صدور كتاب الاقتصاد السياسي الأردني للدكتور جعفر حسان
القبة نيوز – يتناول كتاب الدكتور جعفر حسّان "الاقتصاد السياسيّ الأردنيّ: بناء في رحم الأزمات"، مسارات تطوُّر الاقتصاد السياسيّ الأردنيّ منذ نشوء الدولة، وبشكل خاص السياسات التي تمّ اعتمادها خلال العقدين الأخيرَين.
ويعاين الكتاب الذي صدر عن "الآن ناشرون وموزعون" بعمّان في أواخر تموز 2020، تحوّلات هذا الاقتصاد، ويؤشّر على مواطن القوة والضعف في مسيرته، وبما يتيح الإفادة من الدروس المستقاة من التجارب التي خاضها والاختبارات التي شهدها. كلّ ذلك بموضوعية وواقعية، وعلى أساس الحقائق والتطبيقات العملية وبمنأى عن الانطباعات المشوّهة والأخبار الكاذبة والمواقف المسبَّقة والأحكام المضلّلة.
وجاء الكتاب في مئتين وتسعين صفحة من القطع الكبير، شملت مقدمة وأربعة فصول وخاتمة، وتصدّرت غلافَه صورةٌ ترمز لتطوُّر العاصمة الأردنية منذ سنوات الاستقلال وتحوُّلاتها حتى يومنا هذا.
وتكمن أهمية هذا الكتاب في أنّه شهادة من الداخل. ذلك أنّ معظم ما نُشر حول تطور السياسة الاقتصادية الأردنية على مدى العقود السابقة كان بأقلام وجهود باحثين أجانب وباللغة الإنجليزية في الغالب الأعمّ، ومنها تقارير لمؤسسات دولية حول الأردن.
ويأمل المؤلف، كما جاء في المقدمة، أن يمثّل هذا الكتاب دافعاً للمزيد من الحوار الجادّ والبحث والتقصّي والإثراء المعرفيّ والنقد المبني على التجربة والخبرة والعلم، خاصة مِن قِبل أولئك الذين شاركوا بقراراتهم وجهودهم واجتهاداتهم ورؤاهم في كتابة تاريخ العقود الأخيرة بنجاحاتها وإخفاقاتها. كما يأمل أن يكون الكتابُ دافعاً إلى المزيد من الكتابات الجادّة مهما اتسمت بتباين الرؤى واختلافها وهي تتناول هذا المجال الحيويَّ والجدليَّ بالضرورة، لتحقيق إضافة نوعية وتقديم مراجعة مسؤولة للسياسات السابقة، وتسليط الضوء على آلية العمل ومنطق القرار وطبيعة التحديات التي مرّ بها الاقتصاد الأردني وأسبابها.
ويقدم الفصل الأول من الكتاب نبذة تاريخية عن الاقتصاد الأردني، ويستعرض طبيعة هذا الاقتصاد منذ نشأة الدولة مروراً بالبناء المتسارع بعد الاستقلال، وآثار العوامل الإقليمية والدولية في تشكيل الحالة الاتّكالية التي سادت وميزت اقتصاد المملكة، خاصة بعد حرب حزيران 1967 وما تبع ذلك خلال العقدَين اللاحقَين إلى أن وصل الأردن إلى طريق مسدودة في نهاية الثمانينات.
ويعاين هذا الفصل أيضاً الخطوات الصعبة التي اتُّخذت في مطلع التسعينات لإعادة بناء النموذج الاقتصادي، بهدف الخروج من الحالة المأزومة، وإرساء دعائم نموذج اقتصادي مستدام يكون بديلاً لنموذج الاقتصاد الاتّكالي الذي بدأت أعراضه المزمنة تشكّل خطراً على استقرار المملكة وأمنها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.
فقد كان الاقتصاد الأردني في عهد الإمارة اقتصاداً رعوياً ريفياً، يعيش منه ربع مليون من السكان نصفهم من البدو وبضعة آلاف يسكنون المدن. وتطوّر هذا الاقتصاد بعد الاستقلال ليتحول على مدى أربعة عقود إلى اقتصاد خدمات، إذ توسّع القطاع العام، وانتقل السكان من الأرياف إلى المدن على ضوء توسُّع فرص العمل في المؤسسات الحكومية وانتشار التعليم. كما كان لتدفُّق اللاجئين أثر كبير في مسار الاقتصاد السياسي، يُضاف إلى أثر الحروب والأزمات الإقليمية وانعكاساتها على المسيرة التنموية.
وقد موّلت المساعدات التي وصلت في بعض السنوات إلى أكثر من 120% من النفقات الحكومية، توسعةَ القطاع العام، ليوظّف نصف القوى العاملة في المملكة، إذ شكّل معدلُ الدعم الخارجي منذ منتصف الخمسينات وحتى منتصف الثمانينات بشكل شبه متواصل حوالي 53% من النفقات الحكومية السنوية الجارية، أو ما يعادل 6.3 مليار دولار من موازنة النفقات الجارية لعام 2020! كما كان الأردن من الدول الأعلى إنفاقاً في العالم على موازنة الدفاع كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي.
وخلق اعتمادُ القطاع الخاص على الإنفاق الحكومي بشكل أساسي، حالةً اتّكالية طالت جميع المستويات في الاقتصاد الأردني. كما موّلت تحويلاتُ المغتربين استثماراتِ القطاع الخاص التي تركزت في العقارات والإنشاءات والاستهلاك. وبدأ الأردن باستيراد العمالة للزراعة والبناء، وبدأ كذلك بتصدير الكفاءات إلى الخارج للعمل في مجالات التعليم والهندسة والصحة والإدارة.
وبالرغم من السياسات التنموية والبناء البنيوي المتسارع الذي تميز به الأردن بحكمة قيادته والاستخدام الفاعل لما تَحقّق من موارد خارجية في بناء القدرات البشرية والبنية التحتية بشكل عام، لم يصل الاقتصاد الأردني إلى مرحلة الاستدامة أو الاعتماد على الموارد الداخلية عندما تلاشى معظم الدعم الخارجي في منتصف الثمانينات، فالتفتَ إلى الاقتراض لسدّ ما تَوقَّع أن يكون مجرد ضائقة مرحلية، في حين كان الواقع والمستقبل يشيران إلى تحولات تاريخية في المنطقة. وقد أدّى التوجُّه إلى القروض المكلفة بدلاً من المنح إلى وقوع كارثة اقتصادية ومالية في عام 1988، لم يتعافَ منها الأردن إلّا بعد سبعة عشر عاماً من حيث أثرها في مستويات الدخل للأفراد، ووصلت المديونية إلى مستويات قاربتْ ضعفَي الناتج المحلي الإجمالي في نهاية الثمانينات.
وشهد العقد الأخير من عهد الملك الحسين بدايةَ برامج الأردن مع صندوق النقد الدولي، والحاجة إلى اعتماد نهج اقتصادي جديد يبني القدرات الإنتاجية للاقتصاد والقطاع الخاص، فبدأت برامج الخصخصة، وأُنجز جزء يسير من هذه البرامج قبل نهايات القرن العشرين.
ولأن تلك الحقبة ذات امتدادات مهمة ومقاربات ضرورية للمرحلة التي تلتها، يرسم الفصل الأول صورة اقتصادية شمولية لـ"حالة البلاد" حتى مطلع عام 1999 عشية اعتلاء الملك عبدالله الثاني العرش.
أما الفصل الثاني فيتناول العقد الأول في العهد الجديد ورؤية الملك عبدالله الثاني في بناء اقتصاد مستدام وإصلاح قطاعات رئيسية، وطبيعة السياسات والقرارات التي تم تبنّيها، ونتائجها على الاقتصاد وعلى المواطن بشكل عام.
فقد سعت الرؤية الملكية إلى استبدال الاستثمارات بالمساعدات، وتعزيز إمكانيات الاعتماد على الذات من خلال بناء القطاعات المعرفية والتصديرية وزيادة تنافسيتها عالمياً لبناء قطاع خاص قوي يكون ركيزة لاقتصاد المملكة، وتوجيه الإنفاق الحكومي للتعليم والصحة وشبكة الأمان الاجتماعي.
وبدأ الأردن خلال السنوات الخمس الأولى من عهد الملك عبدالله الثاني شبيهاً بورشة عمل كبيرة شملت قطاعات عديدة بالرغم من الأزمات المحيطة التي تطلّبت من جلالته قيادة البلاد في وجه تحديات أمنية واقتصادية غيّرت مسار المنطقة. ويمكن القول إنّ السياسات الاقتصادية خلال تلك السنوات سرّعت وتيرة الإصلاح الاقتصادي الذي بدأه الملك الحسين في نهايات القرن العشرين.
وكان للجهود المباشرة للملك عبدالله الثاني ودوره في قيادة هذه الإصلاحات أثرٌ مفصليّ في العديد من المجالات، عكسته المؤشرات الاقتصادية الرئيسية، إذ ارتفعت حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2004 لتتجاوز -للمرة الأولى منذ 17 عاماً- المستويات التي كانت قد بلغتها في عام 1987.
ولم يكن النمو خلال الفترة 1999-2009 والذي وصل إلى معدل 8% في نهاياتها، ناتجاً عن المنح الخارجية والإنفاق الرأسمالي للحكومة بقدر ما كان حصيلةً لارتفاع مستويات الصادرات والاستثمارات الخارجية والداخلية التي تضاعفت أكثر من مرة.
ويؤكد المؤلف أن التدخلات التنموية كانت بحاجة لمزيد من الوقت والمراجعة والتقييم لزيادة فعاليتها وعكس النمو الاقتصادي على المساحة التنموية بكاملها بصورة أكثر شمولية. ويوضح أن الإنجازات ظلت أقل مما تاقت إليه الرؤية الملكية رغم النجاحات الملموسة خلال تلك الفترة القصيرة، لأسبابٍ من أهمها حالة التجاذب بين أقطاب متنافرة داخل الدولة ومؤسساتها والتي غالباً ما كانت نتيجة خلافات شخصية أو صراعات على النفوذ، بالإضافة إلى تباين في الرؤى الإصلاحية.
ويشير المؤلف إلى أن غياب الجهد الوطني المتكامل في تنفيذ الرؤية الملكية والسياسات والبرامج المنبثقة عنها بشكل فاعل، أثّر إلى حدّ كبير في القدرة على التنفيذ، وجعلَ مخرجات العديد من البرامج المهمة والضرورية تتسم بالضعف، وكثيرٌ منها لم يكتمل.
لذلك، فإنّ الجهود التي أطلقها الملك عبدالله الثاني خلال العقد الأول من حكمه رغم كل إنجازاتها، لم تُمنَح الفرصة لتؤتي ثمارها المرجوّة، وربما لو قُيِّض لمسار النمو الاقتصادي في تلك السنوات أن يستمر بالوتيرة نفسها خلال العقد الأخير لتمكّن الأردن من تصويب العديد من التشوهات وإعادة توجيه بعض السياسات بكفاءة في ظل اقتصاد مزدهر وبأقل الكلف الاجتماعية، ليُحْدِث نقلة نوعية إضافيّة في مساره التنموي.
وفي الفصل الثالث، يتوقف المؤلف عند المحطات المفصليّة في العقد الأخير، وتحدّيات النمو المتدنّي، وتراكم المديونية، وتآكل دخل الأفراد، وارتفاع مستويات البطالة مجدّداً، وبلوغ الأزمات الإقليمية ذروتها، سواء أكان ذلك مرتبطاً بـ"الربيع العربي" الذي انعكست آثاره داخلياً، أو بالحرب في سوريا وما تمخّضت عنه من انتشار الإرهاب الداعشي، أو بتفاقم "الحصار التجاري" الذي يعاني منه الأردنّ منذ سنوات بسبب إغلاق حدوده مع سوريا والعراق لفترات طويلة، أو بمواجهة جائحة "كورونا" وآثارها الاقتصادية.
لقد مثّلت تلك المرحلة بدايةً لفقدان السيطرة على مسار السياسة المالية في مواجهة الأزمات الخارجية الشديدة التي ألقت بظلالها على الأردن طوال العقد الأخير وما يزال يعاني من تبعاتها حتى اليوم، إذ طغت أولويات الأمن والسياسة في وجه الطارئ الإقليمي، على القرار المالي والاقتصادي خلال الفترة 2011-2013، فغابت القدرة على ضبط الإنفاق، مع الاستمرار بمستويات الدعم العالية للكهرباء والمحروقات وبعض السلع، وزيادة نمو الإنفاق الجاري. فقد ارتفع الإنفاق على الرواتب من 773 مليون دينار في عام 2009 إلى أكثر من 1.2 مليار دينار في عام 2013. وارتفعت كلف دعم المواد التموينية والمحروقات من 186 مليون دينار في عام 2009 إلى 893 مليون دينار في عام 2012، لتفوق الإنفاقَ على الصحة أو التعليم في عام 2011 وفي عام 2012 أيضاً.
وكانت الغاية من هذا الإنفاق، وفقاً للمؤلف، مواجهة الارتفاع الهائل في كلف الطاقة، وضمان الأمن المجتمعي، وحماية استقرار المملكة التي وجدت نفسها خلال أقل من عام في محيط إقليمي تسوده الفوضى ويتوالى فيه الانهيار السياسي والأمني والاقتصادي.
ويرى المؤلف أن الاقتصاد الأردني شهد خلال الفترة 2010-2013 حالةً من "السقوط الحرّ"، وتمثّل ذلك بالانخفاض الكبير في النمو الاقتصادي إلى أقل من ثلث معدله للفترة السابقة. وبالتوازي مع ذلك، تضاعَفَ الحجم الكلي للمديونية مع الارتفاع المتسارع في مستويات العجز. إذ شهد الأردن خلال سنوات قليلة أعلى معدلات الزيادة في المديونية منذ عقد الثمانينات، حيث ارتفعت قيمة الدين العام الداخلي والخارجي من حوالي 12 مليار دينار في عام 2010 إلى أكثر من 25 مليار بنهاية 2015. وبذلك، تضاعفت المديونية خلال خمس سنوات مقارنةً بمستوياتها قبل أحداث "الربيع العربي".
ويضع الفصل الرابع منظوراً شمولياً لتطور الاقتصاد الأردني بأزماته وإنجازاته، مبيناً الدروس المستفادة لمواجهة تحدّيات الحاضر وسُبل التعامل معها، وما يمكن تحقيقه في المرحلة المقبلة ما بعد الأزمة الناتجة عن انتشار فيروس كورونا المستجدّ (كوفيد 19) وآثارها، ومخاطر السير على الحافة في منطقةٍ تشهد أزمات متواصلة، وفي غياب أيّ بوادر تشير إلى تحولات في منظومة التعاون والتكافل العربي.
ولهذا جاء التركيز على ما يمكن تحقيقه من خلال استعراض المراحل السابقة وإخضاع المحطّات المهمة خلال العقود الأخيرة للتحليل الموضوعيّ، وبما يتيح التعرف على الإنجازات والإخفاقات الرئيسية والخيارات الممكنة.
ويركّز هذا الفصل على أربعة محاور أساسية يمكن أن تطلق إمكانيات النمو وتعزّز الاعتماد على الذات، وهي: التشغيل، والطاقة، والضريبة، والإدارة الحكومية. ويطرح أبرز المعيقات والحلقة المفرغة التي لا بد من تجاوزها من خلال عدد من الإجراءات والسياسات التي يمكن النظر فيها.
ويشير المؤلف في هذا السياق، إلى أن القدرة على تنفيذ الإصلاحات الضرورية مقرونةً بالرغبة في ذلك، كانت العاملَ الحاسم في عمل الحكومات. فهناك من المسؤولين مَن واجه تحديات المرحلة وظروفها الصعبة وتعامَل مع المعادلات المستعصية بحكمة وشجاعة. وفي المقابل، هناك مَن لم يكن بحجم التحدّي أو على مستوى ما تتطلبه الرؤية الملكية، إمّا لافتقاره إلى سمات القيادة، أو لاستسلامه للخوف والتردد، أو لعدم قناعته أو فهمه لمتطلبات الإصلاح. ويضيف المؤلف: "إذا كان بعضهم يبرّر تقصيره بنقص الصلاحيات أو عدم امتلاك الولاية العامة، فهذه ذرائع لتغطية أوجه الضعف والفشل في إدارته. فكلّ مسؤول يتمتع بصلاحياته كاملةً وفقاً للدستور وما نصّت عليه القوانين بشأن منصبه وطبيعة المهام الموكَلة إليه، وهو ما يحرص عليه الملك الحرص كلّه. كما أنّ المشكلة الأساسية لا ترتبط بتغيير الحكومات بقدر ما تكمن في آلية عملها".
وتشير خاتمة الكتاب إلى تحول رئيسي في المعادلة الاقتصادية وظهور حالة من الاستقطاب بين القطاعَين العام والخاص بعد أن بدأت العلاقة بينهما تتغير بشكل كبير منذ بداية التسعينات مع انخفاض الإنفاق الرأسمالي وجفاف المساعدات الخارجية، متخذةً شكلَ التنافُس على النفوذ والسياسات والمصالح نتيجة تساقط النموذج الاتّكالي للدولة.
فازداد اعتماد الدولة على قدرة القطاع الخاص على الإنتاج لتحصيل الإيرادات الضريبية التي أصبحت المورد الأساسي للدولة، ليعاد توزيعها للقطاع العام مع ارتفاع النفقات الجارية من كلف رواتب وتقاعدات وانخفاض الإنفاق الرأسمالي.
وأثّرت هذه التغييرات في فئات المجتمع والقوى التقليدية، خاصة مع تحوُّل دور الدولة في الاقتصاد، وزيادة التباين في الثروة، وازدياد مظاهر الإنفاق المفرط والاستهلاك الترفي، ونمو الثروات الجديدة، فبدأت فئات كبيرة من المجتمع ترى أن النهج السائد يهمّشها.
ويؤكد المؤلف أهميةَ التحول في العلاقة بين القطاعَين العام والخاص من التبعية إلى التكاملية، لأنّ نجاح أيّ منهما أو فشله مرتبط بنجاح الآخر أو فشله.
ويبيّن المؤلف أن الاقتصاد الأردني استطاع أن يواجّه تحدّيات هائلة منذ نشأته، وأبدى مرونة واسعة في التأقلم مع كوارث عديدة واجهت المملكة على المستويات كافة؛ إنسانيّاً وجغرافيّاً وسياسيّاً. وبحسب المؤلف، يتسم الاقتصاد الأردني تاريخيا بارتباطه بالأزمات، فقد عملت الأزمات والتغييرات السياسية الإقليمية على تشويه بنيته إلى حد كبير، رغم أن القيادة جعلت منها دافعاً لمواصلة البناء وتسريع العملية التنموية.
ويقول المؤلف في هذا المجال: "ها هو الأردن يقف اليوم على أبواب القرن الثاني من عمر الدولة الحديثة، مؤكداً صموده في وجه التحديات التي فشلت دولٌ أقوى وأغنى في تخطّيها، وذلك بتصميم أبنائه وقيادته الهاشمية وعزمهم، سواء أكانوا مؤسِّسين أم بُناة أم محدِّثين. فقد طوّع الأردنيون الصعاب، وبنوا بلدهم بإرادة عالية رافعين رؤوسهم اعتزازاً بما أحرزوه".
وأخيراً، يبيّن الكتاب الدروسَ المستفادة من الماضي في مواجهة تحدّيات الحاضر، وما يمكن تحقيقه في المرحلة المقبلة في ظلّ مخاطر "السير على الحافة". فقد نشأ الاقتصاد الأردني في رحمِ الأزمات التي لا تنتهي. ما يستوجب طرح السؤال: كيف نمضي للأمام؟
يشار إلى أن د.جعفر حسان أمضى 27 عاماً في العمل العام، تولّى خلالها مناصب من بينها: القائم بالأعمال ونائب السفير الأردني في واشنطن (2001-2006)، ومدير دائرة الشؤون الدولية في الديوان الملكي الهاشمي بالدرجة العليا (2006-2009)، ووزير التخطيط والتعاون الدولي (2009-2013) في كلّ من حكومتَي سمير الرفاعي الأولى والثانية، وحكومة د.معروف البخيت الثانية، وحكومة عون الخصاونة، وحكومة د.فايز الطراونة الثانية، وحكومة د.عبدالله النسور الأولى، ثم عُيّن مديراً لمكتب جلالة الملك (2014-2018)، ثم نائباً لرئيس الوزراء ووزير دولة للشؤون الاقتصادية في حكومة د.هاني الملقي الثانية (شباط-حزيران 2018).
وهو حاصل على شهادتي الدكتوراه والماجستير في العلوم السياسية والاقتصاد الدولي من المعهد الأعلى للدراسات الدولية والتنموية بجامعة جنيف/ سويسرا، وشهادة الماجستير في الإدارة العامة من جامعة هارفارد-كمبريدج/ الولايات المتحدة الأميركية، وشهادة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة بوسطن/ الولايات المتحدة الأميركية، وشهادة البكالوريوس في العلاقات الدولية من الجامعة الأميركية في باريس/ فرنسا.
ويعاين الكتاب الذي صدر عن "الآن ناشرون وموزعون" بعمّان في أواخر تموز 2020، تحوّلات هذا الاقتصاد، ويؤشّر على مواطن القوة والضعف في مسيرته، وبما يتيح الإفادة من الدروس المستقاة من التجارب التي خاضها والاختبارات التي شهدها. كلّ ذلك بموضوعية وواقعية، وعلى أساس الحقائق والتطبيقات العملية وبمنأى عن الانطباعات المشوّهة والأخبار الكاذبة والمواقف المسبَّقة والأحكام المضلّلة.
وجاء الكتاب في مئتين وتسعين صفحة من القطع الكبير، شملت مقدمة وأربعة فصول وخاتمة، وتصدّرت غلافَه صورةٌ ترمز لتطوُّر العاصمة الأردنية منذ سنوات الاستقلال وتحوُّلاتها حتى يومنا هذا.
وتكمن أهمية هذا الكتاب في أنّه شهادة من الداخل. ذلك أنّ معظم ما نُشر حول تطور السياسة الاقتصادية الأردنية على مدى العقود السابقة كان بأقلام وجهود باحثين أجانب وباللغة الإنجليزية في الغالب الأعمّ، ومنها تقارير لمؤسسات دولية حول الأردن.
ويأمل المؤلف، كما جاء في المقدمة، أن يمثّل هذا الكتاب دافعاً للمزيد من الحوار الجادّ والبحث والتقصّي والإثراء المعرفيّ والنقد المبني على التجربة والخبرة والعلم، خاصة مِن قِبل أولئك الذين شاركوا بقراراتهم وجهودهم واجتهاداتهم ورؤاهم في كتابة تاريخ العقود الأخيرة بنجاحاتها وإخفاقاتها. كما يأمل أن يكون الكتابُ دافعاً إلى المزيد من الكتابات الجادّة مهما اتسمت بتباين الرؤى واختلافها وهي تتناول هذا المجال الحيويَّ والجدليَّ بالضرورة، لتحقيق إضافة نوعية وتقديم مراجعة مسؤولة للسياسات السابقة، وتسليط الضوء على آلية العمل ومنطق القرار وطبيعة التحديات التي مرّ بها الاقتصاد الأردني وأسبابها.
ويقدم الفصل الأول من الكتاب نبذة تاريخية عن الاقتصاد الأردني، ويستعرض طبيعة هذا الاقتصاد منذ نشأة الدولة مروراً بالبناء المتسارع بعد الاستقلال، وآثار العوامل الإقليمية والدولية في تشكيل الحالة الاتّكالية التي سادت وميزت اقتصاد المملكة، خاصة بعد حرب حزيران 1967 وما تبع ذلك خلال العقدَين اللاحقَين إلى أن وصل الأردن إلى طريق مسدودة في نهاية الثمانينات.
ويعاين هذا الفصل أيضاً الخطوات الصعبة التي اتُّخذت في مطلع التسعينات لإعادة بناء النموذج الاقتصادي، بهدف الخروج من الحالة المأزومة، وإرساء دعائم نموذج اقتصادي مستدام يكون بديلاً لنموذج الاقتصاد الاتّكالي الذي بدأت أعراضه المزمنة تشكّل خطراً على استقرار المملكة وأمنها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.
فقد كان الاقتصاد الأردني في عهد الإمارة اقتصاداً رعوياً ريفياً، يعيش منه ربع مليون من السكان نصفهم من البدو وبضعة آلاف يسكنون المدن. وتطوّر هذا الاقتصاد بعد الاستقلال ليتحول على مدى أربعة عقود إلى اقتصاد خدمات، إذ توسّع القطاع العام، وانتقل السكان من الأرياف إلى المدن على ضوء توسُّع فرص العمل في المؤسسات الحكومية وانتشار التعليم. كما كان لتدفُّق اللاجئين أثر كبير في مسار الاقتصاد السياسي، يُضاف إلى أثر الحروب والأزمات الإقليمية وانعكاساتها على المسيرة التنموية.
وقد موّلت المساعدات التي وصلت في بعض السنوات إلى أكثر من 120% من النفقات الحكومية، توسعةَ القطاع العام، ليوظّف نصف القوى العاملة في المملكة، إذ شكّل معدلُ الدعم الخارجي منذ منتصف الخمسينات وحتى منتصف الثمانينات بشكل شبه متواصل حوالي 53% من النفقات الحكومية السنوية الجارية، أو ما يعادل 6.3 مليار دولار من موازنة النفقات الجارية لعام 2020! كما كان الأردن من الدول الأعلى إنفاقاً في العالم على موازنة الدفاع كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي.
وخلق اعتمادُ القطاع الخاص على الإنفاق الحكومي بشكل أساسي، حالةً اتّكالية طالت جميع المستويات في الاقتصاد الأردني. كما موّلت تحويلاتُ المغتربين استثماراتِ القطاع الخاص التي تركزت في العقارات والإنشاءات والاستهلاك. وبدأ الأردن باستيراد العمالة للزراعة والبناء، وبدأ كذلك بتصدير الكفاءات إلى الخارج للعمل في مجالات التعليم والهندسة والصحة والإدارة.
وبالرغم من السياسات التنموية والبناء البنيوي المتسارع الذي تميز به الأردن بحكمة قيادته والاستخدام الفاعل لما تَحقّق من موارد خارجية في بناء القدرات البشرية والبنية التحتية بشكل عام، لم يصل الاقتصاد الأردني إلى مرحلة الاستدامة أو الاعتماد على الموارد الداخلية عندما تلاشى معظم الدعم الخارجي في منتصف الثمانينات، فالتفتَ إلى الاقتراض لسدّ ما تَوقَّع أن يكون مجرد ضائقة مرحلية، في حين كان الواقع والمستقبل يشيران إلى تحولات تاريخية في المنطقة. وقد أدّى التوجُّه إلى القروض المكلفة بدلاً من المنح إلى وقوع كارثة اقتصادية ومالية في عام 1988، لم يتعافَ منها الأردن إلّا بعد سبعة عشر عاماً من حيث أثرها في مستويات الدخل للأفراد، ووصلت المديونية إلى مستويات قاربتْ ضعفَي الناتج المحلي الإجمالي في نهاية الثمانينات.
وشهد العقد الأخير من عهد الملك الحسين بدايةَ برامج الأردن مع صندوق النقد الدولي، والحاجة إلى اعتماد نهج اقتصادي جديد يبني القدرات الإنتاجية للاقتصاد والقطاع الخاص، فبدأت برامج الخصخصة، وأُنجز جزء يسير من هذه البرامج قبل نهايات القرن العشرين.
ولأن تلك الحقبة ذات امتدادات مهمة ومقاربات ضرورية للمرحلة التي تلتها، يرسم الفصل الأول صورة اقتصادية شمولية لـ"حالة البلاد" حتى مطلع عام 1999 عشية اعتلاء الملك عبدالله الثاني العرش.
أما الفصل الثاني فيتناول العقد الأول في العهد الجديد ورؤية الملك عبدالله الثاني في بناء اقتصاد مستدام وإصلاح قطاعات رئيسية، وطبيعة السياسات والقرارات التي تم تبنّيها، ونتائجها على الاقتصاد وعلى المواطن بشكل عام.
فقد سعت الرؤية الملكية إلى استبدال الاستثمارات بالمساعدات، وتعزيز إمكانيات الاعتماد على الذات من خلال بناء القطاعات المعرفية والتصديرية وزيادة تنافسيتها عالمياً لبناء قطاع خاص قوي يكون ركيزة لاقتصاد المملكة، وتوجيه الإنفاق الحكومي للتعليم والصحة وشبكة الأمان الاجتماعي.
وبدأ الأردن خلال السنوات الخمس الأولى من عهد الملك عبدالله الثاني شبيهاً بورشة عمل كبيرة شملت قطاعات عديدة بالرغم من الأزمات المحيطة التي تطلّبت من جلالته قيادة البلاد في وجه تحديات أمنية واقتصادية غيّرت مسار المنطقة. ويمكن القول إنّ السياسات الاقتصادية خلال تلك السنوات سرّعت وتيرة الإصلاح الاقتصادي الذي بدأه الملك الحسين في نهايات القرن العشرين.
وكان للجهود المباشرة للملك عبدالله الثاني ودوره في قيادة هذه الإصلاحات أثرٌ مفصليّ في العديد من المجالات، عكسته المؤشرات الاقتصادية الرئيسية، إذ ارتفعت حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2004 لتتجاوز -للمرة الأولى منذ 17 عاماً- المستويات التي كانت قد بلغتها في عام 1987.
ولم يكن النمو خلال الفترة 1999-2009 والذي وصل إلى معدل 8% في نهاياتها، ناتجاً عن المنح الخارجية والإنفاق الرأسمالي للحكومة بقدر ما كان حصيلةً لارتفاع مستويات الصادرات والاستثمارات الخارجية والداخلية التي تضاعفت أكثر من مرة.
ويؤكد المؤلف أن التدخلات التنموية كانت بحاجة لمزيد من الوقت والمراجعة والتقييم لزيادة فعاليتها وعكس النمو الاقتصادي على المساحة التنموية بكاملها بصورة أكثر شمولية. ويوضح أن الإنجازات ظلت أقل مما تاقت إليه الرؤية الملكية رغم النجاحات الملموسة خلال تلك الفترة القصيرة، لأسبابٍ من أهمها حالة التجاذب بين أقطاب متنافرة داخل الدولة ومؤسساتها والتي غالباً ما كانت نتيجة خلافات شخصية أو صراعات على النفوذ، بالإضافة إلى تباين في الرؤى الإصلاحية.
ويشير المؤلف إلى أن غياب الجهد الوطني المتكامل في تنفيذ الرؤية الملكية والسياسات والبرامج المنبثقة عنها بشكل فاعل، أثّر إلى حدّ كبير في القدرة على التنفيذ، وجعلَ مخرجات العديد من البرامج المهمة والضرورية تتسم بالضعف، وكثيرٌ منها لم يكتمل.
لذلك، فإنّ الجهود التي أطلقها الملك عبدالله الثاني خلال العقد الأول من حكمه رغم كل إنجازاتها، لم تُمنَح الفرصة لتؤتي ثمارها المرجوّة، وربما لو قُيِّض لمسار النمو الاقتصادي في تلك السنوات أن يستمر بالوتيرة نفسها خلال العقد الأخير لتمكّن الأردن من تصويب العديد من التشوهات وإعادة توجيه بعض السياسات بكفاءة في ظل اقتصاد مزدهر وبأقل الكلف الاجتماعية، ليُحْدِث نقلة نوعية إضافيّة في مساره التنموي.
وفي الفصل الثالث، يتوقف المؤلف عند المحطات المفصليّة في العقد الأخير، وتحدّيات النمو المتدنّي، وتراكم المديونية، وتآكل دخل الأفراد، وارتفاع مستويات البطالة مجدّداً، وبلوغ الأزمات الإقليمية ذروتها، سواء أكان ذلك مرتبطاً بـ"الربيع العربي" الذي انعكست آثاره داخلياً، أو بالحرب في سوريا وما تمخّضت عنه من انتشار الإرهاب الداعشي، أو بتفاقم "الحصار التجاري" الذي يعاني منه الأردنّ منذ سنوات بسبب إغلاق حدوده مع سوريا والعراق لفترات طويلة، أو بمواجهة جائحة "كورونا" وآثارها الاقتصادية.
لقد مثّلت تلك المرحلة بدايةً لفقدان السيطرة على مسار السياسة المالية في مواجهة الأزمات الخارجية الشديدة التي ألقت بظلالها على الأردن طوال العقد الأخير وما يزال يعاني من تبعاتها حتى اليوم، إذ طغت أولويات الأمن والسياسة في وجه الطارئ الإقليمي، على القرار المالي والاقتصادي خلال الفترة 2011-2013، فغابت القدرة على ضبط الإنفاق، مع الاستمرار بمستويات الدعم العالية للكهرباء والمحروقات وبعض السلع، وزيادة نمو الإنفاق الجاري. فقد ارتفع الإنفاق على الرواتب من 773 مليون دينار في عام 2009 إلى أكثر من 1.2 مليار دينار في عام 2013. وارتفعت كلف دعم المواد التموينية والمحروقات من 186 مليون دينار في عام 2009 إلى 893 مليون دينار في عام 2012، لتفوق الإنفاقَ على الصحة أو التعليم في عام 2011 وفي عام 2012 أيضاً.
وكانت الغاية من هذا الإنفاق، وفقاً للمؤلف، مواجهة الارتفاع الهائل في كلف الطاقة، وضمان الأمن المجتمعي، وحماية استقرار المملكة التي وجدت نفسها خلال أقل من عام في محيط إقليمي تسوده الفوضى ويتوالى فيه الانهيار السياسي والأمني والاقتصادي.
ويرى المؤلف أن الاقتصاد الأردني شهد خلال الفترة 2010-2013 حالةً من "السقوط الحرّ"، وتمثّل ذلك بالانخفاض الكبير في النمو الاقتصادي إلى أقل من ثلث معدله للفترة السابقة. وبالتوازي مع ذلك، تضاعَفَ الحجم الكلي للمديونية مع الارتفاع المتسارع في مستويات العجز. إذ شهد الأردن خلال سنوات قليلة أعلى معدلات الزيادة في المديونية منذ عقد الثمانينات، حيث ارتفعت قيمة الدين العام الداخلي والخارجي من حوالي 12 مليار دينار في عام 2010 إلى أكثر من 25 مليار بنهاية 2015. وبذلك، تضاعفت المديونية خلال خمس سنوات مقارنةً بمستوياتها قبل أحداث "الربيع العربي".
ويضع الفصل الرابع منظوراً شمولياً لتطور الاقتصاد الأردني بأزماته وإنجازاته، مبيناً الدروس المستفادة لمواجهة تحدّيات الحاضر وسُبل التعامل معها، وما يمكن تحقيقه في المرحلة المقبلة ما بعد الأزمة الناتجة عن انتشار فيروس كورونا المستجدّ (كوفيد 19) وآثارها، ومخاطر السير على الحافة في منطقةٍ تشهد أزمات متواصلة، وفي غياب أيّ بوادر تشير إلى تحولات في منظومة التعاون والتكافل العربي.
ولهذا جاء التركيز على ما يمكن تحقيقه من خلال استعراض المراحل السابقة وإخضاع المحطّات المهمة خلال العقود الأخيرة للتحليل الموضوعيّ، وبما يتيح التعرف على الإنجازات والإخفاقات الرئيسية والخيارات الممكنة.
ويركّز هذا الفصل على أربعة محاور أساسية يمكن أن تطلق إمكانيات النمو وتعزّز الاعتماد على الذات، وهي: التشغيل، والطاقة، والضريبة، والإدارة الحكومية. ويطرح أبرز المعيقات والحلقة المفرغة التي لا بد من تجاوزها من خلال عدد من الإجراءات والسياسات التي يمكن النظر فيها.
ويشير المؤلف في هذا السياق، إلى أن القدرة على تنفيذ الإصلاحات الضرورية مقرونةً بالرغبة في ذلك، كانت العاملَ الحاسم في عمل الحكومات. فهناك من المسؤولين مَن واجه تحديات المرحلة وظروفها الصعبة وتعامَل مع المعادلات المستعصية بحكمة وشجاعة. وفي المقابل، هناك مَن لم يكن بحجم التحدّي أو على مستوى ما تتطلبه الرؤية الملكية، إمّا لافتقاره إلى سمات القيادة، أو لاستسلامه للخوف والتردد، أو لعدم قناعته أو فهمه لمتطلبات الإصلاح. ويضيف المؤلف: "إذا كان بعضهم يبرّر تقصيره بنقص الصلاحيات أو عدم امتلاك الولاية العامة، فهذه ذرائع لتغطية أوجه الضعف والفشل في إدارته. فكلّ مسؤول يتمتع بصلاحياته كاملةً وفقاً للدستور وما نصّت عليه القوانين بشأن منصبه وطبيعة المهام الموكَلة إليه، وهو ما يحرص عليه الملك الحرص كلّه. كما أنّ المشكلة الأساسية لا ترتبط بتغيير الحكومات بقدر ما تكمن في آلية عملها".
وتشير خاتمة الكتاب إلى تحول رئيسي في المعادلة الاقتصادية وظهور حالة من الاستقطاب بين القطاعَين العام والخاص بعد أن بدأت العلاقة بينهما تتغير بشكل كبير منذ بداية التسعينات مع انخفاض الإنفاق الرأسمالي وجفاف المساعدات الخارجية، متخذةً شكلَ التنافُس على النفوذ والسياسات والمصالح نتيجة تساقط النموذج الاتّكالي للدولة.
فازداد اعتماد الدولة على قدرة القطاع الخاص على الإنتاج لتحصيل الإيرادات الضريبية التي أصبحت المورد الأساسي للدولة، ليعاد توزيعها للقطاع العام مع ارتفاع النفقات الجارية من كلف رواتب وتقاعدات وانخفاض الإنفاق الرأسمالي.
وأثّرت هذه التغييرات في فئات المجتمع والقوى التقليدية، خاصة مع تحوُّل دور الدولة في الاقتصاد، وزيادة التباين في الثروة، وازدياد مظاهر الإنفاق المفرط والاستهلاك الترفي، ونمو الثروات الجديدة، فبدأت فئات كبيرة من المجتمع ترى أن النهج السائد يهمّشها.
ويؤكد المؤلف أهميةَ التحول في العلاقة بين القطاعَين العام والخاص من التبعية إلى التكاملية، لأنّ نجاح أيّ منهما أو فشله مرتبط بنجاح الآخر أو فشله.
ويبيّن المؤلف أن الاقتصاد الأردني استطاع أن يواجّه تحدّيات هائلة منذ نشأته، وأبدى مرونة واسعة في التأقلم مع كوارث عديدة واجهت المملكة على المستويات كافة؛ إنسانيّاً وجغرافيّاً وسياسيّاً. وبحسب المؤلف، يتسم الاقتصاد الأردني تاريخيا بارتباطه بالأزمات، فقد عملت الأزمات والتغييرات السياسية الإقليمية على تشويه بنيته إلى حد كبير، رغم أن القيادة جعلت منها دافعاً لمواصلة البناء وتسريع العملية التنموية.
ويقول المؤلف في هذا المجال: "ها هو الأردن يقف اليوم على أبواب القرن الثاني من عمر الدولة الحديثة، مؤكداً صموده في وجه التحديات التي فشلت دولٌ أقوى وأغنى في تخطّيها، وذلك بتصميم أبنائه وقيادته الهاشمية وعزمهم، سواء أكانوا مؤسِّسين أم بُناة أم محدِّثين. فقد طوّع الأردنيون الصعاب، وبنوا بلدهم بإرادة عالية رافعين رؤوسهم اعتزازاً بما أحرزوه".
وأخيراً، يبيّن الكتاب الدروسَ المستفادة من الماضي في مواجهة تحدّيات الحاضر، وما يمكن تحقيقه في المرحلة المقبلة في ظلّ مخاطر "السير على الحافة". فقد نشأ الاقتصاد الأردني في رحمِ الأزمات التي لا تنتهي. ما يستوجب طرح السؤال: كيف نمضي للأمام؟
يشار إلى أن د.جعفر حسان أمضى 27 عاماً في العمل العام، تولّى خلالها مناصب من بينها: القائم بالأعمال ونائب السفير الأردني في واشنطن (2001-2006)، ومدير دائرة الشؤون الدولية في الديوان الملكي الهاشمي بالدرجة العليا (2006-2009)، ووزير التخطيط والتعاون الدولي (2009-2013) في كلّ من حكومتَي سمير الرفاعي الأولى والثانية، وحكومة د.معروف البخيت الثانية، وحكومة عون الخصاونة، وحكومة د.فايز الطراونة الثانية، وحكومة د.عبدالله النسور الأولى، ثم عُيّن مديراً لمكتب جلالة الملك (2014-2018)، ثم نائباً لرئيس الوزراء ووزير دولة للشؤون الاقتصادية في حكومة د.هاني الملقي الثانية (شباط-حزيران 2018).
وهو حاصل على شهادتي الدكتوراه والماجستير في العلوم السياسية والاقتصاد الدولي من المعهد الأعلى للدراسات الدولية والتنموية بجامعة جنيف/ سويسرا، وشهادة الماجستير في الإدارة العامة من جامعة هارفارد-كمبريدج/ الولايات المتحدة الأميركية، وشهادة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة بوسطن/ الولايات المتحدة الأميركية، وشهادة البكالوريوس في العلاقات الدولية من الجامعة الأميركية في باريس/ فرنسا.