الزيارة الافتراضية ملاذ يهزم قسوة التباعد الاجتماعي
القبة نيوز- تُصر الخمسينية وفاء على تطويع التكنولوجيا لصالح بقاء الامتداد العلائقي بين الناس كما ينبغي، إذ تحرص على القيام بزياراتها الافتراضية الرقمية للأهل والاصدقاء، بعد أن حرمتها ظروف كورونا من الزيارات الوجاهية واللقاءات المباشرة.
وفي الوقت الذي حرفت فيه تداعيات كورونا الزيارات الاجتماعية المباشرة عن مسارها الاعتيادي، وجدت وفاء، كما غيرها، في الزيارات الافتراضية، عبر تقنية المكالمة المرئية " الفيديو كول" ملاذاً يهزم قسوة التباعد الاجتماعي، ويلون أيامها بطيف من تواصل "عابر لكورونا" كما تقول لوكالة الأنباء الاردنية (بترا).
وتؤكد أنها تستعد للزيارة الافتراضية كما لو أنها حقيقية، وتعتبرها حاجة معنوية ونفسية مُلحّة، تمدها بالقوة والصبر على متغيرات ظروف الجائحة.
ويلفت معنيون إلى أن "رقمنة الزيارة" هي ضد الطبيعة البشرية التي تهوى اللقاء المباشر، ولكنها الحل المتاح راهنا، إلى أن تعود الحياة لطبيعتها، مشددين على أهمية التعامل مع الزيارة الافتراضية كما لو أنها وجاهية، مع الالتزام بأدبيات التواصل والاخلاق العامة وحفظ المجالس واحترام أوقات الناس وخصوصياتها.
"إن تحول نمط الحياة الاجتماعية على صعيد الزيارات من وجاهية لافتراضية هو بالضد من الفطرة البشرية القائمة على طبيعة العلاقات بين الناس، إذ أن الانسان فُطِر على تبادل الخبرات والافكار عبر اللقاءات المباشرة، ولم يعتد استبدال ذلك بالحديث عبر الأجهزة اللوحية وشاشات جامدة"، هذا ما يستهل به عميد كلية العلوم الاجتماعية في جامعة مؤتة الدكتور حسين محادين حديثه بشأن تشخيص "غرابة التحول الاجتماعي في ظل كورونا"، من وجهة نظره.
ويرى: "أننا وباستبدالنا القسري للزيارات لشكل لم نعتد عليه سابقاً، فإن هنالك فئة عمرية مُقدّرة، وهي فئة كبار السن التي لا تعرف "السوشيال ميديا" قد حُيدت عن دورها الطبيعي في التخاطب المباشر مع الآخرين، الأمر الذي انعكس بالضرورة على انعزالهم ووحدتهم وشعورهم بعدم حاجة المجتمع إليهم".
ويستدرك الدكتور محادين بقوله: "وهنا لا نعمم، فقد تشارك بعض الأسر كبار السن في زياراتها الافتراضية"، مشدداً على أهمية شمولهم بالتواصل مع الآخر، طالما أننا نعيش مرحلة الجائحة.
وعلى صعيد متصل، يؤكد أن اضطرار المجتمع لزيارات افتراضية كمتغير وافد على ثقافتنا من شأنه تذويب سلوكيات ايجابية انطلقت من قيم مجتمعية نعتد بها، ما يستدعي ضرورة المحافظة على التواصل الانساني والاجتماعي الوجاهي، وفقا لمعايير صحية وقائية صارمة.
"ان انقطاع الزيارات الوجاهية وهشاشتها هذه الايام، ولو جاءت في ظل ظروف كانت خارجة عن سيطرة الناس وارادتهم، انما تسهم في خدمة فكرة القيم الفردية المطلقة، وذلك يتنافى مع الطبيعة الانسانية والقيم النبيلة، وتحوّل العلاقات الى رقمنة، ليس الا"، يختم محادين.
وعلى صعيد مواز، يرى رئيس قسم علم الاجتماع في جامعة اليرموك الدكتور عبد الباسط العزام، انه مثلما حجّمت ظروف كورونا الكثير من قواعد السلوك العامة المرتبطة بالمظاهر الاجتماعية المتعارف عليها، القت الجائحة بظلالها كذلك على طبيعة الفضاء التواصلي، الذي كان قبلها وجاهيا مباشرا، فحولته لفضاء افتراضي هجين وجديد.
وينوه الى أن الزيارات الوجاهية، هي الأكثر قدرة وقوة على رصد الانطباعات والحاجات والافكار المتبادلة، مهما بلغت قوة التواصل عبر الشاشات الرقمية، وتاليا، فان عملية التفاعل المباشر قد اصيبت بمقتل مهما حاولنا التخفيف من آثار الجائحة على التواصل الانساني المباشر.
ويستدرك: أما وأننا نعيش والعالم اجمع حيثيات فترة استثنائية على غير صعيد، فليس لنا الا أن نساير الواقع بالاتكاء على الزيارات الافتراضية، لتحقيق حاجة اجتماعية، معنوية مُلحّة في التلاقي بين الناس، لافتا الى أن تلك الزيارات سدت الى حد ما، من فجوة غياب اللقاء المباشر.
ويذهب الدكتور العزام الى أن الزيارة الافتراضية شأنها شأن الوجاهية، من المستحسن أن ترتبط بهدف واضح يُرهن بوقت زمني محدد، وسط التحلي بلياقة الحديث والحفاظ على خصوصية الزيارة وآدابها، ومنظومة القيم التي نستند اليها في حياتنا اليومية.
ويوضح: من الاهمية بمكان ان نتصرف انطلاقا من مواثيق شرف وقواعد سلوك معروفة ضمنيا بين الناس، فلا يجوز تسجيل الزيارة، او التقاط صور لمن نقابله خلسة ودون اذنه، او جره لحديث لا يريد الخوض به، بغية توظيفه "لغاية في نفس يعقوب"، كما انه من الضروري جدا أن يتقيد المرء بهندام محتشم ومرتب، كما لو انه بزيارة وجاهية عادية، وأن يحترم خصوصية المتصل به وشكل بيته ويحافظ على اسراره، وأن لا يستخدم تلك الزيارة كسبيل للتندر او التنمر بأي شكل من الأشكال.
منظمة الصحة العالمية تحرص عبر موقعها الالكتروني على الاشارة لأهمية "التواصل الاجتماعي"، لاسيما "إذا كانت تنقّلاتك مقيّدة"، داعية الى "التواصل بانتظام مع الأشخاص المقربين إليك عن طريق الهاتف وقنوات الإنترنت".
بدوره، يشدد مدرب الحياة نواف ابو جاموس على ايجابية التحلي بأدب الزيارة الافتراضية في اجتماعات العمل، وضرورة الاتفاق المسبق على محاورها واطرها ووقتها، وفيما اذا كانت مشفوعة بفتح لـ "الكاميرا"، ام أن الحضور سيكتفي بسماع الصوت، حتى يُبنى على الشيء مقتضاه، منوها الى أن ما ينطبق على أصول التعامل الوجاهي في أي من تلك الاجتماعات، ينطبق كذلك على الافتراضي منها في جل تفاصيلها.
ويلفت الى أن الزيارة الافتراضية مهما بلغت من تواصل، فقد أتت الى حد ما على روح التواصل الانساني الحسي، فكم احتجنا، كما يقول "ان نعطف على آبائنا وامهاتنا وأن نضمهم الينا، خلال زيارة وجاهية نعرب فيها عن عميق حبنا وحرصنا عليهم"، ما ولّد " الما اجتماعيا"، على حد وصفه.
ويستدرك ابو جاموس: قبل أن نشتاق للآخر ولزيارته، فقد اشتقنا في ظل كورونا لأنفسنا، للتعامل اليومي مع الاشياء، لوجوهنا بلا كمامات، لسلوكيات كانت قبل كورونا اعتيادية، واصبحت بعدها مشوبة بالحذر والخطر، على أمل ان تتعافى البشرية، في موازاة لقاح بات هو الملاذ الأخير نحو عودة الحياة الاعتيادية الى سابق عهدها.
ونصح مدرب الحياة من يلوذ للزيارة الافتراضية طلبا للتواصل، ان يضخ بها صور التعبير الفضلى عن المشاعر، من خلال بث الطاقة الايجابية، وملامح الوجه التي تعكس الصدق والاشتياق، وانتقاء الكلمات المعبرة عن الامل، خاصة في الزيارات العابرة للجغرافيا، ذلك ان البعض ما زال قادرا على الزيارة الوجاهية لأقربائه وجيرانه واصدقائه، خاصة ممن يقطنون الحي ذاته وسط التزام بالإجراءات الاحترازية من كمامات ومسافات أمان، حكما.
--(بترا)