الإخوان المسلمين والنقابات المهنية والأحزاب السياسية تنبطح للحكومة
يقدم وزير المالية الأردني عمر ملحس مقاربة جديدة تثبت أن عقل الحكومة المالي يتورط مباشرة في المواجهة مع «جيب المواطن» وذهنية الجباية فقط، عندما يمتنع عن مغادرة ما يصفه رئيس لجنة المالية السابق في مجلس النواب يوسف القرنة بـ «عقلية المحاسب الرقمية» لمصلحة انحياز التفكير والتخطيط المالي بزيادة الواردات عبر تفعيل النشاط الاقتصادي والتجاري.
ويمكن القول إن الأطياف الشعبية الأهم والأبرز مثل الحركة الإسلامية والإخوان المسلمين والنقابات المهنية والأحزاب السياسية تظهر قدراً من المرونة على أساس الرغبة اليوم في مشاركة الدولة والحكومة في تحمل مسؤوليات العبور الآمن للمرحلة المالية الأصعب منذ عام 1989 .
.
يثير الوزير ملحس جدلًا إضافيًا خلال الساعات القليلة الماضية، وهو يناور ويبادر للرد على استيضاحات مجلس النواب بخصوص الموازنة المالية الخاضعة للنقاش حاليًا، فالملحوظات على إدارته للملف، لا تتصل فقط بالقرنة أو غيره من الخبراء، بل شملت نقيب التجار توفيق الحاج خليل، الذي حذر مع القرنة علنًا أمام «القدس العربي» من الإدارة الرقمية فقط، لتعويض العجز المالي من دون الاستماع بعمق للأعماق.
ويبدو أن الوزير ملحس لا يهتم بردود الفعل.. «أنا وظيفتي الأرقام والحقائق، ولا علاقة لي بالسياسة والأوهام والشعارات».. هذا ما قاله ملحس أمام «القدس العربي» بحضور وزير زميل له من البداية قبل أن يؤكد للنواب على هامش المجلس بأنه غادر وظيفته في القطاع الخاص ولبّى مطالبته بتحمل مسئولياته من قبل المؤسسة المرجعية حتى يقوم بواجبه على أساس الحقائق لا على أساس المجاملات.
لكن يبدو أن ما يراه الوزير ملحس حقائق قد لا يكون كذلك في رأي وتقدير العديد من الأوساط، خصوصًا وسط النقاش الحيوي في ملف الموازنة المالية، بين يدي لجنة مالية المجلس النيابي حاليًا، فقد لفت الأنظار مؤخرًا عندما وازن حسب صحيفة عمون الإلكترونية المحلية بين المواطنين من حيث الدخل معتبرًا السيارة المرسيدس من طراز ألماني تساوي السيارة من طراز كوري.
الفكرة كانت أن الوزير يرفض ضم العائلة التي تملك سيارتين إلى الشرائح التي تستحق دعم بدل النقد لرفع أسعار الخبز، وعندما لفت نظره أحد النواب إلى أن غالبية الأردنيين من طبقة الموظفين يمتلكون سيارة من منشأ كوري، اعتبر أن السيارة الكورية الصنع بالنسبة لمواصفات الوزارة تشبه الألمانية الصنع من حيث النفقات.
طبعًا؛ يفعل الوزير ملحس ذلك من دون أدنى اهتمام بعدم وجود شبكة نقل حقيقي في المدن الأردنية تساعد المواطن الأردني على تجنب شراء سيارة، حيث يزيد عدد السيارات الكورية الصنع رخيصة الثمن والاقتصادية في الوقود عن 300 ألف سيارة على الأقل، وحيث سبق للمهندس المختص عضو البرلمان الأسبق عامر البشير أن حذّر علنًا بأن الحاجة ملحة الآن لشبكة نقل حضري عصرية حديثة تلبي احتياجات الواقع المتزايدة.
عمومًا؛ تعني مثل هذه النقاشات أن الموازنة المالية للدولة الأردنية للعام المقبل دخلت مستوى التفاصيل وسط ملامح واضحة لخطة يقودها الوزير ملحس، تقضي بتقليص عدد الأردنيين الذين يسحقون بدل الدعم النقدي، إلى أكبر عدد ممكن حيث تم ضم ملايين الأردنيين، وتحديدا من الطبقة الوسطى للشرائح التي ستشتري الخبز بأسعاره الجديدة المرتفعة بالتوازي مع الترشيد الشديد في عدد الأردنيين الذين سيحصلون على بطاقة الدعم النقدي.
يفترض أن تبدأ الآلية الجديدة لتسعير الخبز بعد عبور الموازنة المالية من مجلس النواب حيث نقاشات بلا صخب ولا مزاودة من باب تقدير الظروف العامة في البلد والمنطقة، وحيث سبق رئيس الوزراء الدكتور هاني الملقي النقاشات جميعها بإشارات ملتبسة رفعت شعارًا يقول: «الوضع سيئ وغير مسبوق».
هدف شعار الملقي التكتيكي هو ضمان عبور آمن للموازنة المالية، بأقل ضجيج واعتراض ممكن، أما الهدف الأبعد، فهو تحذير الرأي العام من التداعيات والنتائج الاقتصادية وغير الاقتصادية، إذا لم تتقدم الحكومة بما تصفه بالخطوات الجريئة تحت برنامج الإصلاح الاقتصادي الإجباري لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، والعبور على حد تعبير الملقي من «المرحلة الحرجة» الناتجة عن الأعباء الإقليمية.
دخول عناوين نقاشات الموازنة التي بعدها التفصيلي مؤشر حيوي على أن مؤسسة البرلمان التي تمثل عمليًا الشعب في طريقها لابتلاع الخطوات التقشفية الصعبة، خصوصًا بعدما حظيت وزارة الملقي بدعم مَلِكِي ومرجِعي كبير غير مسبوق، لأن الظروف أصلا غير مسبوقة في المجال الحيوي المالي والاقتصادي، كما فهمت «القدس العربي» من شخصية مسؤولة بالمستوى السيادي.
واضح تمامًا أن الإخوان المسلمين في طريقهم لتجنب الصدام مع السلطة في ملف الأسعار، أو حتى في توجههم للتعاون، تقديراً للمسؤولية، وتجنبًا للازدحام، عبر تحويل أي اعتراضات من البيان والموقف إلى الشارع، وهو موقف تراقبه وتقدره السلطة حاليًا. وواضح أيضاً، أن الملقي تحاور بصراحة مع قادة النقابات المهنية أملًا في تفهمهم للمرحلة ومتطلباتها.
والملموس حتى اللحظة، أن الشارع الأردني يتفاعل بتضامن وصمت مع النقاشات المتعلقة بالتضخم المحتمل، وارتفاع تكلفة المعيشة، وأن المواطن الأردني بدأ يبحث عن مقترحات التقشف وإدارة النفقات، مع نسبة محدودة جدًا تحركت على مستوى النمو الاقتصادي.
والأوضح هو أن نجم الصبر والمشهد لا يزال المواطن الأردني الذي يعاني من أزمة الأدوات في الإدارة العليا، لكنه يواصل احتمال التفاصيل والتعامل بمسؤولية مع النتائج والتداعيات، بروح وطنية مسؤولة يعكسها اليوم مزاج الأردنيين العام. (القدس العربي)