"فن المصغرات".. الحياة متناهية الصغر بين يدي فنانة مصرية
- تاريخ النشر : 2018-05-05 09:27:28 -
القبة نيوز- في مساحة أقلها لا تتعدى 5 سنتيمترات، ترسم فنانة مصرية لوحة جميلة من مواد متناهية الصغر، تحمل تفاصيل حياتية ربما لا يصدق وجودها في إطار مصغر، ومع إمعان النظر تتضح المزيد من التفاصيل، وتبدو الألوان أكثر روعة وجمالا.
هذا ما تقوله الفنانة المصرية الثلاثنية "نورا الغزي" للأناضول.
إنه ابتكار لنوع فني يعرف بـ "فن المصغرات"، أي "فن التفاصيل الدقيقة في أقل مساحة"، والذي تمتلئ به جدران أكاديميتها الخاصة للفنون شرقي القاهرة.
الأكاديمية تزخر بلوحات فنية صغيرة يحوط كلا منها إطار خشبي، دون أن تتعدى اللوحة حجم كف اليد، وهي تعكس جمال الطبيعة، بخلاف مجسمات لعرائس وسيارات ودراجات نارية، وغيرها، نتجت جميعها عن إعادة تدوير مواد سبق الاستغناء عنها.
وفي إحدى الزوايا، توجد غرفة منزلية صغيرة الحجم، لكنها تحمل، بالرسم والألوان والنحت والتشكيل، مجسمات دقيقة عن حياة البشر تروي تاريخا.
من بين تلك المجسمات مطبخ تسميه الفنانة "مطبخ جدتي"، وهو صورة طبق الأصل لشكل المطابخ في مصر قبل نحو خمسين عاما، دون أن يتخطى حجمه سنتيمترات قليلة، أو يقفد أي تفاصيل.
وتجاوره غرفة أخرى، هي غرفة مكتب حكومي مجسمة بتفاصيل دقيقة، حتى أنها لم تخل من صورة للملك فاروق حاكم مصر (1936 ـ 1952)، لا يتعدى طولها البوصتين، معلقة خلف مكتب صغير تتراص فوقه الأوراق.
** الحاجة أساس الابتكار
قبل نحو خمسة عشر عاما، أصيبت "الغزي" بوعكة صحية اضطرتها إلى ملازمة المشفى لنحو ثلاثة أشهر، ما اضطرها إلى الابتعاد عن رسمها الذي تعشقه منذ الصغر.
شعرت "الغزي" برغبة عارمة في الرسم من جديد والعودة إلى حياتها الفنية، إلا أن المشفى لم يكن بالمكان المناسب لوجود أدواتها ولوحاتها الكبيرة، التي اعتادت الرسم عليها.
طلبت من زوجها أن يحضر لها لوحات خشبية لا تزيد طولا على 5 سنتيمترات، حتى تسطيع الرسم عليها بأقل إمكانات دون لفت الأنظار.
بدأت بالرسم عليها بنقش ما تراه من نافذة غرفتها وما يراه خيالها الواسع، لتخرج في النهاية لوحات فنية متناهية الصغر، لا تختلف تفاصيلها سوى في الحجم عن اللوحات الكبيرة.
وتقول "الغزي": "شعرت بتحدٍ كبير، لأنني استثمرت كل الإمكانات المتاحة كي أُخرج لوحة فنية متكاملة في هذه المساحة الصغيرة جدا، وعندما خرجت من المشفى كنت قد نفذت لوحات صغيرة عديدة، وأقمت معرضا كاملا لي".
وتابعت: "أحببت الفكرة من وقتها لما وجدته فيها من تحدٍ للفنان، ومن جمال التفاصيل والدقة في لوحة صغيرة".
وأضافت: "أصبحت أهتم أكثر بفن المصغرات كفن للتفاصيل، وبدأت بإضافة أفكار جديدة إليه، كتنفيذ لوحات صغيرة تحمل فنونا وأدوات مختلفة، كأن تحمل اللوحة الفنية الواحدة فن التصوير والنحت والرسم مثلا".
** الجمال روح الحياة
درست "الغزي" الإعلام، وعملت لمدة عام مصممة لرسوم الحاسوب، غير أن ذلك لم يكن مرضيا لشغفها، إذ فضلت الفنانة المصرية أن تنخرط مع الألوان بحواسها الملموسة، عوضا عن الألوان التي تستتر خلف الشاشة الإلكترونية.
ولسنوات، عملت في الرسم التشكيلي والتصوير، غير أنها قررت أن تعلم نفسها بنفسها أشكالا أخرى من الفنون، لتكون نموذجا لفنان شامل لديه القدرة على مزج العديد من الفنون في إطار فني واحد.
وتشدد على أن "الحياة لا تعتمد على فن واحد، فهي مليئة بالألوان والفنون ومظاهر الجمال المختلفة طوال الوقت، ولا تحتاج إلا من يتذوق هذا الجمال، فالفن هو روح الحياة وأهم مظاهرها".
وتؤمن بأن "الفن لا يقتصر على الرسم فقط، فكل ما في الكون فيه جمال، وأعيننا تعد بمثابة عدسة تلتقط التفاصيل الجمالية طوال الوقت، وتخزنه وتغذي به الروح، ثم تخرجه فنا آخر، كانعكاس مرآة".
** الفنون للجميع
رغم أن الفنانة المصرية تعلمت فنونا عديدة بطريقة التعليم الذاتي عبر الإنترنت والممارسة، إلا أنها تؤمن بأن "الفن متكامل كالحياة، كل فن يكمل الآخر، وكل فنان لديه مفضلاته في الحياة، ولا يستطيع فنان واحد أن يتفوق في كل الفنون".
لهذا السبب أقامت أكاديمية لتعليم الفنون بالاستعانة بنحو ثلاثين فنانا، يتقن كل منهم فنا واحدا، وتأمل أن يصل عددهم إلى الألف، ليمنحوا المزيد للطلاب.
وتوضح "الغزي": "أنشأت الأكاديمية كي يكمل كل منا الآخر كل ببصمته في الحياة، تماما كما تسير الحياة كل يكمل الآخر".
وتحمل أكاديميتها اسم "بازل"، على غرار لعبة تحمل الاسم ذاته عبارة عن صورة مقسمة إلى قطع عديدة، وتُلعب بتجميع القطع ورصّها في أماكن مناسبة، لتكوّن صورة كاملة واضحة.
الأكاديمية تنتج أعمالا فنية عديدة، لكن أغلبها من "المصغرات" المنحوتة منها، والمرسومة والمُبتكرة بإعادة التدوير وغيرها.
وترجع تفضيلها الاحتفاظ بفكرة المصغرات إلى أنها "تدلل على مهارة الفنانين، وتقيس مدى تأثرهم بالتفاصيل وإتقانهم لإبرازها في أصغر المساحات، لكن في أقصى صور الجمال، فكلما صغر الحجم زاد الاحتراف".
** كل شيء صالح للفن
الطبيعة هي خامات الفنون في أكاديمية "بازل"، ففي كل ركن منها توجد قطع فنية مميزة تؤكد أن الجمال ليس قاصرا على مادة معينة تُصنع منه.
فمن الأخشاب والزجاج والأواني والمعادن والأوراق وحتى من زجاجات المياه الفارغة، ومن مواد ربما غير متوقع استخدامها، تصنع "بازل" فنا ناطقا بمعاني الإبداع والجمال.
وتؤكد "الغزي" أن "الخامات التي نستخدمها لا حصر لها، فنحن نستخدم كل شيء وأي شيء، فالجمال موجود حتى في الأشياء التي يمكننا الاستغناء عنها في المنازل".
وتحرص "الغزي" على أن تكون الأكاديمية صرحا لتعليم كل الفئات العمرية، إذ تعتقد أن "تعليم الفن هو خير ما يشغل الوقت، ويُرهف المشاعر ويعزز حواس التذوق ويجنب العنف".
وحصدت "الغزي" جوائز تشجيعية عديدة في مجال الفنون، آخرها جائزة تركية غير حكومية عام 2015، في التصوير الفوتوغرافي الدرامي، الذي ينقل إلى المتلقي عبر الصور حالة تحمل تأثيرا يلمس وجدانه، وكانت الجائزة دافعا أن تحترف الفن.
الجائزة كانت عن صور تمزج بين فنون عديدة وخامات مختلفة، فهي مكونة من مجسمات تم تشكيلها يدويا، أُدخل عليها فن الرسم، إضافة إلى صور من الواقع، وتم تجميعها جميعا لإيجاد حالة معينة تم تصويرها وعرضها.
وعن اختلاف مشاعرها قبل وبعد تكريمها تقول الفنانة المصرية: "قبل الجائزة كنت أتصور أنني منافس ضعيف مقارنة بالفنانين الأجانب، إلا أن الفوز منحني ثقة كبيرة، وأكد لي الحكام وقتها أن ما أفعله مميز ونادر ويستحق أن يعرف عنه العالم".
الأناضول
تابعوا القبة نيوز على