facebook twitter Youtube whatsapp Instagram nabd

خسائر بالمليارات لهوليوود بسبب كورونا

خسائر بالمليارات لهوليوود بسبب كورونا

القبة نيوز - للمرة الأولى في تاريخ السينما، يهبط دخل شباك التذاكر العالمية إلى الصفرْ. كان ذلك في العشرين من شهر مارس/آذار الماضي بعد إغلاق دور العرضْ، ضمن إجراءات التباعد الاجتماعيْ لاحتواء وباء فيروس كورونا.

 

واضطرت استوديوهات هوليوود إلى تأجيل إطلاق أضخم أفلامها الى آخر العام أو العام المقبل، مما سيتسبب بخسائر فادحة قدرها الخبراء بعشرين مليار دولار.

لا شك أن هوليوود وصناعة الأفلام العالمية تمران بأزمة وجودية. ففضلاً عن إغلاق دور العرض وإلغاء وتأجيل المهرجانات، توقف تصوير الأفلام والمسلسلات التليفزيونيةْ وسرح العديد من التقنيين وموظفي شركات الإنتاج والتوزيع من وظائفهم. لكن هذه ليست المرة الأولى التي واجهتْ فيها هوليوود والسينما مثل هذه الأزمة.

 

وباء الإنفلونزا الإسبانية

عندما تفشى وباء الإنفلونزا الإسبانية، الذي قتل بين عشرين وخمسين مليون شخصْ عام 1918ْأجبرتْ دور العرض على إغلاق أبوابها، ما دفع شركات الإنتاج في هوليوود إلى إيقاف إنتاج الأفلام لانعدام الطلب عليها وإصابة العديد من نجومها ومسؤوليها من ضمنهم «وولت ديزني» الشاب.

وبما أن صناعة الأفلام كانت في بداية نشأتها، ثارت تكهنات في نهايتها، وانتقل الكثيرون من عامليها الى صناعات أخرى.

فعلا، الكثير من شركات الإنتاج والتوزيع ودور العرض الصغيرة أفلست، فابتلعتها الشركات الكبرى، مثل «يونيفيرسال»، «فوكس» و»أم جي أم» و»ورنرز بروس» و»باراماونت» و»كولومبيا بيكتشرز».

وهكذا ظهرت استوديوهات هوليوود الضخمةْ، التي احتكرت صناعة الأفلام من الإنتاج حتى العرضْ منذ ذلك الحين حتى عام 1949، عندما سن الكونغرس قانونا ضد الاحتكار، أجبر الاستوديوهات على بيع دور العرض لجهات ثالثة.

وبدلاً من الركود، شهدت صناعة الأفلام في العشرينيات بداية العصر الذهبي في هوليوود، حيث جذبت أبرز رواد السينما الصامتة، مثل تشارلي تشابلن وباستر كيتون وغريتا غاربو وسيسيل ديميل ورودولف فالانتينو.

 

ظهور الصوت

عام 1927، انطلق أول فيلم بالصوت وهو «مغني الجاز»، معلنا ظهور تقنية الصوت والبث الإذاعي في العام التالي. تزامن ذلك مع الكساد الاقتصادي العظيمْ نهاية عقد العشرينيات فشكل تحدياً خطيراً لاستوديوهات هوليوود، التي لم تتمكن من الحصول على دعم البنوك للتأقلم مع التقنية الجديدة التي ضاعفت تكاليف إنتاج الأفلام.

كما خسرت الاستوديوهات بعض نجوم السينما الصامتةْ، الذين لم يجيدوا الحوارات، فضلاً عن انتقال نجوم آخرين الى الراديو، الذي صار يجذب جماهير أكثر من السينما، فأفلست بعض الاستوديوهات مثل «فوكس» أو تم بيعها مثل «يونيفيرسال»، تحت وطأة التكاليف الباهظةْ لبناء منصات تسجيل الصوت وإعادة تصوير أفلامها بلغاتٍ مختلفةْ وممثلين أجانب من أجل طرحها في الأسواق الأجنبية، غير الناطقة بالإنكليزية.

لكن سرعان من نجد هوليوود، إذ أوصلت نجومها الى عدد أكبر من الجماهير، الذين تدفقوا لمشاهدتهم على الشاشة الكبيرة، فحققت صناعة الأفلام في الثلاثينياتْ أعلى دخلٍ في تاريخها. أحد أفلام تلك الفترة وهو «ذهب مع الريح» ما زال يعتبر الأكثر دخلاً في تاريخ السينما.

يعتبر ظهور التلفزيون في بداية الخمسينيات أكبر خطر واجهته السينما، لأنه منح الجماهير ترفيهاً بديلاً بالصوت والصورة مجاناً في بيوتهم، فتوقف الكثير منهمْ عن الذهاب الى دور العرض، مما دفع البعض مرةً أخرى للتكهن بموت السينما.

فردتْ هوليوود بحملة «الأكبر أفضلْ» من خلال ابتكارها تكنولوجيا حديثةً وهي تقنية السيناراما والسينما سكوب، لطرح أفلامها بصورة عريضة في الألوان، كان أولها فيلم الحركة التاريخي، (الرداء)، فضلا عن طرح أفلام ثلاثية البعد. فعادت الجماهير الى دور السينما، لكنْ بأعداد أقل من السابقْ.

لم تستغرق استوديوهات هوليوود وقتا طويلا لتعي أن التلفزيون قوة هائلة لا يمكن هزيمتها وخاصة بعدما قام نجمان من نجومها بشراء أحدها وهو «أر طي أو». فقررت أن تجعل منه صديقاً بدلاً من اتخاذه عدواً، من خلال بيعها رخصاً لبث أفلامها عبره. وسرعان ما تخطت أرباحها من الشاشة الصغيرة أرباحها من دور العرض، فقامتْ الاستوديوهات لاحقاً بشراء معظم محطات التلفزيون، التي ما زالتْ تملكها حتى اليوم.

 

ظهور الفيديو

ظهور الفيديو بداية الثمانينيات دفع البعض الى التنبؤ بنهاية دور العرض، لأنه مكن الناس من مشاهدة الأفلام في بيوتهم أينما شاءوا مقابل جزء بسيط من سعر التذاكر. لكن مرة أخرى حصل العكس انتشار الفيديو ولاحقاً اقراص «دي في دي» في التسعينيات عزز من مشاهدة الأفلام وارتفاع أعداد محبيها، الذين تدفقوا إلى دور العرض لمشاهدة أفلام مخرجيهم ونجومهم المفضلين على الشاشة الكبيرة، مما أسفر عن تضخم مستمر لدخل شباك التذاكر، الذي ارتفع بنسبة 120 في المئة منذ بداية الثمانينيات حتى نهاية التسعينيات.

فضلاً عن ذلك، قدم الفيديو دخلا إضافيا ومربحا لاستوديوهات هوليوود، إذ سرعان ما فاقت أرباح مبيعات أقراص «دي في دي» أرباح شباك التذاكْر، وذلك لأن تكاليف إنتاج الأقراص تقدر بخمسة عشرة في المئة، وحسب دخلها، بينما يذهب نصف دخل شباك التذاكر لدور العرض فضلاً عن تكاليف الترويج للفيلم.

 

البث الالكتروني و«نتفليكس»

شعبية «دي في دي» ساهمت بداية القرن الحالي في ظهور شركة إنترنتْ أمريكية تقدم خدمة بيعها وتأجيرها عبر البريد، تلك الشركةْ كانتْ «نتفليكس»، التي أصبحتْ تدريجياً احدى أكثر شركات الإنترنتْ ثراءً ونفوذاً ولاحقاً تأثيراً على عالم السينما، كان أول ضحاياها «دي في دي» نفسه.

ففي عام 2010، صارتْ «نتفليكس» تبث الأفلام والمسلسلات التليفزيونية لمشتركيها على موقعها الالكتروني، وبعد ثلاثة أعوام بدأت تنتجها بنفسها من خلال إغراء أبرز نجوم هوليوود ومخرجيها للعمل في مشاريعها بأجورٍ وميزانيات إنتاج لا سابق لها، فضلا عن منحهم حرية الإبداع، التي قلما يحصلون عليها من الاستوديوهات. فلاقت الأعمال نجاحاً جماهيرياً ونقديًا هائلاً وفازت بأهم الجوائز السينمائية، كـ»الغولدن غلوب»، و»الايمي» و»الأوسكار»، فضلا عن الهمينة على أهم المهرجانات السينمائية، مثل «كان» الفرنسي، و»فينسيا» الإيطالي و»تورنتو» الكندي.

وخلال أعوام اقترب عدد مشتركيها من مئةٍ وسبعين مليون مشتركْ في شتى أقطار العالم، بينما فاق دخلها دخل استوديوهات هوليوود الضخمة. لكن نجاحها جذب أيضا العداء لها، خاصةً من دور العرض، التي صارت تعتبرها خطراً على وجودها لرفضها الالتزام بقاعدة عدم طرح الأفلام على منصاتٍ أخرى، إلا بعد ثلاثة أشهرٍ منْ إطلاقها في صالات العرضْ، أو ما يعرف بقاعدة نطاق الإصدار، التي تفرضها دور العرض على شركات التوزيع بهدف حماية دخلها، وهي حصتها الـ 50 في المئة من حصيلة شباك التذاكر.

ولأن «نتفليكس» أصرت على بث أفلامها على منصتها الالكترونية تزامنا مع إطلاقها سينمائيا، حرمتها دور العرض من الشاشة الكبيرة وشنت حملة ضدها أدت إلى منع أفلامها من المشاركة في مهرجانات سينمائية مهمة مثل «كان». لكن نجوم هوليوود استمروا بالتدفق للعمل مع شركة البث الالكتروني.

«هذا أمر سخيف جدا»، يعلق جورج كلوني عندما سألته عن قلق دور العرض ورد فعلها تجاه «نتفليكس»: « نتفليكس دعمت مشاريع مخرجين جدد وأنتجت أفلاما فنية وذات مضامين مهمة، كانت استوديوهات هوليوود قد توقفت عن إنتاجها لأنها اعتبرتها غير مربحة تجاريا. فكيف يمكن معاقبتها على حماية فن السينما! تزامن طرح تلك الأفلام في السينما مع طرح البث الالكتروني سوف يساهم في وصول هذه الأفلام إلى عدد أكبر من الجماهير».

كما رفضا المنتجان والممثلان، براد بيت وليوناردو ديكابريو، معاقبة «نتفليكس» ومنصات البث الالكتروني الأخرى. «لقد وجهت السينما الكثير من الأزمات، مثل الصوت والتلفاز والفيديو، لكن كل تلك الأزمات ساهمت في تطور السينما. الخدمات الجديدة فتحت الأبواب لسينما حديثة تتسم بمستويات فنية ومضامين مهمة. فلا يمكن لنا أن نتحداها. نحن بحاجة لتغيير مستمر والتأقلم معه والاستفادة منه».

نجاح «نتفليكس» دفع بعض استوديوهات هوليوود الى مواجهتها، فقررت سحب أفلامها من منصتها وتأسيس منصات إلكترونية لبثها وجني دخلها لنفسها دون مشاطرته مع جهة أخرى. لكن خلافا لنتفليكس، بقيت الاستوديوهات مقيدة بقاعدة نطاق الإصدار لكي لا تحرم من طرح أفلامها في دور العرض، فلم تستطع إطلاق أفلامها على منصاتها الالكترونية تزامنا مع إطلاقها في دور العرض، التي رفضت تقصير فترة نطاق الإصدار.

لكن يبدو أن فيروس كورونا سوف ينجد الاستوديوهات من هذه المعضلة، إذ أن إغلاق دور العرض منحها الفرصة لطرح أفلامها على المنصات الالكترونية دون التعرض للاحتجاج. فقد قامت «ديزني» بإطلاق أفلامها مثل «طير أرطميس» وفيلم الرسوم المتحركة «إلى الأمام» و»نداء البرية» على منصتها «ديزني بلوس»، وتلتها «يونيفيرسال» في فيلم «جولة ترولز حول العالم» ، بينما طرحت «باراماونت» فيلمها «عصافير الحب» على منصة عدوة لدور العرض، هي نتفليكس.

بعض دور العرض نفسها صارت هذه الأيام أيضا تقدم الأفلام لزبائنها على منصات الكترونية أو ما تسميها سينما افتراضية.

وعلى الرغم من تكبد استوديوهات هوليوود خسائر فادحة على المدى القريب، يبدو أنها سوف تخرج من الأزمة الحالية مرة أخرى أقوى نفوذا وأكثر دخلا، إذ خلقت الأزمة واقعا جديدا يمكنها من طرح أفلامها على منصاتها الالكترونية تزامنا مع إطلاقها سينمائيا، مما سيعزز من أرباحها. لكن ذلك لا يعني نهاية دور العرض، لأن خدمتها لا تتعلق فقط بتجربة مشاهدة الأفلام بل هي أيضا فعالية اجتماعية، يحتاجها البشر، كما يحتاجون الى ارتياد المتنزهات والمطاعم.

تابعوا القبة نيوز على
 
جميع الحقوق محفوظة للقبة نيوز © 2023
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( القبة نيوز )
 
تصميم و تطوير