المرأة القطرية والعمل الصحفي.. إنجازات وتحديات
القبة نيوز- حقّقت المرأة القطرية حضوراً بارزاً في الميدان الإعلامي، ساعدها في ذلك سياسة حكومية واضحة عزّزت دورها وفتحت لها النوافذ للمساهمة في هذا الميدان، بالتوازي مع المجالات الأخرى التي أثبتت فيها المرأة كفاءة وقدرة على العمل والإبداع بما يحقق غايات وطموحات رؤية قطر الوطنية 2030، التي تسعى لاستغلال كافة الطاقات المجتمعية لصناعة مستقبل مشرق للبلاد.
وتطّور دور المرأة في المجال الإعلامي والصحفي مع تطّور أدوارها، والآفاق التي فتحت ولا سيما خلال العقدين الماضيين، لتبرز كرائدة في مختلف المجالات فأصبحت وزيرة وسفيرة وقاضية وسيدة أعمال، فضلاً عن الأدوار الأخرى كمهندسة وطبيبة ومعلمة ورياضية وبارعة في عالم الفنون والإبداع، وفي سلك الشرطة والجيش، وهذا على سبيل الإجمال لا الحصر.
وتعكس المؤشرات هذا الحضور القوي للمرأة القطرية في ميادين التنمية، فدولة قطر تتصدّر دول المنطقة في مؤشرات المساواة بين الجنسين، بما فيها أعلى معدل لمشاركة المرأة في القوة العاملة، والمساواة في الأجور في القطاع الحكومي، بالإضافة إلى أعلى نسبة لالتحاق الإناث بالجامعات.
وكان ميدان الإعلام بتنوعه واختلاف وسائله واحداً من المجالات التي اقتحمتها المرأة القطرية منذ وقت مبكر، فظهرت على شاشة التلفزيون القطري في سبعينيات القرن الماضي وعبر أثير إذاعة قطر عدة مذيعات قطريات، تركنّ بصمة مهمة في هذا الميدان، وصدرت في الفترة ذاتها أول مجلة نسائية في البلاد، وهي مجلة "الجوهرة"، وذلك مطلع العام 1977، وقد توقّفت عن الصدور أواخر عقد التسعينيات، كما ظهرت كاتبات قطريات متميزات في الصحف المحلية التي كانت تصدر حينها، بينما استمر الحضور عبر الصحافة المكتوبة حتى وقتنا الراهن.
ويؤكد أستاذ الإعلام المشارك في كلية المجتمع ورئيس تحرير سابق، الدكتور أحمد عبد الملك، في تصريح لوكالة الأنباء القطرية (قنا)، أن المرأة القطرية ساهمت في مسيرة الصحافة القطرية منذ انطلاقة مجلة (العروبة) عام 1970، واقتصرت تلك المساهمة على نشر القصص القصيرة والخواطر الوجدانية؛ نظراً لكون معظم المساهمات من الأديبات القطريات، ثم انتقل البعض منهنّ إلى كتابة المقالات الثابتة التي تمسّ واقع المرأة والمجتمع، ولكن بعيداً عن شجون وشؤون العمل اليومي للصحافة.
وتشير الإحصاءات الحالية، وفقاً لتقرير للجنة الوطنية لحقوق الإنسان، إلى أن عدد الكاتبات القطريات في الصحافة اليومية الصادرة داخل دولة قطر يصل إلى نحو 70 كاتبة، واللاتي يتناولنّ قضايا سياسية واجتماعية وثقافية ودينية وتربوية ورياضية داخلية وخارجية، إلى جانب العشرات على شاشة التلفزيون وخلف ميكروفون الإذاعة، وفي غرف التحرير، وفي المؤسسات والمواقع الإخبارية، واللاتي يساهمنّ بدور بارز في تطوير الرسالة الإعلامية.
هذا ووفرت الدولة فرصاً متساوية للمرأة والرجل لتلقّي تعليم نوعي في المجال الصحفي، حيث تستقبل جامعة قطر وجامعة نورث ويسترن - قطر، العشرات من الطالبات القطريات سنوياً، بالإضافة لجهود المؤسسة القطرية للإعلام التي تشجّع وتستقطب القطريين والقطريات للعمل الإعلامي وتقدم فرصاً تأهيلية وتدريبية ووظيفية في الأجهزة الإعلامية التابعة لها.
كما ويعمل المركز الاعلامي للشباب التابع لوزارة الثقافة والرياضة الذي افتتح في العام 2017 على دعم الهواة والمحترفين الراغبين في خوض غمار العمل الاعلامي من كافة الفئات العمرية، ويقدّم التأهيل والتدريب للفتيات والشباب على مختلف المهارات الإعلامية مع نشر إبداعاتهم ونتاجهم الفكري على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي التابعة له.
ويضطلع معهد الجزيرة للإعلام التابع لشبكة الجزيرة بدور مهم في رفد الميدان الصحفي والإعلامي بالدولة بالكوادر النسائية في مختلف الفنون الصحفية، وذلك في إطار دوره في تطوير مهنة الصحافة والإعلام في المنطقة.
وبالرغم من هذه الإنجازات والحضور النسوي في ميدان الإعلام، الا أن ذلك لا يعني عدم وجود تحديات تواجه المرأة القطرية على هذا الصعيد، وهي تحديات تتعلق بمحدودية حضورها في المراكز القيادية للمؤسسات الصحفية، والعمل الصحفي الميداني، وهذه المحدودية تُعاني منها المرأة على امتداد الساحة العربية كما تشير الكثير من الدراسات والمُسوح التي تناولت هذه القضية.
ويُفسّر الدكتور أحمد عبد الملك محدودية حضور المرأة في مراكز القيادة والعمل الميداني؛ بنظرة المجتمع إلى العمل الصحفي بأنه عمل للرجل لا المرأة، ووفرة الفرص المُغرية للمرأة في قطاعات أخرى غير الصحافة، مضيفاً "ونتيجة لذلك، ومن واقع التجربة، وجدنا أنه على مدى 50 عاماً من عمر الصحافة القطرية، لم تظهر صحفيات ميدانيات محترفات، وأن 80 بالمئة من خريجات الإعلام بجامعة قطر يذهبنّ للعمل في العلاقات العامة".
ويؤكّد عبدالملك وجود دعم قوي لاستقطاب الصحفيات القطريات للعمل في الصحف، قائلاً: "ومع أن المؤسسة القطرية للإعلام، تشجّع الفتيات للعمل في الصحافة وتوظفهنّ لديها، كي يتفرغنّ للعمل الصحفي، ومع أن رؤساء تحرير الصحف يدعمون عمل المرأة في الصحافة بتخصيص أماكن خاصة لهنّ، ومنحهنّ مكافآت، ووعوداً بتوظيفهنّ في المستقبل، إلا أن كل ذلك لم يجذب المرأة إلى العمل في الصحف المحلية".
ويتابع" أن العمل الصحفي عمل شاق ومضن، ويحتاج إلى صبر ومثابرة وإدراك لقيمة القلم الوطني في تناول قضايا المجتمع، وما قامت به الهيئات، مثل المؤسسة القطرية للإعلام، ودور الصحف القطرية، يعتبر من المحفّزات الرئيسية لضرورة وجود المرأة في العمل الصحفي، ولكن للأسباب المذكورة أعلاه، وجدنا أن إقبال المرأة على العمل الصحفي محدود، وفي أضيق الحدود".
وفي هذا الصدد، تؤكّد الخبيرة النفسية والكاتبة الصحفية الحاصلة على جائزة الدولة التشجيعية في الآداب لعام 2005، الدكتورة موزة المالكي، في تصريحات لوكالة الأنباء القطرية، أن المرأة القطرية حقّقت إنجازات مذهلة في مختلف القطاعات ووصلت إلى مناصب عُليا، وبالرغم من ذلك لم تصل إلى موقع القيادة للمؤسسات الصحفية، مشيرة إلى أن "هناك تشجيع كبير من الدولة للصحفيات وحوافز، وفرص صحفية متعددة وينبغي استغلالها واستثمارها وعدم الاكتفاء بكتابة المقالات فقط، لتصل إلى مراكز القيادة".
وتضيف المالكي "يجب على المرأة القطرية الاهتمام بممارسة مهنة الصحافة وتشجيع بعضهنّ البعض على النزول لميدان العمل الصحفي ومناقشة قضايا النساء ومتطلباتهنّ المجتمعية، والبحث عن النواقص من الخدمات المقدمة لهنّ ولأسرهنّ؛ لأن النساء أدرى بطبيعتهنّ، ولا ينبغي أن تختصر مشاركات الكاتبات والصحفيات القطريات على مقالات الرأي والخواطر والقصص القصيرة فقط".
وتتابع أنه "يجب أن تتعدى مهمة الصحفية القطرية إلى التحقيقات الميدانية والقصص الخبرية والتصريحات وعرض القضايا والآراء عن طريق الاستطلاعات الصحفية، وقد تساعد وسائل التواصل على الإبداع"، مبيّنة أن نجاح المرأة القطرية في المجالات الإعلامية الأخرى في التلفزيون والإذاعة وغرف التحرير والرصد الإعلامي، وحضورها القوي في مجال الإعلام الجديد يمنحها رصيدا لشق طريقها نحو التميّز في عالم الصحافة الميدانية، ويقودها مستقبلا لتولي مناصب قيادية في المؤسسات الصحفية.
إلى ذلك، تُعبّر الصحفية الميدانية بجريدة الوطن القطرية، آمنة نافع العبيدلي عن ثقتها الكبيرة في قدرة المرأة القطرية على تحقيق تفوّق كبير في الصحافة الميدانية وفي قيادة العمل الصحفي، تؤازرها في ذلك سياسة حكومية رشيدة لتمكّينها وتعزيز دورها في مسيرة التنمية وتنفيذ رؤية قطر الوطنية 2030.
وتضيف العبيدلي "في قطر نماذج نسائية حقّقت نجاحاً كبيراً في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والصحية والإعلامية وبالتأكيد في المجالات العسكرية والشرطية".
وترى" أن المرأة القطرية حقّقت في هذا المجال نجاحاً كبيراً لا يقل عما حققه الرجل إن لم تتفوق عليه، فلقد استطاعت العناصر القطرية التي تعمل في مجال الصحافة خوض غمار العمل الصحفي الميداني، وأنا أعمل في مختلف فنون الصحافة الميدانية من التحقيقات والاستقصاءات واللقاءات والتغطيات وحتى التصوير الصحفي، وأنقل آمال وتطلعات الناس وهواجسهم".
إن إيمان دولة قطر بقدرات المرأة القطرية، وترجمة ذلك إلى سياسات وبرامج وخطط، ووعي المرأة العميق بدورها التنموي، ونجاحاتها في مختلف القطاعات، والنهضة الإعلامية التي تشهدها البلاد، كل ذلك كفيل بالانتصار على التحديات والدفع نحو مزيد من التألّق والإبداع النسوي القطري في المجال الصحفي.
--(بترا)