو قرار غير قابل للتنفيذ لأن احدا لن يشتري ويبيع الأدوية بخسارة.
نحن طبعا مع الفرضية الأولى. ومن ذاكرتي الشخصية حين كنت اعمل في القطاع حتى مطلع التسعينيات كان تسجيل وتسعير الأدوية جيدا وعادلا حتى خضع لتعديلات متوالية بفعل نفوذ اصحاب المصالح، فأخذت اسعار الدواء في التصاعد ناهيك عن حالات الاحتكار او ورود أدوية ومستلزمات مباشرة لأطباء او صيدليات لضرورتها فتباع بأضعاف سعرها الحقيقي.
قد تكون اللجنة الخاصة برئاسة الوزير قد عكفت منذ بعض الوقت على دراسة الاسعار حتى تصل الى نتائج لتخفيض هذا الكم من الاصناف، لكن الغريب وقبل توجيهات جلالة الملك الصارمة لم نكن نسمع سوى تصريحات تبرر وتفسر الاسعار الحالية ولم يخرج احد ليقول لنا ان اللجنة تقوم بعمل لأسعار جميع الأدوية، وانها قيد التخفيض بهذه النسب الكبيرة.
مهما يكن فإن اللجنة الحكومية لا يمكن ان تخفض اسعار الأدوية دون الحد الذي يغطي سعر الكلفة مع المصاريف والارباح المقررة للمستوردين والموزعين والصيدليات. التخفيض يقوم اساسا على افتراض سعر للكلفة أدنى من السعر الذي قبلت به الوزارة سابقا. ونحن نعرف ان سعر الكلفة للدواء الخارجي الذي تقدمه مستودعات الادوية لمديرية الغذاء والدواء في وزارة الصحة أو للدواء المحلي ليس هو السعر الفعلي. فالشراء والبيع بالجملة وخصوصا للأدوية ذات الاستهلاك الأوسع بين مختلف الحلقات يقوم على ما يطلق عليه نظام "البونص”، مثلا شراء الف قطعة من صنف معين يلحقها الف قطعة مجانا فيصبح السعر الفعلي هو النصف، والدليل ايضا انخفاض اسعار العروض لوزارة الصحة عن السعر الرسمي حيث تشتري الوزارة كميات ضخمة بعطاءات واسعار ادنى كثيرا من السوق، مع ان الأمر لا يقاس عليه تماما، فالاسعار هنا تخضع للمنافسة الشديدة ورغبة شركات بالانتشار وتثبيت دوائها على ارفف مستشفيات وعيادات الوزارة ولو بسعر يقارب الكلفة.
في موضوع الدواء يجب ان يكون التسامح التجاري في حده الادنى والرقابة الصارمة في حدها الأقصى، ويجب ان تكون الدولة جاهزة دائما كقناة بديلة لتوفير الأدوية والمستلزمات اذا حصل احتكار أو تغييب أو استغلال . هذه أمانة في رقبة المسؤولين، ونحن نعرف أن في هذا القطاع مجالا واسعا للتواطؤ والاستغلال والفساد. لكننا نعرف ايضا – للحقيقة والانصاف – أن هناك تجبرا وتزمتا بيروقراطيا وعقد عداء للمال والأعمال يخرب على الناس ويخسّرهم ويخرجهم عن طورهم دون داع، وهو كثيرا ما يخفي نوايا فاسدة. ان اختيار الموظفين والمسؤولين الحكوميين لهذا القطاع يجب ان يخضع لمعايير شديدة الحرص ورقابة دقيقة على الأداء.
ثم هناك بعد اخير يخص الجمهور وثقافة الاستهلاك، فخفض الاسعار يجب الا يؤدي للتوسع بالاستهلاك فنحن ابتداء نهدر الدواء بصورة تغضب وجه الله وقد لا يكون ممكنا السيطرة على السوق الخاصة، لكن في القطاع الحكومي ممكن جدا.. ولهذا حديث آخر.
الغد
هذا أمر صادم حقا! فإمّا ان الجهات الحكومية كانت متواطئة في الارتفاع الفاحش للاسعار أو ان التخفيض هو قرار غير قابل للتنفيذ لأن احدا لن يشتري ويبيع الأدوية بخسارة.
نحن طبعا مع الفرضية الأولى. ومن ذاكرتي الشخصية حين كنت اعمل في القطاع حتى مطلع التسعينيات كان تسجيل وتسعير الأدوية جيدا وعادلا حتى خضع لتعديلات متوالية بفعل نفوذ اصحاب المصالح، فأخذت اسعار الدواء في التصاعد ناهيك عن حالات الاحتكار او ورود أدوية ومستلزمات مباشرة لأطباء او صيدليات لضرورتها فتباع بأضعاف سعرها الحقيقي.
قد تكون اللجنة الخاصة برئاسة الوزير قد عكفت منذ بعض الوقت على دراسة الاسعار حتى تصل الى نتائج لتخفيض هذا الكم من الاصناف، لكن الغريب وقبل توجيهات جلالة الملك الصارمة لم نكن نسمع سوى تصريحات تبرر وتفسر الاسعار الحالية ولم يخرج احد ليقول لنا ان اللجنة تقوم بعمل لأسعار جميع الأدوية، وانها قيد التخفيض بهذه النسب الكبيرة.
مهما يكن فإن اللجنة الحكومية لا يمكن ان تخفض اسعار الأدوية دون الحد الذي يغطي سعر الكلفة مع المصاريف والارباح المقررة للمستوردين والموزعين والصيدليات. التخفيض يقوم اساسا على افتراض سعر للكلفة أدنى من السعر الذي قبلت به الوزارة سابقا. ونحن نعرف ان سعر الكلفة للدواء الخارجي الذي تقدمه مستودعات الادوية لمديرية الغذاء والدواء في وزارة الصحة أو للدواء المحلي ليس هو السعر الفعلي. فالشراء والبيع بالجملة وخصوصا للأدوية ذات الاستهلاك الأوسع بين مختلف الحلقات يقوم على ما يطلق عليه نظام "البونص”، مثلا شراء الف قطعة من صنف معين يلحقها الف قطعة مجانا فيصبح السعر الفعلي هو النصف، والدليل ايضا انخفاض اسعار العروض لوزارة الصحة عن السعر الرسمي حيث تشتري الوزارة كميات ضخمة بعطاءات واسعار ادنى كثيرا من السوق، مع ان الأمر لا يقاس عليه تماما، فالاسعار هنا تخضع للمنافسة الشديدة ورغبة شركات بالانتشار وتثبيت دوائها على ارفف مستشفيات وعيادات الوزارة ولو بسعر يقارب الكلفة.
في موضوع الدواء يجب ان يكون التسامح التجاري في حده الادنى والرقابة الصارمة في حدها الأقصى، ويجب ان تكون الدولة جاهزة دائما كقناة بديلة لتوفير الأدوية والمستلزمات اذا حصل احتكار أو تغييب أو استغلال . هذه أمانة في رقبة المسؤولين، ونحن نعرف أن في هذا القطاع مجالا واسعا للتواطؤ والاستغلال والفساد. لكننا نعرف ايضا – للحقيقة والانصاف – أن هناك تجبرا وتزمتا بيروقراطيا وعقد عداء للمال والأعمال يخرب على الناس ويخسّرهم ويخرجهم عن طورهم دون داع، وهو كثيرا ما يخفي نوايا فاسدة. ان اختيار الموظفين والمسؤولين الحكوميين لهذا القطاع يجب ان يخضع لمعايير شديدة الحرص ورقابة دقيقة على الأداء.
ثم هناك بعد اخير يخص الجمهور وثقافة الاستهلاك، فخفض الاسعار يجب الا يؤدي للتوسع بالاستهلاك فنحن ابتداء نهدر الدواء بصورة تغضب وجه الله وقد لا يكون ممكنا السيطرة على السوق الخاصة، لكن في القطاع الحكومي ممكن جدا.. ولهذا حديث آخر.
الغد