الشرفات يكتب : في حديث دولة الرئيس ... || مقالات
الدكتور طلال الشرفات
القبة نيوز - في المقابلة التي اجراها رئيس الوزراء مع التلفزيون الاردني اعجبتني تلقائية الرجل ولم تعجبني حنكته في اقناع اولئك المرابطين هناك في جوار قلعة الكرك حيث الدهاء والوعي والتجربة والاصرار وطول النفس يقابله اصرار آخر يفترش احضان البلقاء حيث الحرف الاردني الاول في مدرسة السلط الثانوية ، مقابلة اجمل ما فيها انه لم ينفع فيها المونتاج رغم ان مقدم البرنامج افلح في اتقان الاداء برصانة وحرفية وبوح حكيم اصيل غارق في الموضوعية وطرح الممكن والمتاح .
لست متخصصاً في الاقتصاد ولكن يبدو ان الرئيس من انصار فلسفة الاقتصاد الكلي المقلوب ، فالإصلاح عنده كما فهمت ينبع من اصلاح النمط الاستهلاكي للأفراد وتقليص قائمة المتطلبات لتنمية الطبقة الوسطى وتقليل الفجوة للطبقة الفقيرة ، وكان صادقاً عندما اعترف بصعوبة تعزيز الاستثمار لفقدان القدرة على المنافسة وهذا يسجل في خانة شفافية الرجل وصدقه وصراحته التي عبر عنها بقصد او بدون قصد ، وهو في قوله هذا يدرك ان دولة يقوم اقتصادها على الجباية والضرائب لا يمكن البتة ان تسير خطوة واحدة في تعزيز البيئة الاستثمارية .
ادرك وبموضوعية ان الرجل لم تتلوث يده في المال العام وانه رفض العلاج على نفقة الحكومة دون مزاودة ، وهو رجل عفيف متعفف عن الانحياز المقصود للفساد المالي وأن كانت منافذ الفساد قد فتحت ذراعيها في عهد حكومته في قطاعات مختلفة يستطيع الرئيس ان يخلو بمستشاريه الذين يثق بهم ويصدقونه القول ليقولوا له ما لا يشتهي او يتمنى ، فمشتملات تقارير ديوان المحاسبة التي تغنى بإحالتها لهيئة النزاهة ومكافحة الفساد لا تشكل رقماً صحيحاً واحداً في حجم الفساد المحترف المنظم الذي ارهق الادارة والاقتصاد والاستثمار ، والفساد الاداري وبعض انواع الفساد التي تتطلب احتراف التحقيق والمتابعة وجدية المساءلة .
ارى ان 80% من وزراء الملقي غير مؤهلين للاستمرار في ادارة الدولة وتحمل المسؤولية التضامنية للحكومة ، وارى كذلك ان الحكومة وان كانت قد اسهمت في وقف ارتفاع نسبة الدين من الناتج المحلي الاجمالي الا انها اسهمت بالمقابل في زيادة الاحتقان الشعبي في الكثير من قراراتها القائمة على المحسوبية والجهوية وغياب الشفافية والمساواة وتكافؤ الفرص بين الاردنيين ، وتلك مسألة لم يكن الرئيس مضطراً لها سيما وانه لم يكن محسوباً على احد .
الرئيس لم يعترف في مقابلته بوجود البيروقراطية المقيتة التي تعيق الاصلاح ، ولم يبرر اسلوبه التقليدي المحافظ في ادارة صراع المبادئ والانحراف في الاداء العام والتي باتت بوصلة الانتماء تتجه بسببه صوب الاسفل ، بل اكثر من ذلك فقد ارتكب اخطاء قاتلة في مخالفة القانون دون ضرورة ودون ان يرف له جفن ، وقاد معارك من اجل مسؤولين مرتبكين ليس معنياً بهم سوى دواعي التسرع والانفعال والقراءة المقلوبة للمشهد العام .
الرئيس حاول تكحيل صورة الازمة فأعماها ، فقد كنت اتوقع من رئيس حكومة يمر بأزمة بهذه الخطورة ولا يستطيع ان يقدم حلولا اقتصادية تخفف الاحتقان ان يقدم التزامات وقرارات سياسية واصلاحية كتعزيز الحريات الاعلامية وحق التعبير وتعديل التشريعات الاعلامية التي تحاكي الحقبة العرفية واعادة اعتبار واصلاح المؤسسات الرقابية والشروع في فتح حوار مع القوى السياسية والتي كان لها دور في رفض الاعتداء على الممتلكات العامة بشكل حازم ،
حديث الرئيس كان انفعالياً ومجزوءاً ؛ فقد اخفق في تشخيص وتلخيص الازمة ولم يقدم حلولا مقنعة والاهم انه لم يجب على اسئلة البسطاء والفقراء وملح الارض ، وإذا كان غياب ثقة مجلس النواب قطيعة فإن فقدان ثقة الشعب هزيمة ،،،!