facebook twitter Youtube whatsapp Instagram nabd

استقالة أكثر من نصف الهيئة العامة للمدني الديمقراطي تُربك المشهد الحزبي

استقالة أكثر من نصف الهيئة العامة للمدني الديمقراطي تُربك المشهد الحزبي
القبة نيوز- في مشهدٍ غير مسبوق في تاريخ الحياة الحزبية الأردنية الحديثة، أعلن أكثر من نصف أعضاء الهيئة العامة التاسيسية في الحزب المدني الديمقراطي الأردني استقالتهم الجماعية، وعددهم 650 عضواً مؤسساً في خطوةٍ وُصفت بأنها "صفعة للغرور وإعلان موتٍ سياسي لقيادةٍ فقدت بوصلتها الأخلاقية والتنظيمية".

البيان الذي حمل توقيع مئات الأعضاء المؤسسين — من بينهم أعضاء في المكتب التنفيذي واعضاء من المجلس المركزي واغلبية الهيئة التأسيسية وفق اخر تحديث لكشوفات الحزب المودعة لدى الهيئة المستقلة للانتخاب — لم يكن مجرّد انسحابٍ إداري، بل أقرب إلى صرخةٍ جماعيةٍ من ضميرٍ جريحٍ وأملٍ مكسورٍ، تعلن أن ما بُني على الحلم قد انهار تحت ثقل الأنانية والانفراد بالقرار.

وجاء في البيان المطوّل الذي حصلت عمون على نسخةٍ منه:

«نتقدّم باستقالتنا الجماعية لا بوصفها انسحابًا من الميدان، بل فعلًا أخلاقيًا وصرخةً في وجه التنكّر والجحود، وانحرافًا عن الميثاق الأخلاقي والقانوني الذي جمعنا، وهو عقد التأسيس المودع لدى الهيئة المستقلة للانتخاب، بعد أن تم الالتفاف على الشرعية والاغلبية الحزبية، وتحويل الفكرة إلى وسيلةٍ لخدمة المناصب لا المبادئ.»

وأضاف المستقيلون في بيانهم الذي اتّسم بلغةٍ أدبيةٍ عالية النبرة: «دخلنا هذه التجربة مؤمنين بأنّ الديمقراطية فعلُ مشاركةٍ ومسؤولية، فإذا بها تُختزل في أشكالٍ من الإقصاء، وبدل أن تكون روح الجماعة مصدر القوة والإلهام، أصبحت الفردانية سيدة الموقف تُلبِس الاستبدادَ قناعَ التنظيم، وتُغطّي العجز بخطابٍ يدّعي الشرعية.»

وذهب البيان إلى أبعد من النقد السياسي، ليُحمّل القيادة الحالية للحزب المدني الديمقراطي، مسؤولية الانحراف عن الفكرة الأساسية للحزب، قائلاً:

«ما أردناه يومًا مدرسةً للحرية، صار مسرحًا للأقنعة، كلّ قناعٍ مطليٌّ بلون الجماعة، لكن خلفه ملامحُ التسلّط واضحة, الحزب الذي كان مشروعًا وطنيًا جامعًا تحوّل إلى مكتبٍ شخصيٍّ مفصّلٍ على مقاس فردٍ واحد.»

ولم يتردّد الموقعون في توجيه نقدٍ مباشرٍ للأمين العام، بعد أن وصفهم في مراسلات داخلية بـ«الحمولة الزائدة»، حيث جاء في البيان:

«نتحدّى الأمين العام أن يجرؤ على إعادة هذا الوصف في العلن، كما تجرّأ على التفريط بذاكرة الحزب ومبادئه, فليتذكّر يوم المؤتمر التأسيسي، حين لم يكن النصاب القانوني ليكتمل لولا حضورنا الفاعل والمهيب، وحين لم يكن اسمه ليُمنح الشرعية لولا أننا حملناه على أكتافنا حتى بلغ الكرسي الذي يتبجّح به اليوم.»


بين السياسة والأخلاق
بلغةٍ أقرب إلى البيان الفلسفي منها إلى البيان السياسي، ربط المستقيلون استقالتهم بمفهوم الشرعية الأخلاقية لا الشكلية، مؤكدين أن:

«الشرعية ليست ختمًا يُمنح على ورق، بل عقدٌ أخلاقيٌّ حيّ بين القيادة وقاعدتها، ومن يتنكّر لهذا العقد يقطع الجسر الذي عبر عليه ويظنّ أنه يستطيع أن يواصل السير في الفراغ.»

رسالة إلى الدولة والرأي العام
وأشار البيان إلى أن هذه الخطوة ليست انسحابًا من الشأن العام، بل دفاعًا عن معنى السياسة نفسها بوصفها فعلًا لخدمة الإنسان لا وسيلةً للهيمنة عليه:

«نستقيل لأننا نرفض أن نكون شهود زور على مسرحية بلا جمهور، نغادر ونحن نعلم أن الحزب بلا قواعدٍ ليس حزبًا، بل وهمٌ فارغ, القيادة التي تنكر جذورها تحكم على نفسها بالخروج من المشهد، ولو رفعت الشعارات ألف مرة.»

وختم البيان بلغةٍ شاعريةٍ حازمة:
«نضع استقالتنا الجماعية على طاولة التاريخ، لا على مكتب الأمين العام، فالتاريخ لا يرحم من خان جذوره وأنكر جماعته، والذاكرة الجمعية هي الحكم الأصدق على من ظلّ وفيًا للفكرة، ومن باعها على عتبات المصالح»

سقوطٌ مدوٍّ… وملفٌ أمام الهيئة المستقلة
تأتي هذه الاستقالات الجماعية لتشكّل أضخم موجة انسحاب حزبي في تاريخ الحياة السياسية الأردنية، وبعد سقوط فروع الحزب في البلقاء وإربد وغيرها، وانشقاق أوساطٍ شبابيةٍ واسعةٍ كانت تُعدّ قلب ومستقبل المشروع الحزبي، وتشير المعلومات إلى أن ملف"الحزب أصبح الآن أمام الهيئة المستقلة للانتخاب "لمقتضى الحال"، في ظل فقدانه النصاب القانوني وانخفاض عدد أعضاء هيئته العامة ما يقارب من 400 عضو عن الحد الأدنى المطلوب، والغاء عدد من فروعه ما يهدّد بنيانه التنظيمي ومشروعيته القانونية.

رأي وتحليل

خصّ الناشط السياسي المهندس عامر البشير عمّون بما يلي:

ما حدث في الحزب المدني الديمقراطي لا يمكن اختزاله في خلافٍ داخليٍ أو صراعٍ على المناصب، بل هو تجلٍّ واضحٌ لأزمةٍ أعمق في بنية العمل الحزبي العربي عامة والمحلّي خاصّة — أزمة تتعلّق بفلسفة الفكرة لا بشخوصها، فعندما تفقد الأحزاب بوصلتها الأخلاقية، وتتحوّل التنظيمات من فضاءٍ للتعبير الجماعي إلى أداةٍ للهيمنة الفردية، فإنها تكتب شهادة وفاتها بيدها.

إنّ الاستقالة الجماعية التي شهدناها اليوم ليست حدثًا عابرًا، بل لحظة وعيٍ سياسيٍّ نادرة، فيها رسالة للدولة كما للأحزاب: أن الديمقراطية لا تُدار بالولاءات بل بالعقود الأخلاقية، ولا تُبنى بالخطابات وبالبيانات والصور على ابواب السفارات، بل بالثقة المتبادلة بين الفكرة وضمير ووجدان مؤسسيها.

الذين غادروا، غادروا من أجل المعنى، لا من أجل المقعد، ومن يغادر من أجل المعنى، إنما يفتح طريقًا جديدًا للفكرة ذاتها وآفاق لفجرٍ جديد.
تابعوا القبة نيوز على
 
جميع الحقوق محفوظة للقبة نيوز © 2023
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( القبة نيوز )
 
تصميم و تطوير