الرد الأردني
حمادة فراعنة
فقد سبق وأن شكل الأردن رأس حربة سياسية باتجاهين : أولهما دعم الموقف الفلسطيني الرافض لخطوات الإدارة الأميركية وإجراءاتها، وثانيهما حشد المواقف العربية والإسلامية لرفض الرؤية الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية وليس لتسويتها، وقد تحركت الدبلوماسية الأردنية النشطة منذ ذلك الوقت، وبادرت لعقد اجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب يوم 10/12/2017 في القاهرة، واجتماع طارئ لقمة إسلامية بالتعاون مع الرئيس أردوغان في اسطنبول يوم 14/12/2017، واجتماع طارئ للاتحاد البرلماني العربي في الرباط يوم 18/12/2017، والمشاركة مع دولة الكويت العضو غير الدائم في مجلس الأمن لعقد اجتماع للجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 23/12/2017، وقد أثمرت هذه الاجتماعات واللقاءات والمؤتمرات وغيرها على تأييد الموقف الفلسطيني والتمسك بحقوقه ورفض إجراءات الإدارة الأميركية المخلة بالقرارات الدولية وبالاتفاقات الثنائية .
ومثلما تعامل الأردن مع المحطة الأولى، سيتعامل مع مقدمات وحيثيات المحطة الثانية، فقد نجح الأردن في مساعيه وحقق نتائج إيجابية عملية ملموسة على المستويات العربية والإسلامية والدولية، في دعم الموقف الفلسطيني، الذي صمد في وجه الضغوط والعقوبات والإجراءات الأميركية، فقد شارك الأردن في القمة الإسلامية الأميركية في الرياض يوم 22/5/2017، وفي اجتماع وارسو في بولندا يومي 13 و14 فبراير 2019 ، أي أنه لم يقاطع أو يحرد عن الاستجابة لأية دعوة، وكان حاضراً في كل الاجتماعات العربية والإسلامية والأوروبية في دبلن يوم 19/ 2/ 2019 والدولية، ومع المؤسسات الأميركية المختلفة مباشرة، ولم يتراجع عن مواقفه، ولم يتردد في مواصلة نهجه في دعم الموقف الفلسطيني على الأرض وفي الميدان داخل القدس وسائر فلسطين، وعلى الساحات العربية والإسلامية والأوروبية والدولية .
صلابة الموقف الأردني لا يستهدف المناكفة أو عناد السياسة الأميركية، ولكنه يختلف معها، على الرغم من العلاقات الوطيدة مع الولايات المتحدة القائمة على المصالح المتبادلة، ولذلك يقف الأردن مع فلسطين، ويرفض الاقتراحات الأميركية بشأن إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لمصلحة المستعمرة الإسرائيلية بما يتعارض مع المصالح الوطنية الأردنية، فالأردن يتوسل حماية مصالحه الوطنية أولاً، ودعم عدالة الموقف الفلسطيني ومشروعية مطالبه ثانياً .
فصفقة العصر تستهدف أولاً إنهاء قضية القدس وفرض السيادة والضم الإسرائيلي لها وجعلها عاصمة للمستعمرة الإسرائيلية بما يتنافى مع الوصاية الهاشمية والرعاية الأردنية للمقدسات الإسلامية والمسيحية وفي طليعتها الحرم القدسي الشريف، التي تسعى المستعمرة لتعويم الرعاية ورفع الولاية والمرجعية الهاشمية الأردنية عن الحرم القدسي الشريف، خاصة وأن القدس جزء من الأراضي المحتلة عام 1967، عندما كانت جزءاً من أراضي المملكة الأردنية الهاشمية ويتحمل الأردن مسؤولية إنهاء الاحتلال عنها أسوة بباقي الأراضي المحتلة عام 1967 .
كما أن صفقة العصر تستهدف ثانياً إنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين وشطب حقوقهم بالعودة واستعادة ممتلكاتهم والجزء الأكبر من اللاجئين هم من المواطنين الأردنيين ويتحمل الأردن مسؤولية حماية حقوق مواطنيه باعتباره دولة مضيفة للاجئين، ولذلك حينما يتصدى الأردن لسياسات صفقة العصر وتوجهاتها فهو يدافع عن مصالحه الوطنية وحقوق مواطنيه الأردنيين من أصول فلسطينية، وقد سبق لنائب الرئيس الأميركي بنس حينما زار الأردن العام الماضي يوم 21/1/2018، أن أقر بأهمية العلاقات الأردنية الأميركية رغم التباين في وجهات النظر بين الطرفين، واختلاف الأولويات بين العاصمتين .
كما فعل الأردن وتصرف بحكمة ووعي مع مقدمات وخطوات صفقة العصر، وحفاظاً على مصالحه وبما لا يمس المصالح الوطنية الفلسطينية، سيتخذ الإجراءات والسياسات والمواقف في التعامل مع المحطة الثانية من صفقة العصر، ومع كافة المحطات والمواقف والإجراءات الأميركية اللاحقة، تمليه عليه مصالحه وأمنه الوطني مهما اشتدت الضغوط وتفاقمت الظروف، فالأردن الموحد المتماسك المحمي الواقف على رجليه وبمكانته العربية والإسلامية والمسيحية والدولية هو الرافعة لفلسطين، وغير ذلك سيكون الأردن عبئاً على نفسه وشعبه وعلى فلسطين.