facebook twitter Youtube whatsapp Instagram nabd

القبة نيوز-ايها البدوي -بقلم الأستاذة جميلة عويصي السرحان-تفاصيل

القبة نيوزايها البدوي بقلم الأستاذة جميلة عويصي السرحانتفاصيل
أيّها البدوي.. من يعرفك أيها البدوي.. أيها البدوي المغسول بعطر الأحلام والليالي الندية.. يا عازفًا في النثرشعرًا.. وكاتبًا في الشعر نثرًا.. يا أيها البدوي ما أروعك.. طللتَ من خيمتك فقلتَ جملةً.. رددوها شهوراً.. فأصبحتَ مثلأً سائراً.. وأصبحتْ لهجتُك العامية فصحى التاريخ العربي.. ففي يديك حواضرٌ وبلاد.. وأنتَ سيدُ نفسك.. وأنتَ المليك.. وأنتَ الحرف المرسوم على الاوراق.. وأنتَ الفرحةُ في عيون الصغار.. يا أيّها البدويّ أبي أنت وأخي وزوجي وأبني ما أروعك.. هم أباؤنا لا يملكون من الدنيا شهادة ولا تعليمًا ،أحلامهم بسيطة وحيلتهم الوحيدة عصا غليظة "يهشون" بها على أغنامهم ، لا يجيدون شيئًا سوى مهنة الأنبياء ، يرعون الأغنام ويقتاتون على خيرها ، وما بين هذا وذاك تظل حياتهم على المحك ليل نهار، متربصون بالخوف من الذئاب واللصوص، أو من إصابة نعاجهم بالمرض، أو كلل أجسادهم التي لم تعرف الراحة منذ ميلادهم على سطح البسيطة.. يرتحلون قبل الضوء بحثاً عن المراعي الجيدة لأغنامهم وحتى يكونوا مع طلعة النهار قد بنوا بيت الشعر وأوقدوا النار وأعدوا القهوة ، وللقهوة حينها شأنٌ كبير ، فدقة المهباش تعني للمجاورين أن هناك جارا جديدا لا بد من إكرامه وقتها يفرح الصغار والكبار بالجار الجديد فسيكون هناك ذبحٍ عظيم ومن ثم( رد النزاله ) عند الجار الجديد ، ويفرحوا الصغار ببعض فهم لم يشاهدوا أحدًا غير إخوتهم وأبناء عمومتهم ولم يعرفوا الدكاكين وما تحوي بل عرفوا الرعي وسقاية غنمهم ومراعاتها والحدو لها ، في حين كن الصبية من البنات همّهن ملء (الروايا) بالماء ومن لم يجرّب ذلك لا يعلم بدء الكفاح فتبدأ بملء الراوية الأولى بقليلٍ من الماء ثم الأخرى وهمّها أن تبقيا مربوطتين جيدًا على الناقة وأن لا يتسرب شيئا من الماء حتى تصل البيت وتفرغهما ، ويا لخجلها وحيائها إن صادفت الرعيان على البئر ، تبقى تنتظر حتى يصدر الرعاة فإن كان لها أخٌ يا لقوتها.. لم تفكر بما يلهيها كما هنّ بنات اليوم ولم يعرف قلبها سوى والديها وإخوتها، فهي البنت النشمية تُحييّ بضيوف أبيها وتصب لهم القهوة وتقدم الطعام كأنها أحد الرجال الأشاوش، فينتخي أخوها بالملمّات أنا أخو نورة.. ذهب الكثير من فرح الحياة آنذاك وبساطتها وحتى مراعيها..وأصبح راعي الغنم يجلس ساعات وساعات ليتسلّم قليلاً من الاعلاف لغنمه وإبله وضاقت عليهم الأرض بعمرانها وبيوت الحجر فيها وقرميدها وأشياكها التي طالما ألَمت نعاجهم وأدمت أضرعها التي شربوا من حليبها ومروا ببيوت أهلها صيفاً وسألوا عن (طرقوع لبن) .. فكانوا منذ زمن إن قطنوا بالقرب من الفلاحين احتفلوا بهم ورحبوا بهم شيبانا وشبابا رجالا ونساء وصبيانا، فيتزاورون ويشربون القهوة ويحملون لهم سلالٍ من عنبٍ وتين ، وحين يرتحلون يذرفون الدموع على رحيلهم ، في حين نجد ذريتهم اليوم تنزعج من رائحة غنم ذاك البدويّ وصوتها وصوت قراقيع مراييعها وو...... فأخذ هذا الراعي ببيع شياهه ونايه وذهب فأخذ يجلس ساعات ينتظر تجنيده في العسكرية أو تجنيد أحد أبنائه لعلّ وعسى أن يعول عائلته.. بهروكَ أيّها البدوي بأساليبهم التي أدّعوا فيها التحضر والمدنية والرقي والراحة من التعب الذي تجنيه من جراء تربيتك لأغنامك وترحالك عبر الصحراء، لكنهم صنعوا لك تعبًا من نوعٍ آخر لم تعهده فتألَّم قلبُك.. لك الله أيّها البدويّ ،فما زالوا أبنائك ينحتون الصخر بالعلم والمعرفة ، وما زالوا يروون هذه الأرض بدمائهم الزكية.. رحمة الله واسعةٌ أيّها البدوي.. وهنيئاً لمن تشبث بأغنامه وابتعد فيها بقلبِ الصحراء ولم يتخلّى عنها وأبعدها عن هذا التلوث وسمومه ،وما زال يشرب شاياً على النار لعلّ يجدَ فيه حلاوة الحياة..
تابعوا القبة نيوز على
 
جميع الحقوق محفوظة للقبة نيوز © 2023
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( القبة نيوز )
 
تصميم و تطوير