امل السعيد يكتب: ثالثة الأثافي
أ. د. كامل السعيد
القبة نيوز-ثالثة الأثافي إفتاء معالي رئيس ديوان التشريع والرأي بتجريد أعضاء المحكمة الدستورية من صفتهم كموظفين عموميين !!
في رد معالي رئيس ديوان التشريع والرأي على كتاب معالي وزير المالية رقم ش ق 2019/0/6684 تاريخ 26/2/2019 المتضمن طلب بيان الرأي حول مدى استحقاق قضاة المحكمة الدستورية لبدل الإجازات السنوية:
أجاب رئيس ديوان التشريع – مع حفظ الألقاب - في خلاصة رأيه ما يلي:
((وعليه، وحيث أن المحكمة الدستورية هيئة قضائية وقائمة بذاتها وتتمتع باستقلال مالي وإداري، وبما أن قانون المحكمة الدستورية قد حدد فقط راتب رئيس وأعضاء المحكمة الدستورية وعلاواتهم، ولم يُحل هذا القانون إلى أي تشريع أخر لتنظيم أي أمور أخرى تتعلق بقضاة المحكمة الدستورية بما في ذلك إجازاتهم، وطالما أن صرف أي بدل مالي يجب أن يستند إلى نص القانون أو النظام، ولا يجوز التوسع في تفسير النصوص ذات الأثر المالي، وحيث أن رؤساء وأعضاء المحكمة الدستورية لا يعتبرون موظفين عموميين، فإننا نرى بأنه ليس هناك أي نص قانوني يجيز منح قضاة المحكمة الدستورية بدلا عن الإجازات السنوية)).
والجدير بالذكر أن رئيس ديوان التشريع والرأي كان قد استند في الصفحة الأولى والثانية والثالثة في بيان رأيه إلى الأمور التالية:
الأمر الأول: رأيه المسبق بخصوص عدم استحقاق أعضاء مجلس مفوضي الهيئة المستقلة للانتخاب لبدل إجازاتهم السنوية، وذلك بمقتضى الكتاب المرفوع لدولة رئيس الوزراء برقم (د ت 1/1/172) بتاريخ 4/6/2014 والذي تضمن ما يلي:
((بناءً على ما تقدم، وطالما أن قانون الهيئة المستقلة للانتخاب قد حدد فقط راتب رئيس وأعضاء مجلس مفوضي الهيئة ولم يتضمن أي نص يجيز منحهم بدلا ماليا مقابل إجازاتهم السنوية خاصة وأن صرف أي بدل مالي يجب أن يستند إلى نص في القانون أو النظام ولا يجوز التوسع أو القياس في النصوص المالية، وحيث أن رئيس وأعضاء مجلس مفوضي الهيئة لا يعتبرون موظفين عموميين، فإنه يتعذر منحهم بدلاً مالياً عن إجازاتهم السنوية)) ولست الآن بصدد بيان صواب أو عدم صواب ما توصل إليه رئيس ديوان التشريع والرأي بخصوص الهيئة المستقلة للانتخاب، ولكنها مناسبة تفرض علينا بحكم اللزوم والضرورة واستناداً إلى حقنا الدستوري المقدس في الرد: نقول، بأنه لا يجوز قياس ما توصل إليه ديوان التشريع والرأي بخصوص رئيس وأعضاء مجلس مفوضي الهيئة المستقلة للانتخاب على أعضاء المحكمة الدستورية، لسببين:
أولهما: أن قانون وأنظمة أعضاء مجلس مفوضي الهيئة المستقلة للانتخاب تختلف عن قانون وأنظمة المحكمة الدستورية، فقوانين وأنظمة المؤسسات المستقلة ليست متطابقة، فهي تختلف بين مؤسسة مستقلة ومؤسسة أو هيئة قضائية أخرى.
ثانيهما: أنه وأن كان لرئيس ديوان التشريع والرأي بمقتضى المادة (7/د) من نظام الخدمة المدنية (1) لسنة 1993) إبداء الرأي في الاستشارات القانونية التي تقدم إلى دولة رئيس الوزراء الأفخم من الوزارات والدوائر الحكومية والمؤسسات والسلطات المحلية فيما يعرض لها من حالات فيما يقع بينها من تباين في وجهات النظر أو فيما يقع بينها من تباين في الاجتهاد في الأمور المتعلقة بمهامها وصلاحياتها والاختلاف في تطبيق النصوص القانونية، فرأيه في كل ما تقدم، هو رأي اجتهادي غير ملزم لأي طرف أو جهة، ولا يعدو أن يكون رأياً استئناسياً يجوز لمن طلب الرأي فيه أخذه أو طرحه، حيث يجوز لطالب الرأي أن يتبنى رأياً آخر يكون من وجهة نظره أكثر تحقيقاً للعدالة والإنصاف، ولكن الأمر يختلف كلياً عندما يتعلق الأمر بتفسير النصوص القانونية – التي أقدم عليها رئيس ديوان التشريع في هذه القضية - فهذا التفسير يقع حكراً على ديوان تفسير القوانين بمقتضى المادة (123/1) من الدستور وذلك على النحو التالي:
1. ((للديوان الخاص حق تفسير نص أي قانون لم تكن المحاكم قد فسرته إذا طلب إليه ذلك رئيس الوزراء)).
2. ((يؤلف الديوان الخاص من رئيس أعلى محكمة نظامية رئيساً وعضوية اثنين من قُضاتها وأحد كبار موظفي الإدارة يعينه مجلس الوزراء يضاف إليهم عضو من كبار موظفي الوزارة ذات العلاقة بالتفسير المطلوب ينتدبه الوزير)).
3. ((يصدر الديوان الخاص قراراته بالأغلبية)).
4. ((يكون للقرارات التي يصدرها الديوان الخاص وتنشر في الجريدة الرسمية مفعول القانون، فالقرارات الصادرة عن الديوان الخاص بتفسير القوانين والأحكام أو القرارات الصادرة عن المحاكم تتمتع بالحجة والقوة القانونية لأنها تمثل عنواناً للحقيقة القانونية والمادية)).
الأمر الثاني: لقد استند رئيس ديوان التشريع والرأي في نصوص قانونية إما أنه لا علاقة لها بالرأي الذي أبداه من حيث تجريد أعضاء المحكمة الدستورية من صفة الموظفين العموميين، كاعتبار المحكمة الدستورية هيئة قضائية مستقلة قائمة بذاتها وتتمتع بالشخصية الاعتبارية ولها استقلال مالي وإداري بمقتضى المادة الثالثة من قانون المحكمة الدستورية، أو انه استند إلى نصوص قانونية تضمنها قانون المحكمة الدستورية تؤدي تماماً إلى عكس ما أراده في رأيه، فَتَفرُغ الموظف العام لأعمال وظيفته هو متطلب أو شرط جوهري لازم بالنسبة له - أي بالنسبة للموظف – وهو ما جاء في المادة (8/أ) من قانون المحكمة الدستورية. المستشهد بها من قبل معاليه في قولها "على العضو – أي عضو المحكمة الدستورية – التفرغ الكامل لأعمال المحكمة ولا يجوز له أن يكون موظفاً في القطاع العام أو الخاص أو إشغال أي منصب لدى أي منهما أو ممارسة أي عمل أو نشاط تجاري، كما لا يجوز له أن يكون عضواً في مجلس إدارة أو شركة أو هيئة مديرها أو رئيساً أو عضواً في مجلس إدارة أو مجلس أمناء أي مؤسسة عامة أو خاصة أو أن يقوم بأي عمل لصالح أي هيئة مهما كانت صفتها أو أن يكون منتسباً لأي حزب".
الأمر الثالث: أنه استند إلى نصوص تضمنها قانون المحكمة الدستورية لا تنفي اعتبار أعضاء المحكمة الدستورية من الموظفين العموميين، (فالفقرة أ) من المادة (20) من قانون المحكمة الدستورية، نصت على ما يلي: ((يتقاضى الرئيس الراتب والعلاوات المقررة لرئيس محكمة التمييز بمقتضى أحكام التشريعات النافذة في حين نصت الفقرة (ب) من هذه المادة على ما يلي:
(( يتقاضى الأعضاء الآخرون الراتب والعلاوات المقررة لنواب رئيس محكمة التمييز بمقتضى الأحكام النافذة )).
إن هذه المادة تؤدي إلى عكس ما أراده ديوان التشريع والرأي، فتقاضي رئيس المحكمة الدستورية وأعضاءها هو ما يتقاضاه رئيس محكمة التمييز ونوابه وفق التشريعات النافذة، ((أي التشريعات النافذة بحق رئيس محكمة التمييز ونوابه)) أي أن ما يتوجب تطبيقه على رئيس وأعضاء المحكمة الدستورية هي التشريعات المطبقة على رئيس محكمة التمييز ونوابه وهذا الأمر يجعل قضاة المحكمة الدستورية في منزلة قضاة محكمة التمييز من حيث كونهم موظفين عموميين تنطبق عليهم التشريعات النافذة بحق الموظفين العموميين، فلو لم يضع المشرع قضاة المحكمة الدستورية في منزل قضاة محكمة التمييز لما سوى بينهم جميعاً في تقاضيهم للرواتب والعلاوات وفق أحكام التشريعات النافذة.
الأمر الرابع: وأما ما ورد في البند الرابع في إجابته المتمثلة في أنه لم يتضمن قانون المحكمة الدستورية اي نص ٌ يتعلق بتنظيم إجازات قضاة المحكمة الدستورية، أو أي أمور مالية أخرى يتعلق بها, وما ورد أيضا في البند الخامس من إجابته، من أنه ((لم يُحل قانون المحكمة الدستورية تنظيم أي مسائل تتعلق بقضاتها إلى أي تشريعٍ آخر على غرار ما نص عليه فيما يتعلق في الرواتب والعلاوات))، فردُنا عليه يتمثل فيما يلي: ((أنَّ المبدأ المسلم به قانوناً وفقهاً واجتهاداً ولا جدال فيه لأحد، أنه إذا لم يَرِد نص في القانون الخاص – وهو في هذا المقام قانون المحكمة الدستورية – فإنه يتوجب الرجوع إلى القانون العام لسد كل نقصٍ واستجلاء كل غموض ينتاب أحكام القانون الخاص وذلك بدون نصٍ يقضي بذلك، والقانون العام في هذا المقام هو نظام الخدمة المدنية السارية المفعول والذي يعطي للموظفين العموميين بدل الإجازات السنوية بل وأكثر من هذا فإنه حتى التشريعات العمالية في المملكة الأردنية الهاشمية تعطي العمال بدل الإجازات السنوية)). فلا أقل من أن يتساوى أعضاء المحكمة الدستورية مع غيرهم من أعضاء الطبقة العاملة في هذا السياق.
بعد أن جرد رئيس ديوان التشريع والرأي أعضاء المحكمة الدستورية من صفتهم كموظفين عموميين، لم يبين وصفهم القانوني الوظيفي، فإذا لم يكونوا موظفين عموميين ماذا يكونون إذا؟ وهم من تم تعيينهم مباشرة من أعلى وأسمى مرجعٍ في الدولة، هو جلالة الملك المعظم بمقتضى المادتين (58/1) و (5/أ) من الدستور والقانون على التوالي، وهو وضعٌ لم يحظَ به إلا أعضاء مجلس الوزراء وبعض موظفي الدولة الذين يشغلون مراكز حساسة فيها حيث يتم تعيين الأغلبية الساحقة من كبار الموظفين العموميين الآخرين في الدولة بموجب نظام الخدمة المدنية الذي لا يعد قانونا وإنما له قوة القانون)).
كما ولم يبين رئيس ديوان التشريع والرأي من يكن أعضاء المحكمة الدستورية الذين تُلزِم أحكامهم وقراراتهم سلطات الدولة كاملة وعموم مواطنيها ورعاياها بمقتضى المواد (59/1) و (15/أ ) من الدستور والقانون على التوالي، إذا لم يكونوا من الموظفين العموميين؟؟ في حين لا تُلزم الأحكام والقرارات القضائية التي تصدر عن المحاكم سوى أطراف الدعاوى التي تصدر فيها تلك الأحكام، بمعنى أن الأحكام والقرارات التي تصدر عن المحكمة الدستورية لها قوة مطلقة، في حين ليست للأحكام والقرارات الصادرة في الدعاوى القضائية سوى قوة نسبية، ومن المسلم به أن قضاة المحاكم عادة يتربعون على أعلى درجات السلم الوظيفي للموظفين العموميين في الدولة، وخضوعهم لقانون استقلال القضاء الذي يتضمن أحكاما عديدة خاصة بهم لا تُخرجهم من نطاق الوظيفة العامة.
كما لم يبين من يكن هؤلاء الذين يتوجب بموجب الدستور والقانون نشر أحكامهم وقراراتهم في الجريدة الرسمية أسوة بما يتم نشره بالنسبة للدستور وقوانين وأنظمة الدولة بغية العلم بها من الجميع للالتزام بأوامرها واجتناب نواهيها، وذلك بمقتضى المواد (59/1 و 2) و (16/ب) و (17) من الدستور والقانون على التوالي خلافاً لما هو عليه الحالي بالنسبة للأحكام والقرارات القضائية الصادرة عن مختلف المحاكم إذ لا تنشر أحكامها أو قراراتها في الجريدة الرسمية.
كما لم يبين رئيس ديوان التشريع والرأي، من يكن هؤلاء الذين تأبى أحكامهم وقراراتهم الطعن فيها أمام أي مرجع قضائي أو إداري خلافا لما هو عليه الحال بالنسبة للأحكام والقرارات الصادرة عن المحاكم الدارية والقضائية التي تكون قابلة للطعن فيها قبل انبرامها من قبل المحاكم الأعلى درجة.
كما أن موقف رئيس ديوان التشريع والرأي هذا يضعه مباشرة في مواجهةٍ مع وزارة المالية حيث قامت هذه الوزارة بتعديل الرواتب التقاعدية للزملاء التالية أسماؤهم عندما انتهت خدماتهم المقبولة للتقاعد خلال خدمتهم في المحكمة الدستورية وهم على التوالي:
1. معالي المرحوم الأستاذ مروان دودين
2. معالي المحامي الأستاذ فهد ابو العثم
3. عطوفة المحامي الأستاذ يوسف الحمود
4. عطوفة المحامي الدكتور عبدالقادر الطورة
وفي هذه المناسبة، فإننا نتساءل هل يخضع للراتب التقاعدي سوى الموظفين العموميين؟؟
بل إنني أرى بأن معالي وزير المالية كان بإمكانه الوصول إلى هذه الحقيقة والتي لا شك بأنه كان جاداً في السعي إلى وصولها لو اطلع على سجلات وزارة المالية وما تم التعامل بموجبه مع الزملاء المشار إليهم أعلاه بسبب تعديل رواتبهم التقاعدية التي كانوا يتقاضونها قبل تعيينهم بالمحكمة الدستورية وأصبحوا يتقاضونها فيما بعد خدمتهم فيها.
وأخيرا لا آخرا فقد كنت أتمنى على رئيس ديوان التشريع والرأي وهو المكلف من دولة رئيس الوزراء الأفخم بالرد على الطعون والدفوع بعدم الدستورية أمام المحكمة الدستورية، أن يعود إلى القرار الصادر عن المحكمة الدستورية بتاريخ 24/ محرم /1436 هـ الموافق 17/تشرين الثاني /2014 والذي حدد الوظائف العامة (بأنها كل وظيفةٍ يتناول صاحبها مرتبه من الأموال العامة ويشمل ذلك دوائر البلديات وكذلك لا يجوز الجمع بين عضوية مجلس الأعيان والنواب).
وفي مقام آخر، عَرّفت المحكمة الدستورية الموظف العام بأنه ((وفق ما يعرفه الفقه والقضاء هو الشخص الذي يعهد إليه بعمل دائم في خدمة مرفق عام تديره الدولة أو أحد أشخاص القانون العام مما يعني أن الشروط والعناصر الواجب توافرها في الموظف العام هي أن يتم تعيينه من السلطة المختصة بوظيفة دائمة في خدمة مرفق عام تديره الدولة بشكل مباشر أو غير مباشر من أحد أشخاص القانون العام متفرغاً للوظيفة التي تم تعيينه فيها)).
فكل هذه الشروط تتحقق بالنسبة لأعضاء المحكمة الدستورية لتتحقق فيهم ما يتطلبه هذا القرار الملزم للسلطات وللأفراد كافة.
وفي الختام: فإننا نتساءل: ألا يكفي قرار المحكمة الدستورية هذا لإحباط مفعول هذا الإفتاء وشلّ فاعليته؟ قال بلى: "ولكن ليطمئن قلبي" فالقرار الصادر عن المحكمة الدستورية يعلو على كل ما عداه، بل ولا يدانيه ما عداه، طالما أن له قوة الدستور ما دام أنه من صنعه ونسيجه.
المحامي الدكتور كامل السعيد
أستاذ القانون الجنائي / الأردنية
عميد كليتي الحقوق في الجامعة الأردنية وعمان الأهلية سابقا
الحائز على جائزة الدولة التقديرية في العلوم القانونية لعام 1993
عضو محكمة التمييز الأردنية سابقا
وزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء والتشريعات سابقا
عضو المحكمة الدستورية الأردنية سابقا
في رد معالي رئيس ديوان التشريع والرأي على كتاب معالي وزير المالية رقم ش ق 2019/0/6684 تاريخ 26/2/2019 المتضمن طلب بيان الرأي حول مدى استحقاق قضاة المحكمة الدستورية لبدل الإجازات السنوية:
أجاب رئيس ديوان التشريع – مع حفظ الألقاب - في خلاصة رأيه ما يلي:
((وعليه، وحيث أن المحكمة الدستورية هيئة قضائية وقائمة بذاتها وتتمتع باستقلال مالي وإداري، وبما أن قانون المحكمة الدستورية قد حدد فقط راتب رئيس وأعضاء المحكمة الدستورية وعلاواتهم، ولم يُحل هذا القانون إلى أي تشريع أخر لتنظيم أي أمور أخرى تتعلق بقضاة المحكمة الدستورية بما في ذلك إجازاتهم، وطالما أن صرف أي بدل مالي يجب أن يستند إلى نص القانون أو النظام، ولا يجوز التوسع في تفسير النصوص ذات الأثر المالي، وحيث أن رؤساء وأعضاء المحكمة الدستورية لا يعتبرون موظفين عموميين، فإننا نرى بأنه ليس هناك أي نص قانوني يجيز منح قضاة المحكمة الدستورية بدلا عن الإجازات السنوية)).
والجدير بالذكر أن رئيس ديوان التشريع والرأي كان قد استند في الصفحة الأولى والثانية والثالثة في بيان رأيه إلى الأمور التالية:
الأمر الأول: رأيه المسبق بخصوص عدم استحقاق أعضاء مجلس مفوضي الهيئة المستقلة للانتخاب لبدل إجازاتهم السنوية، وذلك بمقتضى الكتاب المرفوع لدولة رئيس الوزراء برقم (د ت 1/1/172) بتاريخ 4/6/2014 والذي تضمن ما يلي:
((بناءً على ما تقدم، وطالما أن قانون الهيئة المستقلة للانتخاب قد حدد فقط راتب رئيس وأعضاء مجلس مفوضي الهيئة ولم يتضمن أي نص يجيز منحهم بدلا ماليا مقابل إجازاتهم السنوية خاصة وأن صرف أي بدل مالي يجب أن يستند إلى نص في القانون أو النظام ولا يجوز التوسع أو القياس في النصوص المالية، وحيث أن رئيس وأعضاء مجلس مفوضي الهيئة لا يعتبرون موظفين عموميين، فإنه يتعذر منحهم بدلاً مالياً عن إجازاتهم السنوية)) ولست الآن بصدد بيان صواب أو عدم صواب ما توصل إليه رئيس ديوان التشريع والرأي بخصوص الهيئة المستقلة للانتخاب، ولكنها مناسبة تفرض علينا بحكم اللزوم والضرورة واستناداً إلى حقنا الدستوري المقدس في الرد: نقول، بأنه لا يجوز قياس ما توصل إليه ديوان التشريع والرأي بخصوص رئيس وأعضاء مجلس مفوضي الهيئة المستقلة للانتخاب على أعضاء المحكمة الدستورية، لسببين:
أولهما: أن قانون وأنظمة أعضاء مجلس مفوضي الهيئة المستقلة للانتخاب تختلف عن قانون وأنظمة المحكمة الدستورية، فقوانين وأنظمة المؤسسات المستقلة ليست متطابقة، فهي تختلف بين مؤسسة مستقلة ومؤسسة أو هيئة قضائية أخرى.
ثانيهما: أنه وأن كان لرئيس ديوان التشريع والرأي بمقتضى المادة (7/د) من نظام الخدمة المدنية (1) لسنة 1993) إبداء الرأي في الاستشارات القانونية التي تقدم إلى دولة رئيس الوزراء الأفخم من الوزارات والدوائر الحكومية والمؤسسات والسلطات المحلية فيما يعرض لها من حالات فيما يقع بينها من تباين في وجهات النظر أو فيما يقع بينها من تباين في الاجتهاد في الأمور المتعلقة بمهامها وصلاحياتها والاختلاف في تطبيق النصوص القانونية، فرأيه في كل ما تقدم، هو رأي اجتهادي غير ملزم لأي طرف أو جهة، ولا يعدو أن يكون رأياً استئناسياً يجوز لمن طلب الرأي فيه أخذه أو طرحه، حيث يجوز لطالب الرأي أن يتبنى رأياً آخر يكون من وجهة نظره أكثر تحقيقاً للعدالة والإنصاف، ولكن الأمر يختلف كلياً عندما يتعلق الأمر بتفسير النصوص القانونية – التي أقدم عليها رئيس ديوان التشريع في هذه القضية - فهذا التفسير يقع حكراً على ديوان تفسير القوانين بمقتضى المادة (123/1) من الدستور وذلك على النحو التالي:
1. ((للديوان الخاص حق تفسير نص أي قانون لم تكن المحاكم قد فسرته إذا طلب إليه ذلك رئيس الوزراء)).
2. ((يؤلف الديوان الخاص من رئيس أعلى محكمة نظامية رئيساً وعضوية اثنين من قُضاتها وأحد كبار موظفي الإدارة يعينه مجلس الوزراء يضاف إليهم عضو من كبار موظفي الوزارة ذات العلاقة بالتفسير المطلوب ينتدبه الوزير)).
3. ((يصدر الديوان الخاص قراراته بالأغلبية)).
4. ((يكون للقرارات التي يصدرها الديوان الخاص وتنشر في الجريدة الرسمية مفعول القانون، فالقرارات الصادرة عن الديوان الخاص بتفسير القوانين والأحكام أو القرارات الصادرة عن المحاكم تتمتع بالحجة والقوة القانونية لأنها تمثل عنواناً للحقيقة القانونية والمادية)).
الأمر الثاني: لقد استند رئيس ديوان التشريع والرأي في نصوص قانونية إما أنه لا علاقة لها بالرأي الذي أبداه من حيث تجريد أعضاء المحكمة الدستورية من صفة الموظفين العموميين، كاعتبار المحكمة الدستورية هيئة قضائية مستقلة قائمة بذاتها وتتمتع بالشخصية الاعتبارية ولها استقلال مالي وإداري بمقتضى المادة الثالثة من قانون المحكمة الدستورية، أو انه استند إلى نصوص قانونية تضمنها قانون المحكمة الدستورية تؤدي تماماً إلى عكس ما أراده في رأيه، فَتَفرُغ الموظف العام لأعمال وظيفته هو متطلب أو شرط جوهري لازم بالنسبة له - أي بالنسبة للموظف – وهو ما جاء في المادة (8/أ) من قانون المحكمة الدستورية. المستشهد بها من قبل معاليه في قولها "على العضو – أي عضو المحكمة الدستورية – التفرغ الكامل لأعمال المحكمة ولا يجوز له أن يكون موظفاً في القطاع العام أو الخاص أو إشغال أي منصب لدى أي منهما أو ممارسة أي عمل أو نشاط تجاري، كما لا يجوز له أن يكون عضواً في مجلس إدارة أو شركة أو هيئة مديرها أو رئيساً أو عضواً في مجلس إدارة أو مجلس أمناء أي مؤسسة عامة أو خاصة أو أن يقوم بأي عمل لصالح أي هيئة مهما كانت صفتها أو أن يكون منتسباً لأي حزب".
الأمر الثالث: أنه استند إلى نصوص تضمنها قانون المحكمة الدستورية لا تنفي اعتبار أعضاء المحكمة الدستورية من الموظفين العموميين، (فالفقرة أ) من المادة (20) من قانون المحكمة الدستورية، نصت على ما يلي: ((يتقاضى الرئيس الراتب والعلاوات المقررة لرئيس محكمة التمييز بمقتضى أحكام التشريعات النافذة في حين نصت الفقرة (ب) من هذه المادة على ما يلي:
(( يتقاضى الأعضاء الآخرون الراتب والعلاوات المقررة لنواب رئيس محكمة التمييز بمقتضى الأحكام النافذة )).
إن هذه المادة تؤدي إلى عكس ما أراده ديوان التشريع والرأي، فتقاضي رئيس المحكمة الدستورية وأعضاءها هو ما يتقاضاه رئيس محكمة التمييز ونوابه وفق التشريعات النافذة، ((أي التشريعات النافذة بحق رئيس محكمة التمييز ونوابه)) أي أن ما يتوجب تطبيقه على رئيس وأعضاء المحكمة الدستورية هي التشريعات المطبقة على رئيس محكمة التمييز ونوابه وهذا الأمر يجعل قضاة المحكمة الدستورية في منزلة قضاة محكمة التمييز من حيث كونهم موظفين عموميين تنطبق عليهم التشريعات النافذة بحق الموظفين العموميين، فلو لم يضع المشرع قضاة المحكمة الدستورية في منزل قضاة محكمة التمييز لما سوى بينهم جميعاً في تقاضيهم للرواتب والعلاوات وفق أحكام التشريعات النافذة.
الأمر الرابع: وأما ما ورد في البند الرابع في إجابته المتمثلة في أنه لم يتضمن قانون المحكمة الدستورية اي نص ٌ يتعلق بتنظيم إجازات قضاة المحكمة الدستورية، أو أي أمور مالية أخرى يتعلق بها, وما ورد أيضا في البند الخامس من إجابته، من أنه ((لم يُحل قانون المحكمة الدستورية تنظيم أي مسائل تتعلق بقضاتها إلى أي تشريعٍ آخر على غرار ما نص عليه فيما يتعلق في الرواتب والعلاوات))، فردُنا عليه يتمثل فيما يلي: ((أنَّ المبدأ المسلم به قانوناً وفقهاً واجتهاداً ولا جدال فيه لأحد، أنه إذا لم يَرِد نص في القانون الخاص – وهو في هذا المقام قانون المحكمة الدستورية – فإنه يتوجب الرجوع إلى القانون العام لسد كل نقصٍ واستجلاء كل غموض ينتاب أحكام القانون الخاص وذلك بدون نصٍ يقضي بذلك، والقانون العام في هذا المقام هو نظام الخدمة المدنية السارية المفعول والذي يعطي للموظفين العموميين بدل الإجازات السنوية بل وأكثر من هذا فإنه حتى التشريعات العمالية في المملكة الأردنية الهاشمية تعطي العمال بدل الإجازات السنوية)). فلا أقل من أن يتساوى أعضاء المحكمة الدستورية مع غيرهم من أعضاء الطبقة العاملة في هذا السياق.
بعد أن جرد رئيس ديوان التشريع والرأي أعضاء المحكمة الدستورية من صفتهم كموظفين عموميين، لم يبين وصفهم القانوني الوظيفي، فإذا لم يكونوا موظفين عموميين ماذا يكونون إذا؟ وهم من تم تعيينهم مباشرة من أعلى وأسمى مرجعٍ في الدولة، هو جلالة الملك المعظم بمقتضى المادتين (58/1) و (5/أ) من الدستور والقانون على التوالي، وهو وضعٌ لم يحظَ به إلا أعضاء مجلس الوزراء وبعض موظفي الدولة الذين يشغلون مراكز حساسة فيها حيث يتم تعيين الأغلبية الساحقة من كبار الموظفين العموميين الآخرين في الدولة بموجب نظام الخدمة المدنية الذي لا يعد قانونا وإنما له قوة القانون)).
كما ولم يبين رئيس ديوان التشريع والرأي من يكن أعضاء المحكمة الدستورية الذين تُلزِم أحكامهم وقراراتهم سلطات الدولة كاملة وعموم مواطنيها ورعاياها بمقتضى المواد (59/1) و (15/أ ) من الدستور والقانون على التوالي، إذا لم يكونوا من الموظفين العموميين؟؟ في حين لا تُلزم الأحكام والقرارات القضائية التي تصدر عن المحاكم سوى أطراف الدعاوى التي تصدر فيها تلك الأحكام، بمعنى أن الأحكام والقرارات التي تصدر عن المحكمة الدستورية لها قوة مطلقة، في حين ليست للأحكام والقرارات الصادرة في الدعاوى القضائية سوى قوة نسبية، ومن المسلم به أن قضاة المحاكم عادة يتربعون على أعلى درجات السلم الوظيفي للموظفين العموميين في الدولة، وخضوعهم لقانون استقلال القضاء الذي يتضمن أحكاما عديدة خاصة بهم لا تُخرجهم من نطاق الوظيفة العامة.
كما لم يبين من يكن هؤلاء الذين يتوجب بموجب الدستور والقانون نشر أحكامهم وقراراتهم في الجريدة الرسمية أسوة بما يتم نشره بالنسبة للدستور وقوانين وأنظمة الدولة بغية العلم بها من الجميع للالتزام بأوامرها واجتناب نواهيها، وذلك بمقتضى المواد (59/1 و 2) و (16/ب) و (17) من الدستور والقانون على التوالي خلافاً لما هو عليه الحالي بالنسبة للأحكام والقرارات القضائية الصادرة عن مختلف المحاكم إذ لا تنشر أحكامها أو قراراتها في الجريدة الرسمية.
كما لم يبين رئيس ديوان التشريع والرأي، من يكن هؤلاء الذين تأبى أحكامهم وقراراتهم الطعن فيها أمام أي مرجع قضائي أو إداري خلافا لما هو عليه الحال بالنسبة للأحكام والقرارات الصادرة عن المحاكم الدارية والقضائية التي تكون قابلة للطعن فيها قبل انبرامها من قبل المحاكم الأعلى درجة.
كما أن موقف رئيس ديوان التشريع والرأي هذا يضعه مباشرة في مواجهةٍ مع وزارة المالية حيث قامت هذه الوزارة بتعديل الرواتب التقاعدية للزملاء التالية أسماؤهم عندما انتهت خدماتهم المقبولة للتقاعد خلال خدمتهم في المحكمة الدستورية وهم على التوالي:
1. معالي المرحوم الأستاذ مروان دودين
2. معالي المحامي الأستاذ فهد ابو العثم
3. عطوفة المحامي الأستاذ يوسف الحمود
4. عطوفة المحامي الدكتور عبدالقادر الطورة
وفي هذه المناسبة، فإننا نتساءل هل يخضع للراتب التقاعدي سوى الموظفين العموميين؟؟
بل إنني أرى بأن معالي وزير المالية كان بإمكانه الوصول إلى هذه الحقيقة والتي لا شك بأنه كان جاداً في السعي إلى وصولها لو اطلع على سجلات وزارة المالية وما تم التعامل بموجبه مع الزملاء المشار إليهم أعلاه بسبب تعديل رواتبهم التقاعدية التي كانوا يتقاضونها قبل تعيينهم بالمحكمة الدستورية وأصبحوا يتقاضونها فيما بعد خدمتهم فيها.
وأخيرا لا آخرا فقد كنت أتمنى على رئيس ديوان التشريع والرأي وهو المكلف من دولة رئيس الوزراء الأفخم بالرد على الطعون والدفوع بعدم الدستورية أمام المحكمة الدستورية، أن يعود إلى القرار الصادر عن المحكمة الدستورية بتاريخ 24/ محرم /1436 هـ الموافق 17/تشرين الثاني /2014 والذي حدد الوظائف العامة (بأنها كل وظيفةٍ يتناول صاحبها مرتبه من الأموال العامة ويشمل ذلك دوائر البلديات وكذلك لا يجوز الجمع بين عضوية مجلس الأعيان والنواب).
وفي مقام آخر، عَرّفت المحكمة الدستورية الموظف العام بأنه ((وفق ما يعرفه الفقه والقضاء هو الشخص الذي يعهد إليه بعمل دائم في خدمة مرفق عام تديره الدولة أو أحد أشخاص القانون العام مما يعني أن الشروط والعناصر الواجب توافرها في الموظف العام هي أن يتم تعيينه من السلطة المختصة بوظيفة دائمة في خدمة مرفق عام تديره الدولة بشكل مباشر أو غير مباشر من أحد أشخاص القانون العام متفرغاً للوظيفة التي تم تعيينه فيها)).
فكل هذه الشروط تتحقق بالنسبة لأعضاء المحكمة الدستورية لتتحقق فيهم ما يتطلبه هذا القرار الملزم للسلطات وللأفراد كافة.
وفي الختام: فإننا نتساءل: ألا يكفي قرار المحكمة الدستورية هذا لإحباط مفعول هذا الإفتاء وشلّ فاعليته؟ قال بلى: "ولكن ليطمئن قلبي" فالقرار الصادر عن المحكمة الدستورية يعلو على كل ما عداه، بل ولا يدانيه ما عداه، طالما أن له قوة الدستور ما دام أنه من صنعه ونسيجه.
المحامي الدكتور كامل السعيد
أستاذ القانون الجنائي / الأردنية
عميد كليتي الحقوق في الجامعة الأردنية وعمان الأهلية سابقا
الحائز على جائزة الدولة التقديرية في العلوم القانونية لعام 1993
عضو محكمة التمييز الأردنية سابقا
وزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء والتشريعات سابقا
عضو المحكمة الدستورية الأردنية سابقا