التعليم المهني والتقني نقلة نوعية نحو ركيزة أساسية للتحديث الاقتصادي
القبة نيوز - شهد قطاع التعليم التقني والمهني في المملكة خلال السنوات الماضية نقلة نوعية، تحولت معها هذه المنظومة من كونها مسارا "بديلا" إلى ركيزة أساسية في مشروع التحديث الاقتصادي والاجتماعي.
وأكد معنيون في القطاع، لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، أن الأردن يمضي في مسار إصلاح عميق أعاد تشكيل هذا القطاع وربطه بشكل أوثق باحتياجات سوق العمل المتجددة، وبناء اقتصاد قائم على المهارات.
وأوضحوا أن الجهود الوطنية المتراكمة أسهمت في تطوير السياسات، ورفع جودة التدريب، وتوسيع الشراكات مع القطاع الخاص، بما أفضى إلى منظومة أكثر مرونة وتنظيما، قادرة على مواكبة متطلبات التحديث الاقتصادي وتلبية احتياجات سوق العمل الحالية والمستقبلية.
وبحسب مؤشر المعرفة العالمي لعام 2025، احتل الأردن المرتبة 113 في مؤشر الالتحاق بالتعليم المهني، و97 عالميا بخصوص الإنفاق الحكومي على التعليم بعد الثانوي غير الجامعي، كما احتل المرتبة 49 عالميا بمؤشر الالتحاق بالتعليم المهني (التكافؤ بين الجنسين)، والمرتبة 50 عالميا في معدل التحصيل للتعليم ما بعد الثانوي غير الجامعي.
وأكد عضو مجلس إدارة غرفة صناعة الأردن وممثل قطاع الصناعات الجلدية والمحيكات المهندس إيهاب قادري، أن الأردن حقق خلال العقد الماضي تقدما ملحوظا في إصلاح منظومة التعليم التقني والمهني، مدفوعا بالحاجة إلى ربط مخرجات التعليم بمتطلبات سوق العمل المتغيرة.
وأضاف إن استراتيجيتي التشغيل الوطنيتين لعامي 2012 و2016 شكلتا نقطة انطلاق لهذا التحول، إذ وضعتا التعليم المهني والتقني في صلب السياسات الوطنية لتوليد فرص العمل وتعزيز الإنتاجية.
وبين أن أبرز التطورات تمثلت في تأسيس هيئة تنمية وتطوير المهارات المهنية والتقنية كمظلة مستقلة مسؤولة عن اعتماد معايير التدريب وضمان الجودة، إلى جانب إطلاق الإطار الوطني للمؤهلات، الذي سهل ربط المسارات الأكاديمية والمهنية ضمن هيكل وطني متكامل، كما تم إشراك القطاع الخاص من خلال مجالس المهارات القطاعية التي تحدد احتياجات السوق وتشارك في تطوير المناهج، ما ساعد على مواءمة التدريب مع الواقع الفعلي للقطاعات الاقتصادية.
وأشار إلى أن هذه الجهود توجت بقرار دمج الهيئة مع هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي وضمان جودتها، لتشكل مرجعية وطنية موحدة تعنى بجودة التعليم بجميع مساراته، ما يعزز من مكانة التعليم المهني والتقني ويمنحه وزنا موازيا للمسار الأكاديمي.
ولفت القادري إلى أنه رغم الإنجازات، ما تزال هناك تحديات تتعلق بالبنية التحتية وتغيير النظرة المجتمعية للتعليم المهني، وتعزيز التشغيل المباشر للخريجين في سوق العمل، إلا أن هذه الإصلاحات تعكس توجها وطنيا جادا نحو بناء اقتصاد قائم على الكفاءات، بما ينسجم مع رؤية التحديث الاقتصادي واحتياجات سوق العمل المستقبلية.
من جانبه، أكد الخبير العمالي مدير "بيت العمال" حماده أبو نجمة، أن الأردن حقق في السنوات الأخيرة مجموعة من التطورات المهمة في مجال التعليم والتدريب التقني والمهني تمثلت أولا في اعتباره أحد محاور تحديث المنظومة التعليمية والتحديث الاقتصادي وربطه بشكل أوضح باحتياجات سوق العمل.
وأضاف إن هذا الأمر انعكس في سياسات واستراتيجيات محدثة للتعليم والتدريب المهني والتقني للفترة الأخيرة، وفي إعادة تنظيم الأدوار المؤسسية ونقل جزء من مسؤولية هذا القطاع إلى وزارة التربية والتعليم مع الإبقاء على شراكات مع جهات أخرى معنية بسوق العمل.
وأوضح أبو نجمة، أن التعليم المهني والتقني توسع في المدارس والكليات المتوسطة مع إدخال تخصصات جديدة مرتبطة بالقطاعات الإنتاجية والخدمية الحديثة مثل تكنولوجيا المعلومات والطاقة والخدمات اللوجستية وبعض المهن الصناعية المتقدمة، وجرى تحديث المناهج لتكون أكثر تطبيقية واعتماد أساليب تعلم قائمة على الكفايات والمهارات العملية إلى جانب التوجه نحو نماذج "التعلم في مكان العمل" والتدريب الميداني في محاولة لتقريب التعليم من بيئة الإنتاج الحقيقية.
وبين أن المنظومة شهدت خطوات باتجاه تنظيم الجودة والاعتراف بالمؤهلات، من خلال العمل على الإطار الوطني للمؤهلات وربط شهادات التعليم المهني والتقني بمستويات واضحة تمكن من الانتقال الأفقي والعمودي بين التعليم المهني والأكاديمي، وترافق ذلك مع جهود لتعزيز مشاركة القطاع الخاص في تحديد الاحتياجات المهارية وتصميم البرامج المشتركة وتطوير المعايير المهنية بما يجعل المخرجات أقرب إلى متطلبات أصحاب العمل وليس فقط إلى متطلبات النظام التعليمي التقليدي.
وأشار إلى أنه تم توجيه جزء من برامج التعليم والتدريب المهني إلى فئات محددة تعاني من ضعف في فرص العمل مثل الشباب العاطلين عن العمل والنساء وبعض الفئات من اللاجئين والعمال ذوي المهارات المتدنية مع إدماج موضوعات ريادة الأعمال والمهارات الحياتية والمهارات الرقمية والمهارات الخضراء في عدد من البرامج، بهدف أن يصبح التعليم المهني والتقني أداة لزيادة قابلية التشغيل وفتح المجال أمام مشاريع صغيرة مدرة للدخل وليس تأهيلا لوظائف تقليدية فقط.
ونوه أبو نجمة، إلى أنه رغم وجود بعض التحديات، يمكن القول إن الأردن خلال السنوات الأخيرة انتقل من فكرة مسارات بديلة ضعيفة إلى محاولة بناء منظومة تعليم تقني ومهني أكثر تنظيما وأقرب إلى المعايير الدولية وأكثر ارتباطا بالحاجات الفعلية للاقتصاد وسوق العمل مع بداية واضحة لربط هذا القطاع بأجندة التنمية الاقتصادية والاجتماعية طويلة الأمد.
واعتبر إنشاء هيئة تنمية وتطوير المهارات المهنية والتقنية علامة فارقة في مسار إصلاح التعليم المهني والتقني في الأردن، إذ مثل وجودها إطارا مؤسسيا متخصصا يعنى بضبط الجودة وترخيص مزودي التدريب ووضع المعايير المهنية وتطوير السياسات المبنية على أدلة.
وأشار إلى أن الهيئة أسهمت خلال فترة عملها في إدخال نماذج حديثة لضمان الجودة وتطوير العديد من الأدلة والمعايير وإطلاق منصات رقمية وتنظيم العلاقة بين المؤسسات التدريبية والقطاعات الاقتصادية عبر مجالس المهارات القطاعية، ما عزز الشفافية والحوكمة وربط التدريب بصورة أوضح بمتطلبات سوق العمل.
بدوره، أكد الناطق الإعلامي لوزارة العمل محمد الزيود، أن الوزارة تولي اهتماما كبيرا بتعزيز التعليم والتدريب المهني والتقني، باعتباره أحد المسارات الرئيسة لتمكين الشباب من دخول سوق العمل ورفع كفاءتهم المهنية.
وأوضح أن وزير العمل، بصفته رئيس مجلس إدارة مؤسسة التدريب المهني، يقود جهودا شاملة لتطوير منظومة التدريب من خلال تحديث البرامج والمناهج وتأهيل المدربين، إضافة إلى تطوير المعاهد والمراكز لتصبح أكثر قدرة على تلبية احتياجات سوق العمل المتغيرة، خصوصا في المجالات التقنية والمهنية.
وأضاف إن مديرية التشغيل المركزية تقوم بدور محوري في الإرشاد والتوجيه المهني، حيث تعمل على توجيه الشباب من الباحثين والباحثات عن العمل نحو المسارات المهنية والتقنية التي توفر فرص تشغيل حقيقية ومطلوبة في سوق العمل.
وبين أن البرنامج الوطني للتشغيل الذي أطلق في 2022 أسهم في تشجيع الشباب على الالتحاق بقطاعات العمل المهني والتقني، من خلال دعم أجور العاملين في منشآت القطاع الخاص وتوفير مخصصات للتدريب أثناء العمل، ما يرفع من فرص استدامة التوظيف.
وأشار الزيود إلى أن الوزارة تدعم أيضا انتشار الفروع الإنتاجية التي بلغ عددها 34 فرعا في مختلف محافظات المملكة، والتي توفر فرص عمل وتدريبا للشباب الأردني، خاصة للإناث، بالتعاون مع أصحاب العمل لتأهيلهم على المهارات المطلوبة.
ولفت إلى أن صندوق التنمية والتشغيل يواصل دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، خصوصا تلك المرتبطة بالمهن والصناعات التقنية، بما يسهم في تعزيز ريادة الأعمال وخلق فرص عمل جديدة.
















