facebook twitter Youtube whatsapp Instagram nabd

لماذا لا نلتزم بتعليمات الحكومة؟

لماذا لا نلتزم بتعليمات الحكومة؟

م. أشرف غسان مقطش

القبة نيوز- النظام هو قانون السماء الأول"، والعبارة هذه على ذمة شاعر إنجليزي إسمه بوب، والإنجليز كما هو معروف عنهم لا يحترمون النظام إلا قليلا.


وعبارة المحروس هذا قرأت عنها ذات مرة أنها موضوعة على مدخل مكتبة الكونجرس الأميركي، أين قرأت ذلك؟ لست أذكر؛ فقد بدأت ذاكرتي تفقد شيئا من رونقها؛ إذ بعد الأربعين يبدأ العد التنازلي لحفرة مترين بمتر، للموت، آكبر لغز في تاريخ البشرية.

الفيلسوف بيرون (Pyrrho) أوصى تلاميذه أن يشككوا في كل شيء، ألا يصدقوا ما يرون ولا ما يسمعون ولا ما يلمسون ولا ما يشمون ولا ما يتذوقون ولا حتى ما يسقط من أرحام بنات أفكارهم من أفكار لأنه كان يرى الحياة وهما! ولما مات صاحبنا الفيلسوف، لم يحزن تلاميذه عليه، لم يبكوه، لأنهم ما صدقوا العين أنه مات!

الملك يرجونا أن نلتزم بيوتنا، يتوسل إلينا ألا نبارح منازلنا، بصوت الأب المتكلم مع أبنائه يطلب منا ذلك، لعل وعسى نستيقظ من نومتنا في لاوعينا المتمرد، والناس نيام إذا ماتوا استيقظوا كما يروى عن المصطفى أو كما قال.

ألامبالون نحن أم مستهترون أم فاقدون للإحساس بالمسؤولية الإجتماعية أم لاواعون بعزرائيل الكامن في نحو مائة وخمسة وعشرين نانومترا أم ماذا؟

حظر التجول ليس بالون اختبار لنا، والحكومة لا تتخذ منا حقل تجربة لقياس مدى فعالية حظر التجول في مواجهة الانتشار الكوروني الخارج عن جميع قوانين الطبيعة في الإنتشار، بل تتخذ من صحتنا الغاية الأولى والأهم التي تبرر لها النصح لنا بأية وسيلة لحماية أنفسنا من ثالثة أثافي هذا العصر، وشئنا أم أبينا يفترض بنا أن نحجر على أنفسنا حماية لها ولغيرها من أنفس، ووقاية لنا وللآخرين من حولنا من نائبة الدهر الكورونية.

ولست أدري بعد لماذا نحن هكذا! أمجبولون نحن بالفطرة على عدم التقيد بتعليمات الحكومة؟ أم أننا مازلنا بدوا في جوهرنا بلغة الفلسفة؟ بدوا في لاوعينا بتعبير علم النفس؟ والبدوي حر طليق في الصحراء لا قانون له إلا قانون البقاء للأقوى! أم أننا لم نتعلم بعد أبجدية ثقافة اتباع القانون؟

قبل الكورونا كانت نسبة حوادث السير في هذا البلد الأمين من أعلى النسب في العالم. والأسباب عديدة، على رأسها: عدم الإلتزام بالإشارات المرورية، وعدم التقيد بالمواصفات العالمية في تعبيد الطرق... إلخ، إذن لربما هي طبيعتنا أننا خارجون عن القانون بالفطرة، وقيل أن آدم وحواء خالفا أوامر عليا ونحن أبناء حواء وآدم كما هو شائع بيننا.

لست بعيدا عن الواقع إذ أشخص أننا بالفطرة متمردون حتى على أنفسنا. أنظر ما قاله فرويد ذات مرة كما نقل عنه سليمان الموسى في كتاب (أعلام من الأردن، صفحات من تاريخ العرب الحديث) ، الطبعة الثانية (2008). والتمرد هذا موجود عندنا في اللاوعي.

أربعون إصابة بالكورونا أعلن عنها بتاريخ (26/03/2020) وهي أعلى عدد من الإصابات في يوم واحد منذ بدء إعصار كورونا الوباءي حتى هذه اللحظة. لماذا؟ "عرس إربد"؟ كلا، ليس "عرس إربد" الجواب الموضوعي على هذا السؤال.

لعلني لا أغالي إذا ما قلت أننا بحاجة إلى دراسة علمية توضح لنا لماذا نحن هكذا: لامبالون أو متمردون أو مستهترون أو الثلاثة معا أو أي إثنين معا مما ذكر، والدراسة يفترض أن تناط بأساتذة الجامعات الأردنية المنتشرة على طول البلاد وعرضها في علوم الجينات والنفس والإجتماع والفلسفة وحتى في التاريخ.

التاريخ؟ نعم التاريخ، لأنه يمثل الشجرة العائلية لبدويتنا وحضريتنا معا إذا ما كذبت التاريخ في ذلك. وهنا بيت القصيد، أكاد أجزم أننا بدويون وحضريون في آن واحد! بكلمات أخرى، نحن بدويون في جوهرنا (لاوعينا) وحضريون في مظهرنا (وعينا)، ولربما لا أخطئ في الإجتهاد إذا ما قلت أن هذه علتنا الكبرى في ضرب القوانين بعرض الحائط، خاصة إذا ما علمنا أن نحو نصف سكان هذه البلاد باستثناء محافظتي معان والعقبة كانوا عام (1922) من البدو الرحل كما يذكر لنا جوزيف مسعد في كتاب (آثار استعمارية تشكل الهوية الوطنية في الأردن)، نقله إلى العربية شكري مجاهد، الطبعة الأولى، كانون الثاني (2019). مدارات للأبحاث والنشر، ص(105).

من جانب آخر، ماذا عن فقدان الثقة ما بين المواطن والمسؤول؟ لربما لا أجانب الصواب إذا ما قلت بأن له دور أيضا، تدعمني في ذلك نتائج آخر استطلاع أجراه مركز الدراسات الأستراتيجية في الجامعة الأردنية، تمخضت نتائجه في السابع من شهر كانون الثاني الماضي عن أن (63٪) من المواطنين لا يرون أن الأمور تسير في الإتجاه الصحيح كتعبير عن عدم قناعتهم بجدوى الإجراءات الحكومية في التعامل مع الوضع الإقتصادي، لكن إلى متى يبقى المواطن فاقدا الثقة بمسؤوله والأخير يرجو الأول البقاء في المنزل لمصلحة الأول والأخير معا؟ حتى تقع الفأس بالرأس؟

أم أن نظرية المؤامرة أصبحت عادة من عادات مجتمعنا تحدد تصرفاتنا؟ إنه لخطب جلل أن تمسي نظرية المؤامرة عادة وتقليدا يقولبان سلوكنا في كل شاردة وواردة حتى في ظرف كهذا، وهذه مدعاة ضرورية لدراسة علمية أخرى.

قلمي يتطوح يمنة ويسرة لا يجسر على خط العبارة التالية: الإلتزام بالقانون ثقافة. لماذا ترددت في كتابتها؟ لأن المشكلة في أغلب ظني لا تكمن في أننا نجهل ماهية الإلتزام بالقانون بل تكمن في أن لاوعينا مسيطر على وعينا، ولاوعينا بدوي في عمقه، ووعينا حضري في سطحه، وما بين السطح والعمق مسافة شاسعة تقدر ب(212) مصابا قد تتضاعف آلافا مؤلفة إذا لم نحجر على بدويتنا ولم نطلق العنان لحضريتنا.

على هامش المقال:
نقرأ في كتاب (سيرة مدينة، عمان في الأربعينات)، لمؤلفه عبدالرحمن منيف، الطبعة الثالثة (2006)، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، والمركز الثقافي العربي للنشر والتوزيع ص(56):

بالمقابل فإن الدكتور سوران، وكانت عيادته في مدخل سوق الخضار، لا يوجد أحد في عمان أو حواليها إلا ويعرفه ويكن له الود، كما أن عيادته مليئة بالبشر في كل الأوقات، وكانت الممرضة القصيرة السمينة، وهي توزع القطع الحديدية ذات الأرقام، توصي كل مريض أن يحفظ رقمه، لكي يدخل حين يأتي دوره، لكنها تجد صعوبة بالغة إذا خرج مريض من غرفة الفحص وحان وقت دخول آخر، إذ يهب الجميع رافعين "حدايدهم"، وكل يدعي أنه صاحب الدور، فيطل الدكتور سوران بصلعته الكبيرة، طالبا الهدوء والنظام، وبعد أن يتأكد من صاحب الدور، يقول بلهجة أرمنية مرحة، مخاطبا الآخرين، ولكي يطمئنهم أيضا:
-أنا ما عندي بك أو باشا، كل واحد بدورها!

تابعوا القبة نيوز على
 
جميع الحقوق محفوظة للقبة نيوز © 2023
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( القبة نيوز )
 
تصميم و تطوير