اليوم الوطني للقراءة..تعزيز للهوية الوطنية وبناء للمجتمعات المعرفية

القبة نيوز - تُعدُّ القراءة ركناً أساسياً في بناء المجتمعات المعرفية وجزءاً لا يتجزأ من نسيج الحضارة، وركيزة أساسية لمستقبل زاهر للأوطان، خاصة في ظل التحولات الكبيرة التي يشهدها العالم.
ولأهمية القراءة في تطوير الإنسان وتوسيع مداركه، قرر مجلس الوزراء في قراره الصادر 26 أيلول 2022 اختيار يوم وطني للقراءة على مستوى المملكة، لما تمثله القراءة من رفع لمستوى الوعي وإغناء المعارف، وبهدف تشجيع الجميع على القراءة وتعزيزها في المجتمع وجعلها عادة يومية، وذلك بتحديد "التاسع والعشرين من شهر أيلول" من كل عام يوما وطنيا للقراءة، والذي يصادف يوم غد الاثنين، ليشكل خطوةً مهمة لتعزيز مكانة القراءة كأداةٍ رئيسةٍ للمعرفة والثقافة والتنمية المستدامة، وليؤكد التزام الدولة ومؤسساتها بترسيخ القراءة كنهجٍ ثقافيٍ واجتماعي، تحصينًا لهويتنا الوطنية وحفاظًا على منجزنا الحضاري، وتعزيزا للوصول إلى مصادر المعرفة، ودعم حركة التأليف والترجمة، وحماية المؤلف والملكية الفكرية، باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من الصناعات الثقافية.
ويولي الهاشميون اهتمامًا كبيرًا بالعلم والمعرفة باعتبارهما جزءًا أصيلًا من إرثهم الثقافي والحضاري، وركيزةً أساسيةً في مسيرة بناء الدولة الأردنية وتعزيز الهوية الوطنية، وأداتين لتنمية الفرد والمجتمع؛ والذي يتحقق من خلال ترسيخ ثقافة القراءة، فمنذ تأسيس إمارة شرق الأردن على يد المغفور له بإذن الله الملك المؤسس عبدالله الأول بن الحسين، وحتى عهد جلالة الملك عبدالله الثاني.
وعلى امتداد مسيرة بناء الأردن التفتت الدولة الأردنية إلى مسألة "الأمية" ومكافحتها من خلال إنشاء المدارس ومختلف المؤسسات التعليمية، وذلك بغية بناء الإنسان الأردني القادر على الإسهام في بناء وطنه، إذ بحسب البيانات الرسمية كانت نسبة الأمية عام انخفاض نسبة الأمية من 88 بالمئة عام 1952 إلى أقل من 5 بالمئة بنهاية 2024،
وانتقلت الدولة به من مكافحة الأمية إلى تعزيز الوعي والإدراك من خلال البناء الثقافي له، وذلك بتعزيز ثقافة القراءة وجعلها عادة، من خلال أنوية القراء التي تفضي إلى العلم والمعرفة بالتوسع بإنشاء المكتبات العامة في المؤسسات التعليمية والثقافية والبلديات.
وأكد مثقفون ومعنيون في أحاديثهم لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) بمناسبة هذا اليوم الوطني، أهمية الكتاب والقراءة في بناء المجتمع المعرفي وتعزيز الهوية الوطنية، خاصة مع إطلاق معرض عمان الدولي للكتاب في العاصمة عمان، برعاية ملكية سامية، وبمشاركة اتحاد الناشرين الأردنيين ووزارة الثقافة وعديد من منظمات المجتمع المدني والهيئات الثقافية العربية.
وبينوا أن يوم القراءة الوطني يمثل محطة سنوية مهمة لتعزيز عادة القراءة وتثبيتها في وعي المجتمع، حيث يرى الخبراء أن الكتاب ليس مجرد وسيلة للتعلم، بل هو رفيق دائم للحياة، وأداة لصناعة الإنسان الواعي والمثقف.
وأكدوا أن المؤسسات الثقافية، وعلى رأسها المكتبة الوطنية، تحرص على إحياء هذا اليوم من خلال برامج نوعية وأنشطة تستهدف جميع الفئات العمرية، بما في ذلك معارض الكتب المتخصصة التي تسلط الضوء على الإصدارات الحديثة وأمهات الكتب.
شخصية العام الثقافية في معرض عمان الدولي للكتاب بدورته الـ24 الجارية حاليا، الأكاديمي في الجامعة الهاشمية الدكتور سلطان المعاني قال: "تُضاء الفكرة حين تُضاء القراءة، وتُستعاد توازنات الفرد والمجتمع مع كل صفحة تُقلب، وتُستعاد السيادة على الوقت حين نُعيد للكتاب مكانته في نهارٍ نُسميه «يوم القراءة الوطني»، إذ تُعرّف الأمم نفسها بما تقرأ أكثر مما تقول، وتُقاس طموحاتها بقدرتها على تحويل القراءة من عادة فردية إلى بنية تحتية للوعي العام: مكتبات حيّة، ومناهج حافزة، وإعلام يفتح الشهية على المعرفة، وسياساتٍ تُعامل الكتاب بوصفه استثمارًا لا ترفًا".
ولفت إلى أن هذا اليوم يعطي معنى حين يخرج من مراسم الاحتفال إلى فعلٍ مستمر، يُنقذ القارئ الناشئ من ضوضاء المنصّات، مشيرا إلى أنه يُستعاد للكتاب الورقي صموده، بشراكة مع الرقمي تُحسن القسمة، حيث تُتيح المنصّات الإلكترونية الوصول، لكن الورق يمنح الرفق والإقامة الطويلة؛ ويوم القراءة الوطني يوفّق بينهما: يُطلق مبادرات نسخة ورقية بالتوازي مع مكتبات رقمية مجانية تُراعي حقوق المؤلفين، وتفتح نوافذ على عوالم اللغات، وتُصاغ المعايير الذكية للاختيار فلا تتكدّس الرفوف بالمنسيّ من الكتب، بل تُؤثر العناوين التي تبني ذائقةً، وتتحدى السطحية وتوسّع المدارك.
وبين أن القراءة تُربط بالمكان والهوية كي لا تبقى هواية عائمة، وتُعرّف المدن نفسها عبر مكتباتها، وتبني الجامعات سمعتها من خلال ما تُنتجه وتُترجمه وما تُتيحه من أرشيفات مفتوحة، وتُستعاد السيرة الثقافية للأوطان حين نقرأ آثارنا ونقوشنا وتاريخ عمراننا في كتبٍ رشيقة اللغة دقيقة المرجع، فيشعر الطالب أن وطنه مركزًا يكتب قصته بنفسه، وتُترجم هذه الفلسفة إلى برامج مدرسية ومجتمعية: "ساعة قراءة للمكان" في المدارس تُخصص لكتبٍ عن مدننا وأوديتنا وآثارنا، و"سرديات البيت" التي تشجّع العائلة على قراءة مشتركة تُنسج فيها ذاكرة جديدة.
وتُقاوِم القراءة الفقر الرمزي، وتُقوّي المناعة ضد الدعاية، وتُهذّب الخيال السياسي، ويُهزم خطاب الكراهية حين يتسع المعجم، ويتهذّب الحسّ الجمالي، وتُبطل الأخبار المضلّلة حين يكتسب القارئ أدوات النقد والاستدلال. يُبنى الاقتصاد بدوره على رأس مالٍ معرفي يبدأ من كتابٍ صغير، من فكرةٍ أومضت في ذهن ناشئ، من سيرة مُلهمة تُخرج طالبًا من دائرة القابلية للانسياق إلى فضاء المبادرة، وفقا للمعاني.
مدير عام المكتبة الوطنية الأردنية فراس الضرابعة قال: يوم القراءة الوطني يمثل محطة سنوية مهمة لترسيخ عادة القراءة وتعزيز مكانتها في الوعي المجتمعي، وهو مناسبة تؤكد أن الكتاب ليس مجرد وسيلة للتعلم بل هو رفيق للحياة اليومية، وأداة لصناعة الإنسان الواعي والمثقف، ففي كل عام، تحرص المكتبة الوطنية على إحياء هذا اليوم من خلال برامج نوعية وأنشطة ثقافية متنوعة تستهدف جميع الفئات العمرية.
ونقوم بتنظيم معارض كتب متخصصة تسلط الضوء على أحدث الإصدارات وأمهات الكتب العربية والعالمية، إضافة إلى تخصيص مساحات لكتب الأطفال والناشئة لتشجيع الأجيال الجديدة على التفاعل مع الكتاب. كما نُطلق في هذا اليوم مبادرات تشاركية مع المدارس والجامعات تحت شعار "اقرأ لترتقي"، تتضمن جلسات قراءة جماعية ومسابقات معرفية تستنهض روح المنافسة الإيجابية بين الطلبة، بحسب الضرابعة.
وأوضح أن المكتبة الوطنية تسعى إلى جعل يوم القراءة الوطني مناسبةً لتعزيز العمل التطوعي الثقافي، حيث يشارك المثقفون والكتّاب والأكاديميون في قراءة مقاطع من مؤلفاتهم أو تقديم جلسات حوارية مفتوحة مع الجمهور. هذه الفعاليات تعزز جسور التواصل بين المبدعين والجمهور، وتُعيد للكتاب مكانته كحاضنة للفكر والحوار.
ولفت إلى أن المكتبة الوطنية الأردنية ليست مجرد مؤسسة لحفظ الكتب والمخطوطات، بل هي حارس الذاكرة الوطنية ومنارة ثقافية تسهم في بناء وعي المجتمع وتعزيز هويته، فنحن نعمل على جمع وحفظ التراث الوطني بكل أشكاله، من الكتب والمخطوطات النادرة، إلى الوثائق الرسمية، والصور التاريخية، والتسجيلات السمعية والبصرية. هذا الدور يشكل ركيزة أساسية للحفاظ على التاريخ الأردني وإتاحته للباحثين والمهتمين.
أما على صعيد تعزيز القراءة، نوه بأن المكتبة الوطنية تُولي اهتمامًا كبيرًا لجعل القراءة عادة مجتمعية راسخة، خصوصًا لدى الشباب والأطفال، ومن هنا أطلقنا عدة مبادرات ثقافية، أبرزها كتابك صديقك، التي هدفت إلى جعل الكتاب أقرب للجيل الجديد.
وقال: نحن نعتبر أن يوم القراءة الوطني ليس فعالية رمزية فحسب، بل هو جزء من الاستراتيجية الوطنية لتعزيز الثقافة المجتمعية، ويتقاطع بشكل مباشر مع خطط المكتبة الوطنية للأعوام 2025–2030، التي تركز على بناء مجتمع معرفي واعٍ، قادر على مواكبة متطلبات العصر.
واستكمل حديثه في هذا الصدد قائلا:" نحن على أعتاب مرحلة جديدة تتطلب رؤية شمولية تستشرف المستقبل وتستجيب لمتغيراته، لذلك نعمل على إعداد خطة استراتيجية تغطي الأعوام 2025 – 2030، وحرصنا على أن تكون منسجمة مع رؤية التحديث الاقتصادي وبرنامج التحديث الإداري.
عميد كلية الآداب (الأسبق) في الجامعة الأردنية الدكتور مجد الدين خمش، قال: انسجاما مع احتفال الأردن باليوم الوطني للقراءة نجدد التذكير بأهمية الكتاب وبأهمية القراءة، خاصة في ظل تزامن هذا اليوم مع افتتاح معرض عمان الدولي للكتاب في عمان برعاية ملكية سامية، وبالتعاون بين اتحاد الناشرين الأردنيين ووزارة الثقافة الأردنية، وعديد من منظّمات المجتمع المدني والهيئات الثقافية من الأردن والوطن العربي يطلّ علينا الكتاب الورقي من جديد في أبهى حلله وإبداعات مضامينه في العلوم الاجتماعية، والعلوم الطبيعية، والذكاء الاصطناعي، والرواية، والشعر، والفنون، واستدامة البيئة للكبار والصغار على حدٍ سواء.
كل ذلك إلى جانب الكتاب الإلكتروني الذي بدأ بمزاحمة الكتاب الورقي، خصوصًا في مجالات أدب الأطفال والفتيان، والموسيقى والفنون، وكذلك عشرات دواوين الشعر، والقصص والروايات حول معاناة شعبنا العربي الشقيق في غزة والضفة الغربية، ويستضيف المؤتمر سلطنة عمّان الشقيقة ضيف الشرف في المؤتمر، ويبرز جهود المؤسسات الثقافية العُمانية في المحافظة على التراث، والثقافة والفكر والأدب في عُمان والوطن العربي، وفقا لخمش.
وبين خمش أن مسابقات وجوائز الكتاب الورقي الأردنية والعربية والعالمية تسهم إلى حد كبير في استدامة هذا الكتاب في وجه المنافسات الرقمية، وتقنيات الذكاء الاصطناعي، كما أنها تغني المكتبة العربية، وتوفر للشباب في الجامعات مراجع وكتب مقرّرة تغني معارفهم، وتزيد إتقانهم لتخصصاتهم الأكاديمية المختلفة. وتدعم مهارات الإبداع والابتكار، وقيم التنافس الإيجابي للتطوير والتحسين باستمرار، ويرتقي بعضها ليقدم مشاريع نهضوية عربية معاصرة يكون للمدن العربية وتقنيات الذكاء الاصطناعي الدور المحرّك فيها، وهي تبشّر صنّاع القرار بإمكانية النهوض الحضاري من جديد.
وقال:"لا ننسى الأثر الاقتصادي للكتاب بعد أن أصبحت دور النشر جزءا من الصناعات الثقافية إلى جانب التراثيات، والسياحة، والفولكلور الشعبي، والموسيقى، والأفلام التلفزيونية والسينمائية، وبرامج وتقنيات الحاسوب، وتقنيات الذكاء الاصطناعي، وبالتالي فالكتاب يوفر دخلا ماليا للمجتمع، وفرص عمل ودخل مستقل للآلاف من العاملين في دور النشر، والصناعات الثقافية الأخرى".