هل نحن جاهزون لانتخابات جديدة؟
لا شيء يشغل مجالس الأردنيين وصالوناتهم هذه الأيام أكثر من تكهنات حل مجلس النواب ورحيل الحكومة وإجراء الانتخابات البرلمانية الجديدة حسب قانون الانتخاب الذي جرى إقراره بسرعة البرق واعتبره البعض سنامة ظهر الإصلاح السياسي وأفضل ما يمكن إنجازه في هذه المرحلة من تاريخ الأردن والمنطقة.
الحديث في الانتخابات له ما يبرره؛ فقد دخل المجلس السابع عشرعامه الرابع واجتاز مع الحكومة مرحلة ربما هي الأصعب في تاريخ البلاد والإقليم وأضحى المجتمع يتطلع إلى مرحلة جديدة برؤية جديدة تتجاوز التوتر والقلق والتقشف واللوم والمناكفة التي سادت الأجواء عبر السنوات الثلاث الأخيرة.
الكثير من الناس يحب التغيير لأجل التغيير والبعض أصيب بالإجهاد من كثرة المواعظ والشروحات التي لا تتوقف حول مبررات رفع الأسعار ومسوغات زيادة الدَّين وعبقرية التدبير في كثير من القضايا التي ذكّرت الكثيرين بتجاربهم المدرسية في الصفوف الأولى وشروحات المعلمين وهم ينظرون في وجوه التلاميذ للتأكد من أنهم استوعبوا دروس القراءة والحساب والآيات التي يتلونها ويتوقعون أن يحفظها الصغار دون الإخلال بقواعد التلاوة وما فيها من إدغام وتحريك وتسكين.
القانون الجديد بين يدي الناس الذين أخذوا بالتموضع من جديد استعدادا لتحديد مواقفهم من الأسماء التي أصبح الناس يتداولونها كمرشحين محتملين. في العديد من المناطق والمحافظات سيصوت الناخبون لقوائم تشتمل على أسماء مرشحين تعرّفوا على أدائهم في المجلس الحالي والمجالس السابقة بالرغم من تدني رضا الناخبين عن المجلس النيابي ومستوى أدائه.بعض المراكز البحثية باشرت دراساتها وتحليلاتها لأوضاع الشارع وآراء جمهور الناخبين في المدن والبادية والأرياف والمخيمات. القراءات الأولية تستبعد حدوث تغيرات جوهرية في سلوك وطريقة اختيار المقترعين أو نوعية المرشحين وطرق ومعايير الناخبين في اختيار ممثليهم.
أكثر من 60 % من أعضاء المجلس الحالي سيعاودون الترشح وأكثر من نصف المرشحين يملكون فرصا قوية للحفاظ على مقاعدهم. النظام الانتخابي الجديد قدّم هيكلا تنظيميا جديدا للترشح والاقتراع والاحتساب...أما الناخبون فلم يطرأ على تفكيرهم ونظرتهم وطرق اختيارهم أي جديد. الكثير من الناخبين سيختارون أبناء عشائرهم أو معارفهم وأصدقائهم.
الأشخاص المتنفذون أو من سيوحون للناخبين بأنهم على صلة بالدولة ومؤسساتها يحظون بفرص أعلى في الفوز بصرف النظر عن معرفتهم بطبيعة أدوار النائب أو تحصيلهم العلمي أو استعدادهم وقدرتهم على أداء المهام ونزاهتهم في تحمّل المسؤولية. في الانتخابات القادمة سيبقى المال السياسي والخدمات الشخصية عوامل حاسمة في تحديد خيارات نسبة من الناخبين وتحديد مخرجات العملية الانتخابية.
رغم الحديث المستمر عن الحكومات البرلمانية وتشجيع نمو الأحزاب وتوسيع دائرة المشاركة الشعبية في إدارة الشأن العام ونظرة البعض إلى القانون الحالي كوسيلة لتحقيق خطوات كبيرة في هذا الاتجاه إلا أن ذلك قد لا يحصل لأسباب عديدة يقع في مقدمتها ضعف ثقة الناس بنوايا التغيير واستمرار اعتماد الناس على البنى الاجتماعية التقليدية للحماية والرعاية وقناعة الغالبية بأن من الصعب حصول الفرد على حقوقه وخدماته دون وساطة المتنفذين، الأمر الذي يدفع بالناخبين لاختيار أشخاص يملكون النفوذ والجرأة على الضغط والتأثير.
في القانون الجديد للانتخابات إيجابيات كان يمكن البناء عليها للسير خطوات أوسع نحو انتخاب أشخاص يمثلون تطلعات المجتمع إلى مزيد من المساواة والنزاهة والموضوعية والخروج بمجلس نيابي يعبر عن التنوع والتعددية ويساعد على تدعيم الاستقرار من خلال الحكومات البرلمانية التي تحدثت عنها الأوراق النقاشية الملكية.
الانتخاب على أساس البرامج يحتاج إلى إحساس بالانتماء للمكان ومعرفة التحديات والأولويات وتعزيز ثقافة الحوار والمناظرات وتشجيع الصحافة على التحقيق في سجلات المرشحين وصدق اهتمامهم بالعمل العام ونزاهتهم ومواقفهم من القضايا التي تهم مجتمعاتهم.من غير المعقول أن تستمر المقاعد البرلمانية وقفا على أصحاب الأموال والمصالح والشباب الذي يرغب في الترقية الى مستوى وظيفي أفضل؛ فالمجلس التشريعي يرسم شكل المستقبل ومسؤولياته تفوق بكثير الموافقة على مقترحات الحكومة وإصدار بيانات والتوقيع على بيانات لا أهمية لها.
الانتخابات القادمة فرصة يمكن استثمارها في إحداث تحول في نوعية المجلس النيابي والحياة البرلمانية بما يعبر عن إرادة الناس ويدعم الأمن والاستقرار.