هل يكرر التاريخ نفسه؟!
رشاد ابو داود
فالحرب ليست لعبة. بإمكان أي مجنون أن يشعل حريقاً لكن ألف عاقل لا يستطيع أن يطفئه. وعلى سبيل «المجانين» يذكر التاريخ هتلر و موسوليني ونيرون وغيرهم، الذين أحرقوا بلاداً بكاملها حتى امتد الحريق الى اصابع الاطفال الطرية والى رؤوس العجائز البيضاء، وأخيراً الى أجساد وأفكار أولئك المجرمين التي عشعش فيها الشر فانهارت امبراطورياتهم على رؤوسهم ورؤوس شعوبهم.
ففيما لازلنا نعاني من الحرب العراقية الايرانية، الأطول في القرن العشرين، (1980-1988 ) فاننا الآن على شفا مصيدة حرب جديدة لاستنزاف ثرواتنا و قتل الملايين من البشر و اعادتنا مئة سنة الى الوراء.
لم يتخيل أحد أن مدة تلك الحرب ستمتد ليصل عدد الضحايا إلى هذه الأرقام المرعبة، فحسبما ورد في الموسوعة البريطانية فإن مجموع الإصابات والإعاقات يقدر بين مليون إلى مليونين، بينما وصل عدد القتلى إلى أكثر من نصف مليون قتيل في العراق، مع معاناة إيران من الخسارة الأكبر. وقد أنفق العراق ما يقرب من 230 مليار دولار في المجهود الحربي، وتقدر قيمة ما تضرر في كلا البلدين من منشآت ومرافق حيوية وبنى تحتية بـ 400 مليار دولار.
من انتصر في الحرب؟ لا أحد من الطرفين. المنتصر طرف ثالث هو عدوهما الذي ورطهما بهدف استنزاف قوتهما واضعافهما لسببين:
الأول السيطرة على نفط العراق وهو ما استكمل لاحقاً باحتلاله من قبل القوات الاميركية ومظلتها « التحالف الدولي «. والثاني درء أي خطر يمكن ان يشكله كلاهما أو أحدهما على الكيان الذي زرعه الغرب في الوطن العربي «اسرائيل».
تم ذلك وفق خطة ثعلب السياسة الاميركية هنري كيسنجر المسماة «الاحتواء المزدوج «، أي احتواء زخم الثورة الايرانية الوليدة آنذاك، وقوة العراق الجديد في عهد صدام حسين.
لم ينتصر أي من البلدين في تلك الحرب انتصارًا مؤكدًا، وانتهى الأمر إلى طريق مسدود فى تموز عام 1988 عندما وافقت إيران على قبول قرار الأمم المتحدة رقم 598 الذي دعا إلى وقف فوري لإطلاق النار، حيث ظلت الحدود بين البلدين كما هي عليه قبل الحرب ولم يطرأ أي تغير على الموقف الرسمي لكلا البلدين تجاه بعضهما البعض وانتهى الأمر بالهدنة فقط.
دعمت كل الدول العربية العراق في حربه ضد إيران باستثناء الجزائر وليبيا وسوريا، فاستفاد العراق من دعمٍ سخي لتغطية كلفة الحرب الباهظة. يقول المشير عبد الحليم أبو غزالة وزير الدفاع المصري الأسبق في كتابه «الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988» أنه لولا الدعم السخي للعراق لما استطاع الاستمرار في تمويل الحرب ونفقاتها طيلة الثماني سنوات.
يقول الكاتب البريطاني ديليب هيرو: «انتهت هذه الحرب من دون منتصر، بل بطرفين خاسرين. لم تتغير الحدود، وظل النظامان في الحكم. بعد فترة، جرت الإطاحة بنظام صدام بعد توريطه بغزو الكويت».
هل يكرر التاريخ نفسه وبصورة أسوأ بالنسبة للعرب؟ أم اننا أمام نسخة ثانية من «الاحتواء المزدوج « لقوة ايران من ناحية و لثروات المنطقة من ناحية أخرى؟