قرار التفسير بين ردع الفساد وأختبار الحياد ...
الـدكتور طـلال الشرفـات
القبة نيوز - بصدور قرار ديوان تفسير القوانين رقم 5 لسنة 2018 والذي كشف عن فهم منطقي وانتصار حقيقي لسيادة القانون ، قرار اصابني بحالة من الذهول الأيجابي والتقدير لمجلس الهيئة الذي استطاع أعادة قيادة جهد استثنائي من اجل اعادة الأعتبار للهيئة وصلاحياتها التي اصابها الوهن بعد اقالة اثنين من اعضاء مجلس الهيئة من قبل مجلس الوزراء في سابقة اثارت صدمة المراقبين والمختصين في الداخل والخارج على حد سواء .
كنت اتمنى صادقاً ان يفسر ديوان التفسير نص المادة 7 من قانون النزاهة ومكافحة الفساد وبيان مدى صلاحية مجلس الوزراء في احالة مجلس الهيئة او بعض اعضاءه الى التقاعد ، سيما وأن هذا الأمر أثار شهية الحكومة وبعض المستفيدين منه من جهة وسخط المنافحين والمدافعين عن استقلالية الهيئة وحصانة مجلسها من العزل والأقصاء من جهة أخرى .
قرار ديوان التفسير الصادر اعاد جزء معقول من الحصانة السياسية لمجلس الهيئة من خلال جواز خضوع الوزراء والاعيان والنواب للتحقيق وجمع الادلة امام الهيئة ، وعدم جواز تذرع هؤلاء بالحصانة من المثول امام محققيها ، وكم كان ذلك سيكون نقلة نوعية لو بقي حصانة مجلسها من العزل والأقصاء ما زال قائماً في ظل عدم وجود تفسير من ديوان تفسير القوانين للمادة السابعة سالفة الذكر .
في قرار تفسير الديوان الخاص بتفسيرالقوانين انتصر مجلس الهيئة بالهاترك في اخضاع الوزراء والاعيان والنواب للتحقيق في كل شكاوى وشبهات الفساد اولاً ، وفي اخضاع الشركات التابعة للشركات المساهمة العامة لرقابة الهيئة ومتابعتها وخضوعها لذات الاحكام المقررة لحماية الشركات المساهمة العامة في قانون الجرائم الاقتصادية ثانياً ، ولخضوع الشركات المساهمة الخاصة لذات الاحكام المقررة للحماية الواردة للشركات المساهمة العامة في قانون الجرائم الاقتصادية ثالثاً والتي كانت سابقاً لا تخضع لرقابة الهيئة .
قرار التفسير سيؤدي الى نتائج كبيرة اذا ما احسن استغلاله لمتابعة الاعتداء على المال العام او حقوق المساهمين التي تعتبر في حكم المال العام ، ويؤدي ايضاً الى لجم تمرد الوزراء واعضاء البرلمان عن الخضوع للمساءلة والتحقيق في قضايا الفساد ، فقد كان الخضوع الطوعي هو المسار الوحيد للهيئة لأستجوب الوزراء والنواب والاعيان في كل ما يتعلق بأعمالهم التي تندرج في اطار جرائم الفساد المقررة بموجب القانون .
اخضاع الشركات المساهمة الخاصة التي تخضع لقواعد التداول في السوق المالي واضفاء ذات الرقابة على اعمالها كتلك الواردة للشركات المساهمة العامة تطور ايجابي لافت، وفي ذلك توسيع لرقابة الهيئة من جهة وحماية للأقتصاد الوطني من جهة أخرى ، وفي ذلك مدعاة للتمني على المشرع بتجريم الرشوة في القطاع الخاص تنفيذاً للأحكام الواردة في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد ؛ وأذا كانت تلك الأتفاقية قد حددت احكام ومنطلقات التجريم فأن العقوبة تستدعي تدخل المشرع الوطني بشكل واضح ودقيق .
وفقاً لهذا التفسير ينتابني الظن ويتملكني الأمل بأن نشهد الكثيرحالات المثول امام المحققين في اروقة الهيئة ، واعتقد انه من الحكمة اجراء تلك التحقيقات بسرية كبيرة وشفافية مطلقة واعتماد مبدأ العزل الدقيق عن الجمهور درءاً لمخاطر أغتيال الشخصية فيما لوكان ذاك المسؤول بريئاً مما استجوب فيه ، فسيادة القانون تتطلب الموازنة والموائمة بين المساءلة وأحترام قرينة البراءة التي تعتبر من الضمانات الدستورية الأساسية في معاملة المتهمين او المشتبه بهم .
كي اكون اميناً ومنصفاً – بعيداً عن المشاعر الخاصة – فأن ذروة هذا الانجاز والمبادرة يسجل لرئيس هيئة النزاهة ومكافحة الفساد في الطلب ومباركة زملاءه في المجلس وهو جهد وطني محترم ومقدر ، ولرئيس وأعضاء الديوان على هذا التفسير الجامع المانع المحترف ، وتخفيف وطأة القلق والأنزعاج واليأس سيما وأن مجلس الهيئة كان قد نأى بنفسه عن طلب تفسير المادة السابعة من قانون النزاهة عندما كانت الحاجة ملحة لذلك وقتذاك .
الخطوة القادمة التي يجب ان يتنبه لها مجلس الهيئة تتطلب تعديل قانون الهيئة بما يعيد لمجلسها صلاحية الاحتفاظ بالمشتبه فيهم مدة لا تزيد على سبعة ايام واعطاء المجلس حق الحجز الاحتياطي على اموال المشتبه بهم ومنعهم من السفر ، وتحصين مجلس الهيئة من العزل والأقالة والاحالة وطلب تعديل قانون الكسب غير المشروع بما يمكن الهيئة من متابعة النمو غير الطبيعي للثروة لكل المخاطبين بأحكامه او من في حكمهم وازالة الازدواجية في المهم وتوحيد مرجعية التحقيق في قضايا الفساد .
الأساس القانوني الأولي لنهضة حقيقية وأستثنائية لتعزيز منظومة النزاهة وأعادة الثقة بالجهود الوطنية في هذا الشأن وضعه قرار الديوان الخاص بتفسير القوانين آمل ان تتبعه خطوات أخرى ، وما بين ردع الفساد وأختبار الحياد مسافة وطن وأمهات وفقراء ينتظرون ، وحمى الله الوطن ...!!!