نجاة نجوى كرم... ونجاحها ... بعد 23 عاماً على رائعتها ( مغرومة)
بين ( مغرومة) في عام 1998 و( مغرومة 2) . في عام 2021. تغيّرت نجوى كرم .
( 23) عام مرت، ومَن لقّبها الإعلامي جورج إبراهيم الخوري بـ( شمس الأغنية اللبنانية) .
القبة نيوز- تفتح نافذة على ماضٍ بعيد تدرك أنه لن يتكرر. كانت تلك الأيام من ذهب، والعطاءات ترفع صاحبها عالياً وتحفر اسمه في الصخر. تكرّست (الصدمة) في عام 2011 حين اقتحمت بـ( الدوم تاك، تاك ترّك ترّك).
وقلبت الطاولة بـ( ما في نوم بعد اليوم) . راح شلال تغييري يفيض ليجرف فكرة مُقلقة أفادت حينها أنّ نجوى كرم من (الجيل القديم) .
اليوم، تطوي صفحة كُتب عليها: ( لكن المستقبل لا يعيش أبداً بين جدران الماضي). يقول: أديب الهويات أمين معلوف.
الماضي أجمل، فهو من هذا الصنف: ( ما حدا لحدا) ، ( حظي حلو) ، ( ناطرة) ، (على مهلك يا هوا)، وروائع تضيء تاريخ الأغنية اللبنانية.
يقف سلطان يلوّح بسيفه، يدعى «يوتيوب»، صاحب الجبروت والأحكام النهائية. يروّع فنانين ويرغمهم على الانصياع لأمره.
ماذا يريد هذا السلطان المُتحكم؟
تحطيم الأرقام للاعتراف بنجاح الأغنية.
ذلك لا يعكس بالضرورة مستوى الغناء وقيمته.
يتعلق أكثر بحجم الجيوش الإلكترونية المصفّقة للفنان والمنتصرة له في معاركه.
فإن دندنت فنانة مثل نجوى كرم بـ ( أكل الولد التفاحة) ، لحرّكت الأرقام وأيقظت الملايين.
فنانون أقل نجومية قد يقدّمون كنوزاً غنائية تعاني عدالة ناقصة، فلا تضجّ ولا تهزّ.
أرقام متواضعة على «يوتيوب» وجرّب حظك مرة أخرى.
فارق بين ( مغرومة) من كلمات عصام زغيب وألحان جوزيف جحا، التي غنّتها في عام 1998، وبين «مغرومة 2»، من كلمات نبيل خوري وألحانه، مع فيديو كليب بكاميرا حسن غدار.
الأولى فريدة من نوعها. تبدو استعارة عنوانها بعد 23 سنة تحية لها، من دون أن تعني تقليدها أو السير على دربها. الدربان مختلفان؛ في الأولى أصناف الزهور، وفي الثانية نبتة على شرفة. عمق الحوض يختلف أيضاً. فـ«مغرومة» وتحلو تسميتها «عم يرجف قلبي يا إمي»، لها امتداد التربة وعبق رائحتها، و«مغرومة 2» ابنة زرع يكاد لا يتوغّل في الأرض، وإن دفعته أرقام «يوتيوب» عالياً في الارتفاع. المفارقة في التجذّر والبقاء. بعض الغناء مصيره النسيان. أو تمضية وقت رائع في ذاكرة «الفانز» فقط.
يحيط نجوى كرم طوق نجاة. هو حتماً تعب العمر لحجز مكانه على القمة.
تتجرأ في الإقدام حين يقف الجميع متردداً، حاسباً كل الحسابات.
وتغني ( خليني شوفك بالليل) و( مش عيب الملقى بالليل، الليل بيستر العيوب) بشجاعة.
السنوات تغيّر المغنّي وتغيّر الأغنية. لكن بعض العتب يُسجّل على أغنيات لا يغفر لها سوى صوت نجوى كرم وعراقة شأنها.
منذ ( ملعون أبو العشق) و( بعشق تفاصيلك) في عام 2019. و( معذور قلبي) في عام 2020. حتى (مغرومة ) ، والطعم مختلف. تتلاعب بالنكهات وتُرقّص المكونات والمقادير. الوجبات الأولى أشهى.
ابنة زحلة في البقاع اللبناني، بدأت مدرّسة ثم دار دولاب القدر. كان عام 1989 حين أطلقت ألبوم البدايات ( يا حبايب) ، تبعه بعد ثلاث سنوات ألبوم ( شمس الغنّية) . سرّع نوع خياراتها تطريز اسمها بحبات لؤلؤ على قماشة فاخرة: ( نغمة حب) ، ( لا تبكي يا ورود الدار) ، ( ما بسمحلك) ، بفستان سندريلا وحذائها قبل الثانية عشرة منتصف الليل، و( إذا ما بتفهم على موّالي تركني أريحلي وأريحلك) . تاريخ عمره نحو 32 سنة. حقيقة أكيدة.
تحمل لبنان في الموال والحنجرة، ولا تتنازل عن ( الوفاء) للهجة اللبنانية. ينعم الله عليها بصوت مثل خلاصة الجبال وهي تنزف أنظف الماء وأشدّه صفاء وبرودة. ترحل أجسادٌ، وتبقى أصواتٌ هي عطايا من رب الخلق، كصوتَي ملحم بركات ووديع الصافي. بديعُ الإضافة للأغنية اللبنانية، لقاء العملاقين مع نجوى كرم. كان صوت الحشرجة مخيفاً، حين استنهضت وبركات الهمم: ( يا منموت كلنا وبينتهي الوطن، يا منكون رجال وبيبقى الوطن) . اقشعرّت الأبدان للغناء، كما انفطرت القلوب لمشهدية وديع الصافي ونجوى كرم، وهما يغنيان المصارحة التاريخية بين الأبوّة وآلام الابنة العميقة. ( ساعدني يا بيي، ما تتركني يا بيي، ردّلي عَ قلبي الضحكة) .
غناء يعلق في الوجدان مثل غصة في الحلق. روعته في أساه الأبدي.
تدور حالياً ثرثرات حول هوية حبيب «شمس الأغنية» وما يحلو للبعض تتبّعه من دون حق: فارق السن بينهما. لا شأن لنا سوى بفنّها وما تختار من تلقائها إعلانه. ومهما قليلاً، لنا أيضاً بفخامة اللباس وأناقة الإطلالة، فنجوى كرم أيقونة موضة، ملهمة في التحريض على الجمال.
فيها بريق يسبقها نحو الناظر إليها. شيء كإشعاع الشباب يضخ في الآخرين رغبة في تحطيم السنوات والتنزّه فوقها. تملك منه كميات، ومع كل طلّة، توزّع من طاقتها الممتلئة حياة على معجبيها. نموذج في الرشاقة والأناقة.
أراد والدها ألا يتحوّل ظهرها طريقاً معبّدة للسكاكين الغدّارة، فالنجاح، في النهاية، طعنات. هي بعد عطاء العقود الثلاثة، سمعة طيّبة وأثر عطر. بعض الأغنيات لا يُطرب القلب. مسألة ذوق، فالبعض يرقص على الوَقْع حتى الفجر.