عن مقترح «القائمة الموحدة» في الانتخابات الفلسطينية القادمة
عريب الرنتاوي
لم نسمع من حماس بعد، رأياً محدداً في هذا الاقتراح، لكن التراشق الإعلامي بين الجانبين استؤنف بعد فترة «تهدئة» قصيرة للغاية، سبقت ورافقت «ورشة المنامة» المُمهدة لما بات يُعرف باسم «صفقة القرن» ... وثمة شكوك في قدرة الرئاسة على تسويق مبادرتها، وقابلية المبادرة للتنفيذ، وقدرتها على إنهاء الانقسام.
الأصل، أن شعوب الأرض، تُجري انتخابات دورية لتجديد نخبها القيادية، وتوزين، وإعادة توزين أحجام القوى السياسية المختلفة، وقياس درجة الرضى على أدائها، وقدرة برامجها وطروحاتها على كسب تأييد جمهور الناخبين، مصدر الشرعية والصلاحيات في النظم الديمقراطية.
الحالة الفلسطينية، على خصوصيتها، ليست استثناءً، ويحتاج مقترح الرئيس لكثيرٍ من «الغيرة» و»الغيرية» لدى الجميع، وقدرة فائقة على تغليب المصلحة العامة على المصلحة الفصائلية والشخصية ... ولو أن هذه العوامل والشروط متوفرة بالقدر الكافي، لما حصل الانقسام في الأصل، ولما طال واستطال طوال هذه السنوات العجاف بعد وقوعه.
يثير الاقتراح الرئاسي أسئلة جوهرية حول من سينضم إلى القائمة إلى جانب فتح وحماس؟ ... هل ستشمل بقية الفصائل؟ ... هل يمكن أن نتوقع سيناريو «الفوز بالتزكية»؟ ... ما الحاجة إلى إجراء الانتخابات في حالة كهذه؟ ... ثم، ما هي المعايير التي سيجري اعتمادها لتوزيع مقاعد اللائحة المشتركة على الفصائل الأساسية، هل هي نتائج انتخابات2006 التي أعطت حماس أغلبية كبيرة في المجلس التشريعي؟ ... هل سيجري استحداث معايير جديدة من قبيل نتائج الانتخابات المحلية والطالبية والنقابية، أو ربما نتائج استطلاعات الرأي العام؟ ... لا بد من معايير، فماذا الذي ستكون عليه؟ ... ثم، إذا كانت القائمة الموحدة كفيلة بحل مشكلة التنافس في الانتخابات التشريعية، فماذا عن الانتخابات الرئاسية، حيث لا قوائم ولا ما يحزنون، هل يمكن التفكير بترشيح رئيس ونائب رئيس على الطريقة الأمريكية، وفي قائمة واحدة، وبطاقة واحدة؟
في ظني، أن المقترح الرئاسي، قد بُني على فرضيتين: الأولى؛ أن المشهد الفلسطيني برمته عرضة للاستهداف الأخطر منذ انطلاق الحركة الوطنية الفلسطينية، وأن هذا التهديد بحد ذاته، يكفي لإقناع الجميع للانخراط بمقترح الرئيس والاستجابة لمبادرته .... والثانية؛ حماس على نحو خاص، استنفدت مختلف المحاولات والمبادرات الهادفة إخراجها من مأزقها مع قطاع غزة، ومن مأزق قطاع غزة تحت حكمها، من دون أمل ومن دون نجاح يذكر، وأن هذا الأمر بحد ذاته، يملي عليها مزيداً من «التواضع» في مطالبها.
لست متأكداً من صوابية هاتين الفرضيتين، وما إن كانتا ستدفعان بحماس للقبول بمقترح الرئيس ... بيد أنني أعتقد أن المقترح يتطلب بعض «الملحقات» التي تستبطن تطمينات وإغراءات، من بينها: (1) التخلي عن شعار «سلاح واحد» والإبقاء على شعارات حكومة واحدة وشرعية واحدة، أقله لفترة من الزمن، سيما بوجود التهديد الإسرائيلي المتكرر لقطاع غزة، يمكن توحيد المؤسسات والأجهزة الشرطية، يمكن توحيد «قرار الحرب والسلام»، لكن «سلاح المقاومة» ليس موضوعاً يمكن البدء به، عند الحديث عن المصالحة ... (2) إبداء الاستعداد لفتح منظمة التحرير الفلسطينية للجميع وتجديد مؤسساتها، وعلى نحو متزامن مع خطوات تمكين الحكومة في قطاع غزة، وإجراءات بناء الثقة وإنهاء الانقسام ... (3) اقتراح الشروع في «حوار استراتيجي» موصول، بهدف توفير قراءات مشتركة لطبيعة المرحلة الراهنة في النضال الفلسطيني وأهداف المشروع الوطني الفلسطيني، ومستقبل مختلف مؤسسات النظام السياسي الفلسطيني والاتفاق على أشكال الكفاح المختلفة، توطئة لبلورة رؤية وطنية جمعية وجامعة.
وفوق هذا وذاك، أظن أن «تفكيراً من خارج الصندوق» باستعادة المصالحة وانهاء الانقسام، بات أمراً ضرورياً ... يتطلب مرونة في تناول ملفات الانتقال، وتدرجاً في حلحلة المسائل العالقة، وتفكيكاً هادئا لمنظومات المصالح والمطامح التي نمت على جذع الانقسام، وابتلاع بعض إجراءات ومؤسسات «الأمر الواقع» توطئة لتفكيكها، وإدماجها في المؤسسات والسياسات الوطنية الفلسطينية العامة ... مرة أخرى أذكّر بما كنت أشرت إليه مراراً وتكراراً: سيناريو كردستان العراق، ليس لأنه النموذج الأمثل للوحدة والمصالحة، بيد أنه أفضل بكثير من استمرار الانقسام، واحتمالات تحوله إلى انفصال.