ماذا يعني ارتفاع قيمة اللّيرة السورية؟
القبة الرياضية-منذ عام 2011، خاضت اللّيرة السورية معركة صعبة، في ظل الأزمة التي اجتاحت البلاد. فقد تأثرت قيمة العملة الوطنية بسرعة بسبب الظروف السياسية والأمنية.
ومع سقوط حكم الأسد، شهدت اللّيرة السورية ارتفاعاً ملحوظاً مقابل الدولار الأمريكي بنسبة لا تقل عن 20% خلال الأيام القليلة الماضية، وفقًا لما ذكرته رويترز.
ففي بداية الحرب كان سعر الدولار يعادل 47 ليرة سورية، لكن مع تصاعد الأزمة السياسية والأمنية في البلاد، بدأت الليرة تشهد تدهوراً كبيراً.
وتراوح سعرصرف الّليرة خلال اليومين الماضيين، بين 11.500 و12.500 ليرة مقابل الدولار، بعد أن تجاوز سعر الدولار قبل عشرة أيام عتبة 30.000 ليرة في دمشق وأكثر من 40.000 ليرة في حلب، وفقاً لموقع "الليرة اليوم".
حملة "ليرتنا عزتنا" تثير الجدل والسخرية في سورياقانون قيصر في مواجهة بشار الأسد: معركة بأدوات اقتصادية
وتصدرت اللّيرة السورية حديث مواقع التواصل الاجتماعي بعد تحقيقها قفزة كبيرة في قيمتها، ما أثار جدلاً واسعاً بين رواد هذه المواقع، بين متفائل ومشكك.
أكد حساب "عبد الباسط الشميري" على منصة إكس أنه "بعد سقوط نظام الأسد، انخفض سعر الدولار من 20 ألف ليرة إلى 12-13 ألف ليرة خلال أسبوعين، ما يثبت أن الحرب طالت الاقتصاد على حد تعبيره.
كما قال حساب "اسماعيل راعي" إن ما وصفهم بـ "أعوان النظام يتلاعبون بملفات الأمن والاقتصاد". مؤكداً أن ارتفاع الليرة غير مرتبط بالسوق، ولم تنخفض الأسعار أو توفر العملات الأجنبية، ما قد يؤدي إلى هبوط حاد
من جهته، أكد حساب "أحمد العقدة" أن صعود قيمة اللّيرة السورية بعد سقوط حكم الأسد يعد أمراً غير مألوف.
تساؤلات وتكهنات حول توجهات الحكومة الانتقالية السورية الجديدةإسرائيل وسوريا ما بعد الأسد: تحركات مؤقتة أم خلق وضع جديد؟
"السوريون فقدوا ثقتهم باللّيرة"
وفي حديثه مع بي بي سي، أكد المحلل الاقتصادي الدكتور فراس شعبو أن ارتفاع الليرة السورية لا يدل على قوة الاقتصاد ولا يعكس تحسناً حقيقياً في الوضع الاقتصادي للبلاد.
أوضح شعبو أن هذا الارتفاع في الّليرة يعود لعدة أسباب، منها توقف عمليات الاستيراد تماماً خلال التطورات الأخيرة في البلاد، ما أدى إلى انخفاض حجم الطلب على الدولار. كما أشار إلى انقطاع العملة السورية عن السوق في الأيام الأخيرة، ما دفع السوريين إلى إخراج الدولار المخزّن لديهم.
وأكد شعبو أن "حرية دخول الدولار"بعد القيود الصارمة عليه في فترة حكم الأسد كانت من العوامل الرئيسية في هذا الارتفاع، حيث كان مجرد الحديث عن الدولار يعتبر "كارثة" آنذاك.
أما بعد سقوط حكم الأسد، ومع فتح الحدود، تدفق الدولار من مختلف الاتجاهات وأصبح تصريفه آمناً، دون القلق من التعرض لأية مسائلة. وفق شعبو.
ويشير شعبو إلى قاعدة اقتصادية تنص على أنه كلما زاد الطلب على سلعة، ارتفع سعرها. ويقول إن ازدياد الطلب على الّليرة السورية بشكل كبير مؤخراً وبالمقابل زاد العرض من الدولار، ما أدى لتحسن سعر الصرف، إلا أنه " تحسن مؤقت وقصير الأمد" .
من جانب آخر، يرى المحلل الاقتصادي أنه من المحتمل أن تكون هناك "أذرع للنظام"، مثل شركات الحوالات التي كانت تدعم حكم الأسد، ما تزال تمارس "التلاعب" بالدولار،على حد تعبيره.
يؤكد شعبو أن حكومة الأسد كانت تستخدم هذه الطريقة لتخفيض أسعار الصرف، مما يثير الخوف لدى الناس من مزيد من الانخفاض، فيدفعهم ذلك إلى صرف دولاراتهم. وعندما ينفد الدولار من السوق، يتم رفع السعر مجدداً، وهو ما يسمى "تلاعباً بالعملة"، على حد تعبيره
أفاد المحلل شعبو بأن "الشعب السوري فقد ثقته بالليرة "، مشيراً إلى أن السوريين يدركون أن ما يجري هو مجرد "لعبة".
بينما يشهد سعر صرف الليرة ارتفاعاً وانخفاضاً، أكد شعبو أن التذبذب المستمر يعد "كارثياً" على الوضع الاقتصادي، مؤكدا أن اقتصاد البلاد بحاجة إلى استقرار في سعر الصرف.
ولتثبيت سعر الصرف، أكد شعبو ضرورة وجود دعم دولي حقيقي. وأشار إلى أن ما ذكره رئيس حكومة تصريف الأعمال السورية محمد البشير، بشأن فراغ المصرف المركزي يعكس تحديات كبيرة.
وأكد شعبو أن استعادة الثقة في مؤسسات الدولة وهيبتها، وتحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي والسياسي، تعد من الأولويات التي يجب على الحكومة التعامل معها.
وأوضح أنه سيبقى الانتظار لمعرفة ما إذا كان هذا الانخفاض في سعر الصرف سينعكس على الأسعار، مشيرًا إلى أنه قد أثر بالفعل على أسعار المواد الغذائية، لكن لم يتضح بعد تأثيره على مواد الإنتاج ومدخلات الإنتاج أو على أسعار العقارات والسيارات والمحروقات.
"الّليرة السورية مهددة بالانهيار مجدداً دون إجراءات حاسمة لدعمها"
كما حذر شعبو من أن الليرة السورية ستعود إلى وضعها السابق، بل وبشكل أسوأ، إذا لم تُتخذ إجراءات تدعمها. وأضاف أن ما يحدث حالياً هو "مجرد تلاعب بالأسعار"، وأن سعر الصرف الحالي "وهمي ومؤقت".
وأوضح أن السوريين متمسكون بالدولار، لأنه يمثل الأمان لهم، بينما فقدت الليرة قيمتها. وأكد أن من غير المنطقي أن تنخفض قيمة الليرة 30% خلال أسبوع، دون أي تغيير حقيقي على الأرض، خاصة أن الأعمال الحربية لم تتوقف بالكامل والمعامل ما زالت متوقفة.
أوضح شعبو أن فترة حكم الأسد كانت تعتمد على طباعة العملة دون رصيد، مما أدى إلى تدهور قيمتها بشكل كامل. مؤكداً أن طباعة العملة يجب أن تتم بمقابل رصيد من الدولار أو العملات الأجنبية أو الذهب لمنحها "القوة" .
"الشعب السوري يعيش تحت خط الجوع"، أكد شعبو أن دخل المواطن السوري لا يتعدى 15 دولاراً شهرياً في أفضل الحالات، في حين أن الحد الأدنى للفقر وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة هو 200 دولار شهريًا، بينما الحد الأدنى للجوع يبلغ 60 دولارًا شهريًا.
اختتم شعبو بالقول إن دعم اللّيرة السورية وتطوير الثقة في مؤسسات الدولة هو السبيل الوحيد لتحقيق استقرار اقتصادي حقيقي، مشدداّ على ضرورة تقليل الاعتماد على الدولار لضمان سيادة الاقتصاد الوطني وتحقيق الفائدة للجميع.