كيفية التمييز بين النرجسي والمعتل اجتماعيًا.. وفقًا لخبراء علم النفس

القبة نيوز-إذا كان ما تقوله عالمة النفس الأمريكية الدكتورة راماني دورفاسولا صحيحًا، وهو أن "الجميع" يتحدثون عن النرجسية لكن "لا أحد يبدو أنه يفهمها"، فإن نفس الشيء يمكن أن يقال عن الاعتلال الاجتماعي.
قبل أن تنشر باتريك غانيه كتابها معتلة اجتماعيًا: مذكرات في مثل هذا الوقت من العام الماضي، كان المصطلح مرتبطًا عمومًا بطغاة مثل هتلر وستالين، وقتلة متسلسلين مثل جيفري دامر، تيد بندي وهارولد شيبمان – أو محتالين مشهورين مثل بيرني مادوف.
وبذلك، قد يبدو أن المعتلين اجتماعيًا يشبهون النرجسيين – فالنرجسيون، حسبما تقول الدكتورة راماني، لديهم "تعاطف منخفض ومتقلب" وهم "أنانيون بشكل مرضي".
لكن، "رغم أن كلًا من الاعتلال الاجتماعي والنرجسية هما اضطرابات شخصية، إلا أنهما ليسا متماثلين"، بحسب موقع سيكولوجي توداي وديلي ميل.
فما هي السمات والخصائص التي تحدد ما إذا كان الشخص نرجسيًا أو معتلًا اجتماعيًا ؟
في حين أن المعتلين اجتماعيًا يندرجون تحت فئة النرجسيين، إلا أن ليس كل النرجسيين معتلين اجتماعيًا، والمعتلون اجتماعيًا أكثر مكرًا وتلاعبًا من النرجسيين لأن غرورهم لا يكون دائمًا على المحك. ، كما ان المعتلين اجتماعيًا لا يمتلكون شخصية حقيقية ويمكنهم تقمص أي شخصية تناسبهم، وبالتالي قد يكون من الصعب اكتشافهم.
قد تتساءل عما إذا كان شخص ما نرجسيًا أو معتلًا اجتماعيًا، وإذا كان شريك كذلك، فهل العلاقة بينكما ستتحسن؟، ولأن المعرفة يمكن أن تمنحكم القوة فالناس يستخدمون مصطلح "نرجسي" بشكل فضفاض، لكن هناك تسعة معايير، ويجب توفر خمسة منها لتشخيص شخص ما باضطراب الشخصية النرجسية.
اضطراب الشخصية النرجسية (NPD)
النرجسية تتفاوت في شدتها بين الأشخاص، لكنها تتحول إلى اضطراب نفسي يُعرف باضطراب الشخصية النرجسية (NPD) عندما تظهر لدى الشخص مجموعة من الصفات المحددة بشكل واضح. الشخص المصاب بهذا الاضطراب يتميز بتضخم شعوره بأهميته، ضعف التعاطف مع الآخرين، وحاجة دائمة إلى الإعجاب. لتشخيص NPD، يجب أن تنطبق على الشخص خمس صفات على الأقل من القائمة التالية:
- يبالغ في تقدير ذاته وقدراته، ويدّعي إنجازات ومواهب تفوق الواقع.
- يحلم بشكل دائم بالقوة المطلقة، أو النجاح الباهر، أو الذكاء الفذ، أو الجمال المثالي، أو بعلاقات عاطفية استثنائية.
- لا يُظهر تعاطفًا حقيقيًا مع مشاعر الآخرين أو احتياجاتهم.
- يحتاج إلى مديح دائم وثناء مبالغ فيه من المحيطين به.
- يؤمن بأنه شخص فريد ولا يمكن فهمه إلا من قبل أشخاص مميزين أو ينتمي إلى مؤسسات رفيعة المستوى.
- يتوقع معاملة استثنائية وخاصة، أو طاعة مطلقة لرغباته دون مبرر منطقي.
- يستغل الآخرين لتحقيق أهدافه ومصالحه الشخصية دون مراعاة لمشاعرهم.
- يشعر بالحسد تجاه الآخرين أو يعتقد أنهم يغارون منه.
- يتصرف بتعجرف أو يظهر سلوكًا متعاليًا ومتغطرسًا.
وهناك عدة أنواع من النرجسيين—تتراوح من "النرجسي العارض" الشائع إلى "النرجسي المكبوت"، أو النرجسي السري.
وهناك نرجسيون ليسوا انتقاميّين ولا مؤذيين. ومع ذلك، يُعتبر النرجسيون الذين يظهرون كل أو معظم الخصائص المذكورة بشدة و/أو بشكل متكرر نرجسيين خبيثين. النرجسيون الذين لديهم أعراض أقل وأخف، إلى جانب الأشخاص "النرجسيين" الذين لا يعانون من اضطراب نرجسي كامل، يمكن أن يكون لديهم بصيرة، وشعور بالذنب، وندم، وقدرة على التواصل العاطفي، وكذلك على الحب.
اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع
غالبا ما يُستخدم مصطلحا "المعتل اجتماعيًا" و"المعتل نفسيًا" بشكل متبادل، لكن المصطلح الدقيق في التصنيف النفسي هو اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع .(Antisocial Personality Disorder - APD) يُعد هذا الاضطراب من فئة اضطرابات الشخصية المزمنة، تمامًا كاضطراب الشخصية النرجسية (NPD)، ويتميز بتأثيره المستمر على سلوك الفرد في جميع نواحي حياته.
ويعاني الأشخاص المصابون بـ APD من نمط سلوكي طويل الأمد يتسم بتجاهل القواعد الاجتماعية وحقوق الآخرين. وغالبًا ما يبدأ هذا النمط في مرحلة المراهقة، ويشترط للتشخيص أن يكون قد ظهرت على الشخص أعراض اضطراب السلوك قبل سن 15 عامًا، بالإضافة إلى وجود أربع سمات أو أكثر من السلوكيات التالية في مرحلة البلوغ:
- عدم الاستقرار المهني أو الدراسي : يفشل في الحفاظ على وظيفة أو الاستمرار في التعليم بشكل منتظم.
- عدم الالتزام بالقوانين والمعايير الاجتماعية: يمارس سلوكًا غير قانوني حتى إن لم يتم القبض عليه.
- الكذب المستمر والخداع: يستخدم الأسماء المستعارة، يحتال، أو يتهرب من سداد الديون.
- الاندفاع وغياب التخطيط: يتصرف دون تفكير أو هدف واضح، ويتنقل بين الأمور بشكل عشوائي.
- السلوك العدواني: يُظهر نوبات غضب شديدة، وقد يلجأ للشجار أو الاعتداء الجسدي.
- الاستهتار بالسلامة: يتجاهل سلامته الشخصية وسلامة الآخرين، ويتصرف بتهور.
- اللامسؤولية المزمنة: يفشل في الوفاء بالالتزامات المالية أو الحفاظ على سلوك مهني ثابت.
انعدام الندم: لا يشعر بالذنب أو المسؤولية عند إيذاء أو استغلال أو سرقة الآخرين، بل يرى أنه مبرَّر في أفعاله.
- عدم القدرة على الالتزام بعلاقة عاطفية أحادية : لا يستطيع الحفاظ على علاقة طويلة لأكثر من سنة واحدة.
النرجسيون مقابل المعتلين اجتماعيًا
الوقوع في حب شخص نرجسي تجربة مؤلمة. فالنرجسيون الخبيثون وهم الأخطر من بين أنواع النرجسيين يُظهرون سلوكًا مؤذيًا ومدمّرًا، وغالبًا ما يشبهون المعتلين اجتماعيًا في تصرفاتهم.
الصفات المشتركة
يشترك كل من النرجسي والمعتل اجتماعيًا في بعض الصفات؛ فقد يكونان كاريزميين، أذكياء، ساحرين، وناجحين ظاهريًا. لكن في الوقت نفسه، يمكن أن يكونا غير موثوقين، متحكمين، أنانيين، مخادعين، وغير صادقين.
وكلاهما يتمتع بصورة ذاتية مبالغ فيها وشعور بالاستحقاق. فعندما يتصرفان بطريقة مؤذية، غالبًا ما يبرران سلوكهما ويتهربان من تحمل المسؤولية. كما يفتقران إلى البصيرة، وعلى الرغم من أنهما قد يتظاهران بردود فعل عاطفية مناسبة، فإن هذا يكون غالبًا مجرد تمثيل، إذ إنهما يفتقران إلى التعاطف والاستجابة العاطفية الحقيقية.
الاختلافات الرئيسية
رغم أن المعتلين اجتماعيًا يُمكن أن تنطبق عليهم صفات النرجسيين، فإن العكس ليس صحيحًا: ليس كل نرجسي معتلاً اجتماعيًا. والفرق الأساسي بينهما يكمن في الدوافع.
المعتل اجتماعيًا أكثر مكرًا وتلاعبًا، لأنه لا يتصرف بدافع حماية الأنا أو الصورة الذاتية. بل على العكس، هو لا يملك "شخصية حقيقية" أساسًا، وإنما يتقمص الشخصيات التي تخدم مصلحته، مما يجعله محتالًا بارعًا يصعب اكتشافه. لا يحاول كسب إعجاب الآخرين إلا إذا كان ذلك يخدم هدفًا معينًا. وعلى عكس النرجسي الذي يُكثر من التفاخر، قد يُركّز المعتل اجتماعيًا حديثه عليك بدلًا من نفسه، بل وقد يظهر تواضعًا أو يعتذر إذا كان ذلك يخدم خطته.
كما أن المعتل اجتماعيًا يُخطط ويحسب خطواته، وقد يُعد للعدوان مسبقًا، بينما النرجسي غالبًا ما يتفاعل بسرعة من خلال الكذب أو التهديد.
ويسعى النرجسي عادة إلى تحقيق النجاح، الشهرة، والكمال، وقد يستغل الآخرين في طريقه لذلك. أما المعتل اجتماعيًا، فغالبًا ما يكون دافعه الاحتيال أو السرقة أو الاستغلال المالي.
وعلى الرغم من أن كليهما يسعى للفوز مهما كلف الأمر، فإن النرجسي يهتم كثيرًا بكيف يراه الآخرون، ويحتاج إلى إعجابهم، مما يجعله معتمدًا على الآخرين وحتى عرضة للتلاعب بهم. لذلك، يكون النرجسي أقل ميلًا لترك شريكه، على عكس المعتل اجتماعيًا الذي قد ينسحب فجأة أو يختفي تمامًا إذا لم يحصل على ما يريد أو تم كشفه.
ما العمل إن كنت في علاقة مؤذية؟
سواء كان شريكك نرجسيًا أم معتلًا اجتماعيًا، فإن التشخيص ليس هو الأهم. ما يهم فعليًا هو إدراكك لحقيقة واحدة: لا يمكنك تغيير شخص آخر، لكنك تستطيع تغيير طريقة تفاعلك وسلوكك، وهو ما ينعكس بالضرورة على طبيعة العلاقة.
ففي العلاقات المؤذية، يتضرر إحساسك بالثقة بنفسك وبالآخرين. لذلك، من الضروري أن تبحث عن دعم خارجي يساعدك على استعادة هذه الثقة، وأن تتعلّم كيف تضع حدودًا صحية، وتعزز احترامك لذاتك.
ففي معظم الحالات، لا يسعى النرجسيون ولا المعتلون اجتماعيًا إلى العلاج. لكن في حالات اضطراب الشخصية النرجسية (NPD)، قد يلجأ البعض للعلاج عندما يمرون بحالة ضغط نفسي شديد، أو اكتئاب، أو إذا أصر شريكهم على ذلك. أما المصابون باضطراب الشخصية المعادية للمجتمع (APD)، فقد يُجبرون على الخضوع للعلاج بأمر من المحكمة، وهو ما يخلق تحديات تتعلق بالثقة والانفتاح على العلاج.
فيركز العلاج النفسي في هذه الحالات على محاولة مساعدة المريض للوصول إلى مشاعره، وفهم العواقب السلبية لسلوكياته. بعض النرجسيين، خاصة أولئك الذين يتمتعون ببعض البصيرة، قد يستفيدون من العلاج الديناميكي النفسي (psychodynamic psychotherapy)، الذي يُعد أحد أنجع الأساليب العلاجية في هذا المجال.
فإذا كنت تشك بأنك في علاقة مع شخص نرجسي، فإن التثقيف حول العلاقات النرجسية وفهم أنماط السلوك المرتبطة بها خطوة أولى مهمة. لا تضيّع وقتك في محاولة وضع تشخيص دقيق، بل ركّز على شفاء نفسك من الصدمات، والتعلق المرضي، أو أعراض اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).
لذا كن حازمًا. ضع حدودًا واضحة. لا قرار أسهل من الآخر، سواء قررت البقاء أو المغادرة. لكن المهم أن تبني وعيًا حقيقيًا، تحمي نفسك، وتطلب المساعدة والدعم.
ولأن الجدال المستمر مع شخص مؤذٍ لن يأتي بنتيجة، بل يجعلك في موقع الخسارة دائمًا. ومع ذلك، لا يعني ذلك أن عليك تجاهل الإساءة، بل يجب مواجهتها—ولكن بهدوء، وبذكاء، وباستراتيجية