facebook twitter Youtube whatsapp Instagram nabd

حكايةُ حب

حكايةُ حب
د. لانا مامكغ لمحَها من بعيد... فكاد يُكذّبُ عينيه، إذ كثيراً ما كانتا تخذلانه، خاصّةً حين كان يقتربُ من نساءٍ يُشبهنها، لينتهيَ الأمرُ بخيبةٍ وخذلانٍ وحرجٍ بالغ... لكنّها هي هذه المرّة، مشيتُها، لفتاتُها، حركاتُها، ضحكتها... فصاح بلا وعي: « هي أخيراً... ربّي، شكراً على هدّيتك لي بعد سنوات البعد والفراق... ربّي، ساعدني، قلبي يكادُ يطيرُ من صدري « وتسمّرَ في مكانه وسط المارّة، حتى ارتطمَ به بعضُهم دون أن يشعر... وكالمأخوذ سارَ باتّجاهها ليقفَ أمامها مذهولاً ويحيّيها بصوتٍ متهدّج لم يعلم كيف وجدَ القوّة لاستخدامه أصلاً... نظرت إليه بدهشةٍ سرعان ما تحوّلت إلى فرحة... فابتسمت بارتباك دون أن تتمكّن من ردّ التّحية... حتى سادَ بينهما صمتٌ بدا كالدّهر... ليقطعَه أخيراً بسؤالٍ ملهوفٍ عن رقم هاتفها وغادرها وهو يعدُّ السّاعاتِ والدّقائقَ والثّواني حتى تحينَ لحظةُ اتّصاله بها... وصلَ إلى بيته مسحوراً هائماً منتشياً... ثمَّ أخرجَ صندوقاً قديماً مقفلاً بإحكام ونثرَ ما فيه... قُصاصاتٍ ملوّنة كان قد تفنّنَ في تخطيطِ اسمها على كلٍّ منها بإتقان وتأنٍّ وحنّو وهو يكادُ يُقبّلُ كلَّ حرف... شريط َكاسيت لم يكن قد تمكّن من إيصاله لها بعد أن كان قد جمعَ فيه أغنياتٍ تعبّرُ عمّا في قلبه... إضافةً إلى رسالة وداع بعد أن يأسَ من إمكانيّة ارتباطهما، إذ كثيراً ما اصطدمَ حبُّه الجارف بالحصارُ الخانق حولها... ويذكرُ كم تعذّبَ توقاً لسماعِ صوتها... عند تلك الّلحظة، تناولَ هاتفَه واتّصل... ودارٌ حديثٌ مضطرب هامس بينهما ليعرفَ أنّها لم ترتبط أبدأ... فاجتاحته فرحةٌ لم يشأ الإعلانَ عنها، خاصّة أنّه تزوّج خلال سنوات غربته، وإن لم يستمرّ ذلك الزّواج طويلاً... فتوصّلا إلى نتيجةٍ مشتركة مفادُها أن القدَرَ الذي فرّق بينهما، هو ذاتُه الذي شاء أن يجمعَهما أخيراً في مساء اليوم التّالي، وقفت هي أمامَ خزانة ثيابها تبحثُ عمّا يمكنُ أن ترتديه له... في حين انشغلَ هو في مكانٍ آخر باختيار ربطة العنق الأنسب للقاء العمر وبقلبٍ خافق، وبروحٍ توّاقةٍ للقادم الجميل من الأيّام، توّجه كلٌ منهما إلى المطعم الهادىء الذي اتّفقا على أن يشهدَ لقاءَهما الأوّل... ولقاءَهما الأخير قُبيلَ إعلانِ ارتباطِهما الخالد فضمّتهما أخيراً زاويةٌ شاعريّةٌ وادعة، ليبدأ هو في الحديث... وظلّت منصتةٌ بانبهار دون أن تصدّقَ أنّها المرّةُ الأولى التي تسمحُ لها الظّروف بسماعِ صوته، إذ كان بالنّسبة لها طوال تلك السّنين، مجرّدَ طيفٍ... طيفٍ حبيب آسر عذّبها في نهاراتها، وأرّق لياليها ثمَّ تحدّثت هي، وقالت الكثير... ومرّت ساعةٌ أو يزيد، ليجدا نفسيهما قد صمتا فجأة بعد دقائق، تصافحا بموّدّة، وغادرا المكان ليمضي كلٌّ منهما في طريقه، وصلت هي إلى بيتها، فكان أوّلُ ما فعلته أن ألقت بنفسها على أقرب مقعد لتجلسَ ساهمةً، ثمَّ لتتنهّدَ طويلاً وتقول: « ليس هو الذي يمكن أن أضّحيَ بحرّيتي من أجله بعد السّنين تلك كلِّها... رجلٌ محترم لاشك، لكن ليس بيني وبينه ما هو مشترك... مخلوقٌ مختلفٌ عنّي تماماً... أشكرُ القدّرَ الذي لم يجمعني به في الماضي ثمَّ قامت لتدور حولَ نفسِها باضطراب وهي تبحثُ عن حجّةٍ مناسبة لتعتذرَ له عن عدم الارتباط ِ دون أن تجرحَه في مكانٍ آخر، كان يجلسُ هو مُطرقاً حائراً وقد وضعَ رأسَه بين كفّيه وهو يتمتم: « أيّ وهمٍ ذاك الذي أكلَ عمري وعذّبني؟ امرأةٌ ممتازة، لكن لا تشبهُني أبداً... ليست تلك التي يمكن أن أقضيَ معها ما تبقّى لي من عمر... لكن أرجوكَ يا إلهي، ساعدني حتى أنسحبَ من الموضوع كلِّه دون أن أجرحَ شعورَها« الرأي د. لانا مامكغ
تابعوا القبة نيوز على
 
جميع الحقوق محفوظة للقبة نيوز © 2023
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( القبة نيوز )
 
تصميم و تطوير