facebook twitter Youtube whatsapp Instagram nabd

قراءة في ردّ مشروع قانون الجرائم الإلكترونيّة

قراءة في ردّ مشروع قانون الجرائم الإلكترونيّة

د. نهلا المومني

القبة نيوز-ردّ مجلس النّواب في جلسته التشريعيّة الثانية والعشرين المُنعقدة في 19 من شهر شباط الحالي مشروع القانون المُعدّل لقانون الجرائم الإلكترونيّة لسنة 2018م، والذي أعادته الحكومة بعد يومين من سحب مشروع قانون سابق. وفي قراءة هذا الردّ (الرّفض) نقف عند عدّة نقاط جوهريّة؛ أولها ما أثاره بعض النّواب من أنّ الأسباب المُوجبة لمشروع القانون كانت أسباباً شكليّةً وهي المسألة التي تستدعي الوقوف عندها مُطوّلاً؛ فالغالبية العُظمى من التّشريعات إن لم تكن كلّها تضع أسباباً موجبة مرفقة مع مشروع القانون أو مشروع القانون المُعدّل لا تعكس عمقاً في دراسة مدى الحاجة الفعليّة لهذا القانون أو لتلك التّشريعات ابتداءً؛ فالأسباب المُوجبة ليست مادةً شكليّةً أو ديباجةً لتكرار عبارات وأسباب عامّة لوضع القانون، وإنما هي جزءٌ هامٌ يتوجب أن يعكس وضوحاً في الفلسفة التي يقوم عليها التّشريع وترسم خطوطه العريضة، وتحول البوصلة إلى مكامن الخلل معززةً بالأرقام والإحصاءات مع قراءة هذه الأرقام قراءةً نوعيّةً قائمةً على أسس علمية منهجية سليمة، وتعكسُ جلاءً في المصلحة المحمية بموجب القانون والتي تظهر ابتداءً من اتخاذ المشرّع قرار التّصدي لبعض الإشكاليات القائمة، وتحديد كيف سيُسهم مشروع القانون في معالجة إشكاليات المجتمع أو تطويره، وكيف سيُوازن بين حماية الحقوق أو الحرّيات وبين المصلحة العامّة؟ ويُبيّن ماهية الحق الأجدر بالحماية وكيف سيضع قيوداً تتّسم بالمشروعية وتبقى في إطار الاستثناء لا الأصل ملتزماً بالدستور وبالمعايير الدوليّة لحقوق الإنسان التي صادق عليها الأردن.


النّقطة الثانية التي يثيرها ردُّ أو رفضُ مشروع القانون المُعدّل لقانون الجرائم الإلكترونيّة هو أنّ هذا الردّ سلاحٌ ذو حدّين؛ فمن جانب يعدُّ انتصاراً لحرّية التّعبير عن الرّأي، ورفضٌ لقيود غير مشروعة وردت في صلب مشروع القانون، وهو أمرٌ يُحسب لمجلس النّواب الحالي. ولكن وفي إطلالة على الخيارات الدستوريّة المُتاحة بعد هذا الرّفض، وهي الخيارات التي لم تردّ في الوثيقة الدستورية وإنما وردت في قرار المجلس العالي لتفسير الدستور رقم (1) لسنة 1999م، والذي أشار إلى أنَّ مجلس النّواب يكونُ قد استعمل حقّه واستنفذ ولايته بإحالته مشروع القانون إلى مجلس الأعيان وبهذا يكون ملزماً بما قرّره، وعند وصول المشروع إلى مجلس الأعيان يمارس هذا المجلس حقّه كاملاً في بحث المشروع فله الموافقة عليه كما ورد من مجلس النّواب أو إجراء أيّ تعديل عليه أو رده وفي هاتين الحالتين الأخيرتين يُعاد المشروع إلى مجلس النّواب الذي عليه إمّا أن يُوافق على المشروع كما ورد من مجلس الأعيان أو يصر على قراره الأول. وعليه فلا يجوز له أن يُعيد البحث في المواد التي سبق وأن وافق أو أبدى رأيه فيها.

ممّا يعني وحسب قرار المجلس العالي لتفسير الدستور أنّ الخيارات الدستوريّة أمام مجلس النّواب بعد انتهاء مجلس الأعيان من النّظر في مشروع القانون المُعدّل لقانون الجرائم الإلكترونيّة خيارات محدودة؛ ذلك أنّ مجلس النّواب لا يملك سوى التّمسك بقراره الرّافض أو مناقشة قرار مجلس الأعيان دون أن يملك صلاحية تعديل النّصوص.

حقيقة الأمر أنّ هذه الإشكالية وبروزها مجدّدًا مع ردّ مجلس النّواب لمشروع القانون المُعدّل لقانون الجرائم الإلكترونيّة تجعلنا نقف أمام إشكالية تستدعي النظر والبحث عن سبل تجاوزها بما يتوآءم وروح الدستور ومع المبدأ الثابت المُتمثل بأنّ مجلس النّواب هو ممثّل الشّعب وصاحب الإختصاص الأصيل في العملية التشريعيّة ويتوجب عدم الإنتقاص من صلاحياته أو الحدّ منها.


تابعوا القبة نيوز على
 
جميع الحقوق محفوظة للقبة نيوز © 2023
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( القبة نيوز )