أخبار عربية || قطع الطريق على الإرهاب ومنع استقطابه للخارجين عن القانون
خارجون عن الدين خارجون عن القانون.
الجماعات تؤمن الحماية وتضفي الشرعية على نشاطات المجرمين.
قطع الطريق على الإرهاب ومنع استقطابه للخارجين عن القانون.
الجدل حول سيرة مواطن مصري، أسهم في القبض على الإرهابي الذي حاول تفجير كنيسة مارمينا في حي حلوان بجنوب القاهرة مؤخرا، دفع إلى طرح قضية المشاركة المجتمعية ضد التطرف والإرهاب وضرورة جذب الخارجين على القانون الذين طالما كانوا عنصرا أساسيا للجماعات المتطرفة ووقودا للكثير من عملياتهم الإرهابية.
القبة نيوز - فوجئ متابعون على مواقع التواصل الاجتماعي بمقطع مصور لمواطن ينقض على إرهابي يحمل سلاحا يستعد لتفجير كنيسة بمنطقة حلوان ويقبض عليه، لتنهال بعدها الإشادات بالمواطن الشجاع، لكن سرعان ما طرأ تحول من الإشادة إلى الهجوم على الرجل بعد أن تبين أن المواطن الذي أمسك بالإرهابي كان مجرما سابقا.
كشف الحادث عن إحدى الإشكاليات بمصر وهي المشاركة المجتمعية في مكافحة ظاهرة الإرهاب التي باتت تؤرق المجتمع بكل فئاته وتهدد المسلمين والمسيحيين.
لكن المواطن (صلاح الموجي) تعرض لهجوم إعلامي شرس بعد أن سُربت صفحته الجنائية ليتحول فجأة من بطل مغوار أنقذ حياة المواطنين إلى مجرم جنائي لا يجب تشجيعه.
يرى خبراء أن الغضب ضد الإرهاب وحّد صف المواطنين، سواء كانوا خارجين على القانون أو مواطنين عاديين، فأصبح الجميع متكاتفا ضد الإرهاب المتفشي.
ويقول هؤلاء إن فكرة مساعدة من لديهم سوابق في مواجهة التطرف، أمر يجب تشجيعه وليس نبذه، لأنه يخلق مجتمعا أكثر تماسكا ويساعد الخارجين على الاندماج في المجتمع بدلا من أن يكونوا قنبلة موقوتة يستغلها المتشددون.
على مدى عقود منذ نشأة جماعات الإسلام السياسي اعتمدت تلك الجماعات على مجرمين سابقين ليكونوا نواة للكثير من الهجمات المسلحة، واستغلوا نبذ المجتمع لهم وإقناعهم بأن التوبة إلى الله على جرائمهم السابقة لن تكون إلا عن طريق محاربة ما يصفونه بـ”الكفر في المجتمع″.
وكشف مؤرخون عن محاولات جماعات الإسلام السياسي الدائمة لاختراق هذا السياج عبر استقطاب العديد من المعروفين بأنشطتهم غير القانونية، للاستفادة من قدراتهم الخاصة على القيام بأعمال لا يجرؤ عليها الشخص العادي، ولشق الكتلة المجتمعية الصلبة، في مسعى لتحويلها ضد الجهاز الأمني لا ضد التنظيمات الدينية.
المشاركة المجتمعية في مكافحة الإرهاب هي أكبر هاجس لدى الجماعات، ولذا تحرص على بث مقاطع مصورة لزرع الرعب
وحرص مؤسس جماعة الإخوان حسن البنا على توظيف من عرفوا بممارسة قطع الطرق، خاصة أولئك الذين كونوا مجموعات وعصابات تأتمر بأمرهم.
وصار من أعضاء الجماعة الفاعلين أحمد نار الذي كان قاطع طريق شهيرا بمدينة منيا القمح في محافظة الشرقية شمال شرق القاهرة، وإبراهيم كروم فتوة السبتية أحد أشهر أحياء القاهرة، واستغل البنا قدرات لص سابق يدعى علي حمدي للسطو على الذخائر والأسلحة من معسكرات الجيش لتزويد التنظيم السري للجماعة بها.
وهو النهج الذي اتبعته غالبية الجماعات التي خرجت من رحم الإخوان، وفق تصور مفاده أن قطاعًا ممن يواجهون مشكلات مع أجهزة الأمن على خلفية ارتكاب مخالفات قانونية، مهيؤون لتقبل فكرة الانضمام إلى التنظيم الديني الذي يوفر لهم حماية ويضفي على نشاطاتهم شرعية دينية.
واستعانت التنظيمات المتشددة بعناصر لها تاريخ جنائي في الثمانينات من القرن الماضي لفرض سيطرتها على الأحياء الشعبية بالمحافظات الأكثر أهمية مثل القاهرة والجيزة.
ويقدر البعض من الخبراء إسهام العناصر الجنائية في إنجاح الجريمة الإرهابية في المحافظات المصرية الحدودية بنسبة تصل إلى ستين بالمئة، وصار هناك تبادل مصالح بين الجماعات المتطرفة المسلحة وتجار المخدرات والأسلحة والعناصر المتخصصة في التهريب بكافة أشكاله.
ولفت مختصون إلى حرص جماعات الإسلام السياسي على إحداث خلل بمجمل المنظومة المجتمعية وخلق عدم ثقة وعداء بين مكونات المجتمع وبينها وبين مؤسسات وأجهزة الدولة.
وتقول الأبحاث الأمنية إن استقطاب المجرمين السابقين ودمجهم في المجتمع إحدى الطرق الرئيسية التي يجب اللجوء إليها لمحاصرة الإرهاب وتجفيف منابع التجنيد.
وفسر البعض جملة إرهابي كنيسة حلوان إبراهيم إسماعيل للمواطن صلاح الموجي الذي سارع بالانقضاض عليه عقب إصابته عندما قال له “أنت لا تعلم شيئًا”، بمدى حرص الجماعات على نقل تصوراتها الخاطئة للمواطنين حتى في الظروف والمواقف غير المواتية.
وشدد طارق أبوالسعد، الخبير في شؤون الحركات الإسلامية، على ضرورة الفصل بين الجنائيين والسياسيين في السجون ومراكز الشرطة، لأنها واحدة من أهم أماكن استقطاب وتجنيد العناصر الجديدة.
ونبه في تصريحات لـ”العرب”، إلى أن التأثير على الجنائي السابق أو الحالي يتم بواسطة أساليب الترهيب والترغيب بزعم توظيف قدراته ومواهبه السابقة في الخير وفي نصرة الإسلام.
الغضب ضد الإرهاب وحّد صف المواطنين، سواء كانوا خارجين على القانون أو مواطنين عاديين، فأصبح الجميع متكاتفا ضد الإرهاب
وأوضح أن المشاركة المجتمعية في مكافحة الإرهاب هي أكبر هاجس لدى الجماعات المتطرفة والمسلحة، ولذا تحرص على بث مقاطع مصورة لزرع الخوف والرعب في نفوس من يفكر في التعاون مع الأجهزة الأمنية. وشدد البعض من المراقبين على ضرورة البناء على الزخم الذي صاحب إسهام الأهالي في إحباط الهجوم الأخير على كنيسة مارمينا بحلوان، عبر تحشيد الفئات المجتمعية حول اهتمامات مشتركة وأهداف واحدة وقضية جامعة.
وأكد خبراء في علم الاجتماع على أهمية رعاية الحكومة المصرية لأصحاب السجلات الجنائية، اجتماعيًا واقتصاديًا، كي لا يُترَكوا فريسة يسهل اصطيادها وتجنيدها من قبل الجماعات المتشددة.
ولفتوا إلى أن مهمة علاج الانحراف لا تقل أهمية عما تقوم به مؤسسات الدولة التربوية والتعليمية والدينية والثقافية في سياق تشكيل المواطن الصالح ووقايته ليظل صالحًا، عبر توفير مناخ النضج الاجتماعي الذي يضمن له الإسهام في النشاطات المختلفة، وهو ما يقود إلى صب طاقاته في خانة النفع العام ودمجه في النسيج المجتمعي، بما يفوت الفرصة على الجماعات الخارجة عن القانون لاختراقه عبر هذه الثغرة.
ويعتبر متابعون تعزيز الشعور بالانتماء مسألة ضرورية لتنمية إحساس المواطنين بقيمة وجودهم، وجعلهم يطمئنون بأن هناك من يهتم بأمورهم، لأن هناك في المقابل جماعات حريصة على القيام بدور مواز عبر مجتمع مغلق خاص بها.
ويرى الباحث الأكاديمي مسعد عويس أن المجتمع المصري ظل متلاحمًا بالشكل الذي يصعب اختراقه إلى أن تأسست جماعات الإسلام السياسي وازداد نفوذ الجماعات السلفية بداية من عشرينات القرن الماضي.
وأكد أن ما قامت به تلك الجماعات وما تحاول القيام به لتعزيز وجودها على الأرض عبر إخراج الظواهر السلبية من نطاقها الآمن تحت سقف القانون ومؤسسات الدولة، يرمي إلى تحويل مساحة منها إلى حالة متمردة على الدولة وقوانينها. وأقرّ لـ”العرب” بضرورة تفعيل إسهامات ونشاطات المجتمع المدني من خلال مؤسسات وطنية مستنيرة، ترعى مهمة تلاحم طوائف المجتمع.
وحذر مراقبون من استمرار عمل جماعات وجمعيات سلفية متشددة موازية للمؤسسات الرسمية والمجتمعية، وأخرى بديلة عن هذه المؤسسات في بعض القرى والمدن النائية.
وتعمل هذه الجمعيات والمراكز التي يديرها سلفيون متشددون على تشكيل تدين سياسي بأبعاد طائفية، منفصل عن أهداف الدول والمجتمعات.
ويجد المواطن العادي نفسه مجردا من الحجج ومفتقدًا العدة المنهجية التي يواجه بها ما تطرحه الجماعات السلفية وتنظيمات الإسلام السياسي عموما من أفكار، خاصة ما يتعلق بمفاهيم الخلافة والحاكمية والجهاد وحكم الطائفة الممتنعة عن تطبيق الشرع وطبيعة مفاهيم العلمانية والليبرالية والديمقراطية والعلاقة مع الغرب.ِ