درعا النار والدمار
- تاريخ النشر : 2018-07-15 14:31:01 -
القبة نيوز-تعتبر روسیا أھم وأقوى حلیف ومساند لبشار الأسد في الحرب السوریة الأھلیة، في الوقت الذي تلعب أمریكا الدور القیادي في التحالف الدولي على داعش والتنسیق مع دول الجوار ومنظمات المقاومة العسكریة في المنطقة.
ذینك القوتین یلعبان دوراً معقداً بین تعاون وتنسق بین الجبھات بحیث یبدو الأمر تارة غیر واضح في الحرب بین الملیشیات متعددة الاتجاھات والأھداف، غیر أن الواضح بجلاء ھو تنفیذ خطة استراتیجیة دقیقة من قبل روسیا وأمریكا بتنسیق كامل مع اسرائیل وتقدیس عربي مذل.
وأما تسارع الأحداث أو إبطاؤھا تارة، وتصعید أو عدم تصعید أو وقف إطلاق نار ما ھو إلاّ مدّ وجزر مدروس أقدّمھ في نظرة بسیطة متمعنة.
شھدت الأیام الأخیرة تنامیاً في الأسالیب البشعة المدروسة التي ارتكبھا النظام السوري وانتھاكاتھ للقانون الدولي مدعمّاً بالغارات الروسیة الغاشمة التي قتّلت آلاف المدنیین وجعلت درعا رماداً وزقاقَ أشباح، ممّا أدى إلى ھروب المواطنیین العزّل جنوباً إلى السھول الممتدة مع الحدود الأردنیة بحثاً عن الأمان ظنّھم بقرار رحیم إنساني من المملكة الأردنیة الھاشمیة یُمكنَھم عبور الحدود.
ھل دخول النساء والأطفال والشیوخ من الحدود السوریة إلى الأردن یھدد أمنھا؟ أم أن التزام الحكومة باتفاقیة "خفض التصعید" المخترقة في جنوب غرب سوریا 2017 م من الشھر السابع مع روسیا وأمریكا ھي الضابط الوحید لترك الأھل في درعا بین النار والدمار؟ إذا كانت الذریعة الوحیدة بعدم فتح الحدود ھي الخوف من الفِرَق المعارضة المسلحة التي "قد" تھدد أمن المملكلة، كما تُقدّم الحكومة والناعقین بتمجیدھا، فلماذا لا تُقرّ إدخال من ھم تحت السن القانوني من الرجال ومعھم النساء والعجزة؟ وبھذا تضمن عدم حدوث خلل أمني مزعوم یأرّق القرار الأردني في الوقوف مع الأھل في درعا.
بیننا وبین سوریا جوار ودم ودین ونسب، فبأي عرف نقف متابعین القتل الیومي عبر الشریط الحدودي ونسجل في التاریخ مھانة وذل أكثر من التي سُجلت للغرب والعرب المسلمین في آن إبّان و2,2 ملیون نازح ومشرد حسب إحصائیات مركز التحقیقات والوثائق البوسنیة IDC .
الإبادة العرقیة في البوسة التي أنكرھا العالم بعد الممارسات الشنیعة التي أدت بأكثر من 300 ألف قتیل فھل ننتظر إیعاز أمریكي لرفع الظلم عن الأھل في سوریا أو فتح الحدود مع درعا؟ أم نسستقبلھم بقرار مستقل یملیھ علینا الضمیر العربي دون الرجوع إلى مشاورات واتفاقیات من شأنھا رفع رایة إسرائیل في المنطقة؟ وما ھو دور الخلیج المعدوم، لا بل المتعاون حیناً حیال القتل الأخیر في درعا؟ أم أن الخلیج تبرأ بشكل غیر صریح بكل من ھو خارج المنظومة الخلیجیة؟ وبھذا جاز لھ عدم التدخل حتى یُطلب منھ تنفیذ أمر أمریكي من شأنھ الضغط على دول الجوار العربیة.
ولماذا تھمش الحكومة الأردنیة رغبة الشارع في فتح الحدود ومعھم قرارات حقوق الإنسان التي تملي على دول الجوار بفتح الحدود إنسانیاً دون الرجوع إلى خلفیات قرارت الھدف منھا تجویع درعا واستسلام مقاتلیھا أمام الجیش وكأنھا تصفیة طائفیة بحتة، لا بل دراسة ممنھجة، فقد بیّنت صحیفة "جیروزالیم بوست" 28 من الشھر الخامس لھذا العام الاتفاقیة الإسرائیلیة الروسیة السماح للجیش السوري بإعادة السیطرة على جنوب سوریا من درعا حتى حدود الجولان مع إسرائیل بشرط عدم السماح لإیران وحزب الله بالمشاركة في ھذه العملیة، وبالمقایل تساعد إسرائیل قوات الأسد في السیطرة على الحدود المذكورة، مع العلم أن الأردن دخلت الاتفاقیة بشكل صریح وھذا الذي دفع الحكومة لإبقاء الحدود مؤصدة أمام الحشود السوریة في درعا لإضعاف المقاومة، وقد بیّنت الأیام الأخیرة مسار التخطیط الناجح الذي راح ضحیتھ آلاف الضحایا بین قتل وتشرید ونزوح.
استراتجیة النظام السوري باتت مكشوفة للجمیع، فطریقة التجویع والتھجیر إلى إدلب في الشمال ھي في الدرجة الأولى إخلاء واضح للبلاد لأھداف تخدم روسیا وأمریكا معاً وحلیفھما إسرائیل، ومن باب جعل المقاومة بین المِطْرقة والسَّندانِ، فإیجاد ممرات آمنة بین الجنوب قرب مدینة درعا وإدلب لإجلاء أكثر من 1000 شخص حسب وكالة إنتر فاكس للانباء في الوقت الذي شنت بھ روسیا والقوات السوریة والحلیفة في 19 من الشھر السابع أعنف حملة جویة على مراكز حضریة، والذي أدّى إلى أوسع موجة نزوح منذ بدأ الأزمة قبل سبعة أعوام، حیث فاق عدد النازحین الــ 320 ألف حسب إحصائیات الأمم المتحدة، ھذا مع بدء عودة كثیر منھم إلى منازلھم في ریف درعا بعد اتفاقیة "وقف إطلاق النار" مساء الجمعة بین قوات النظام والفصائل المعارضة في الجنوب. والذي تضمن إجلاء الرافضین للتسویة من مقاتلین ومدنیین. مناقضة واضحة بین قتل وإبادة وإجلاء لأغراض إنسانیة.
ما أشبھ الیوم بالبارحة، فجرائم التطھیر العرقي التي حصلت في قلب أوروبا وھي من الأبشع والأعنف ضد الإنسانیة والتي استمرت من عام 1991 م حتى عام 1995 م إبّان حكومة رئیس جمھوریة الصرب السابق رادوفان كرادیتش.كان العالم یقف متفرجاً على المجازر الجماعیة حتى شارف البوسنیون على الإنقراض دون أي تتدخل دولي. ھل الذي یحدث الآن في سوریا یشبھ ما كان في الأمس في البوسنة والھرسك؟ لقد كانت خلفیة الحرب الصربیة على المسلیمین ھي تشكیل الدولة متجانسة العرق، فما الذي تریده روسیا والحكومة السوریة من وراء الإبادة الجماعیة للشعب السوري؟ ھل الإجلاء الدائم إلى إدلب ھو خلق دویلة جدیدة للسورین قد تسبب الأرق لتركیا مستقبلاً وتمھید لإسرائیل للدخول إلى سوریا عبر الجولان؟ أم إنشاء قاعدة جدیدة فیھا من 60 إلى 70 ألف مقاتل؟ – حسب دراسات معھد واشنطن لسیاسة الشرق الأدنى وقد یفوق العدد الــ 130 ألف حسب المراقبین - من فصائل متعددة الولاء والانتماء وظیفتھا تقدیم خدمات لضعضعة المنطقة لمصلحة أمریكا وروسیا كما القاعدة في الماضي القریب.
ھناك معادلة أخرى تم صیاغتھا أیضا كقوة إقلیمیة تجسدت في تركیا، فالأخیرة عمدت إلى اقتناص الفرصة والحصول على امتیاز عسكري وسیاسي باتفاق مع القوتین العضمتین روسیا وأمریكا، ھذا من باب، ومن أخر وعلى الصعید العسكري ضمنت لنفسھا الاحتفاظ بالقوات المعارضة المدعومة من قبلھا عسكریاً ولوجستكیا منذ بدایة الحرب الأھلیة لتصبح القوة المھددة للملشیات الكردیة الھاربة من الضغوط العسكریة التركیة نحو الأراضي السوریة.
"عملیة غصن الزیتون" اسم أطلق على معركة "عفرین" التي بدأت أحداثھا یوم السبت 20 كانون الثاني "ینایر" 2018 م، ھي الدلیل القاطع في الدور المحوري في حسم المعركة لصالح تركیا، ولأن تركیا قامت بتمھید الأرض من خلال سلاح الجو فقد كانت المھمة سھلة في مباشرت قوات المعارضة مع المقاتلین الأكراد من قبل الحدود السوریة، في الوقت ذاتھ واجھت القوات التركیة من خلال أراضیھا بحیث تمكنت من حصرھا والإیقاع بھا.
وعلى الصعید السیاسي فقد حظیت تركیا بموافقة دولیة، روسیة وأمریكة على امتیاز حدودھا مع سوریا من أقصى الشرق حتى الغرب بحجة مكافحة الارھاب. ھذا وذاك وغیرھم وكل ما بینھم یزید من تراجع القرار السیاسي العربي وتفاقم الأزمة بین دول الجوار الذي بدوره یضعف من الموقف العربي عربیاً وعالمیاً ویزید من حجم الضائقة المالیة ومعھ الفساد والمتنفذین في الأردن وموقف الآن سیحسب لھ أو علیھ.
تابعوا القبة نيوز على