facebook twitter Youtube whatsapp Instagram nabd

تقرير: لبنان يعاني ازمة اقتصادية ومالية الاسوأ في تاريخه

تقرير: لبنان يعاني ازمة اقتصادية ومالية الاسوأ في تاريخه

القبة نيوز- لا يخفى على احد أن لبنان يمر بأزمة اقتصادية ومصرفية هي الاسوأ في تاريخه وقد صنفها البنك الدولي بين الازمات الثلاث الأسوأ في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر.

وبحسب التقرير الاقتصادي الذي اعدته الزميلة أميمة شمس الدين من الوكالة الوطنية للإعلام (ننا) لصالح اتحاد وكالات الانباء العربية (فانا)، عانى لبنان، وما زال، أزمات عدة غير الأزمة الاقتصادية، مثل ازمة كورونا وتلك التي سببها انفجار مرفأ بيروت، إلا أن الأزمة الاقتصادية كان لها الأثر السلبي الأكبر على حياة اللبنانيين.


وعانت الدولة اللبنانية خلال العام الماضي كسادا اقتصاديا كان سببه انكماش النمو في إجمالي الناتج المحلي بنسبة 3ر20 بالمئة بالإضافة إلى وصول معدلات التضخم لأكثر من 100 بالمئة فضلا عن أن سعر صرف الليرة اللبنانية يشهد تدهورا غير مسبوق، ومعدلات الفقر تتزايد بشكل حاد.
وبات أكثر من نصف اللبنانيين تحت خط الفقر، وفقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90 بالمئة من قيمتها أمام الدولار، فيما ارتفعت أسعار المواد الأساسية الى أكثر من 700 بالمئة، لكن المعروف عن الشعب اللبناني انه شعب جبار ينهض من تحت الركام ويقاتل بصبره وايمانه حتى ينفض عنه غبار ما سببته هذه الازمة من انهيار على كل الصعد، ويبقى الامل في ان يعود هذا الوطن الى سابق عهده منارةً للشرق.
وقال الامين العام لاتحاد المصارف العربية وسام فتوح، "ان للازمة التي يعانيها لبنان حاليا، اسبابا عدة ومتشعبة ومتداخلة وطويلة الامد، تمتد الى فترة نهاية الثمانينات وبداية التسعينات، التي شهدت انهياراً في قيمة الليرة اللبنانية، وعجزاً كبيراً في موازنة الدولة، وانكماشاً كبيراً في الناتج المحلي الاجمالي، يضاف الى كل ذلك عجز ضخم في الحساب الجاري".
وحسب فتوح سجل الاقتصاد اللبناني انكماشاً بنسبة 2ر28 بالمئة عام 1988 وبنسبة 2ر42 بالمئة عام 1989 و4ر13 عام 1990، مترافقاً مع عجز في الحساب الجاري بلغ 7ر21 بالمئة و5ر22 بالمئة و2ر39 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي للبلاد على التوالي.
واشار الى ان عجز الموازنة مثّل نسبة 2ر30 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي عام 1990، لذلك، فإنه مع نهاية الحرب الاهلية، كان الاقتصاد اللبناني يعاني تشوهات كبيرة جداً، بالإضافة الى دمار شبه كامل للبنية التحتية والقطاعات الانتاجية الاساسية، فكان من الصعب جداً اعادة بناء البنية التحتية واعادة عجلة الدولة للدوران بالقدرات المحلية فقط.
وبين فتوح انه مع اعادة بناء السلطة السياسية بعد الحرب، وبخاصة مع وصول الرئيس رفيق الحريري الى سدة رئاسة الحكومة، حاملاً مشروعاً كبيراً لإعادة بناء الاقتصاد اللبناني، وتركيزه على اعادة بناء البنية التحتية، بدأت الحكومة اللبنانية بالاقتراض، ولا سيما من الاسواق المحلية، وكانت تستند الى فكرة ان بناء بنية تحتية متطورة هو اساس بناء الاقتصاد وداعم اساسي للقطاع الخاص، وهو ما سيؤدي الى نمو متسارع للناتج المحلي الاجمالي الوطني، واعادة تسديد الدين.
واشار الى أن لبنان شهد طوال العقود الثلاثة التي تلت نهاية الحرب الاهلية احداثاُ داخلية وخارجية ادت الى إضعاف اقتصاده ومنعه من تسجيل معدلات نمو جيدة، وهنا نذكر تحديدا الاحتلال الإسرائيلي الذي استمر حتى ايار عام 2000، حيث شنّت اسرائيل اعتداءات وحروبا متكررة على لبنان وبخاصة في تموز 1993 ونيسان 1996، ومن ثم في تموز 2006، وهو ما ادى الى دمار هائل في البنية التحتية والقطاعات الاقتصادية، وكبدّ الدولة تكاليف ضخمة لإعادة الاعمار.
ولفت فتوح كذلك الى الاختناقات السياسية المتكررة التي شهدها لبنان منذ عام 2005، بالإضافة الى التداعيات الخطيرة للازمة في سوريا منذ عام 2011 وتدفق موجات ضخمة من النازحين السوريين الى لبنان، وقطع خطوط التصدير البرية من لبنان الى الدول العربية عبر سوريا.
وبين ان هذه الاحداث أدت الى خنق الاقتصاد اللبناني، حيث انه باستثناء فترة 1993-1997 وفترة 2008-2010، لم يُسجل الناتج المحلي الاجمالي اللبناني نسب نمو سنوية أكثر من 4 بالمئة، مع الإشارة الى ان النمو الاقتصادي الملحوظ المسجّل بين عاميّ 1993 و1997 كان سببه الطفرة الاقتصادية الكبيرة الناجمة عن إطلاق مشاريع إعادة الاعمار الشاملة وتحديداً في البنية التحتية الذي قامت بها حكومة الرئيس رفيق الحريري.
واوضح ان السبب وراء النمو الكبير بين عاميّ 2008 و2010، يعود للتدفقات المالية الكبيرة الواردة الى لبنان في ظل الازمة المالية العالمية في وقت كان لبنان ينعم بأجواء استقرار سياسي وثقة نقدية ومصرفية عالية.
وقال فتوح "بشكل اساسي، شهد الاقتصاد اللبناني خلال العقد الذي سبق انفجار الازمة الاقتصادية الحالية، تباطؤاً واضحاً في النمو، مع تفاقم العجز في الحساب الجاري، نتيجة لتراجع التدفقات المالية الى لبنان وبدء خروج تدريجي للأموال منه".
واضاف "سجل الحساب الجاري عجزاً بمتوسط سنوي بلغ 4ر24 بالمئة بين عاميّ 2010 و2019، فيما شهدت المؤشرات الاقتصادية الاخرى تراجعاً ملحوظاً، حيث سجل الناتج المحلي الاجمالي متوسط نسبة نمو سنوي 2ر1 بالمئة خلال نفس الفترة وعجز الموازنة متوسط نسبة سنوية 4ر8 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي".
وزاد " فيما زاد الدين العام كنسبة من الناتج المحلي الاجمالي من 8ر136 بالمئة عام 2010 الى 3ر174 بالمئة عام 2019، فيما الاخطر، هو بداية تراجع احتياطات مصرف لبنان الاجنبية من شهر تموز 2018، حيث سجل لأول مرة تراجعاً مستمراً ومتواصلا حتى اليوم".
ورأى ان السياسات الاقتصادية والمالية المعتمدة من قبل الحكومات اللبنانية المتعاقبة، كان ينقصها التخطيط السليم وتحديد الاولويات ووضع الخطط القصيرة، والمتوسطة والطويلة الاجل، بالإضافة الى ضعف الحوكمة في الادارة العامة والانفاق الخارج عن الاصول القانونية الذي فاقم عجز الموازنة العامة وادى الى تزايد الدين العام.
واكد ان لبنان اصبح احد اكثر الدول مديونية حول العالم، مشيرا الى ان الغياب شبه التام للسياسات المالية والاقتصادية لمدة ثلاثين عاماً اجبر مصرف لبنان على توسيع نطاق عملياته، لتتخطى النطاق النقدي الى النطاقين الاقتصادي والمالي.
واوضح ان مصرف لبنان اعتمد حزم دعم مالية كبيرة لعدد من القطاعات الاقتصادية، كالقطاع العقاري، والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، والشركات الناشئة، وشركات التكنولوجيا، وغيرها، بالإضافة الى اعتماد سياسة تثبيت سعر الصرف لدعم القدرة الشرائية للمواطنين من جهة، وتشجيع الايداع والتعامل بالليرة من جهة اخرى.
ولفت فتوح الى ان التراجع المستمر في التدفقات المالية خلال العقد الاخير والعجز المتواصل في ميزان المدفوعات دفعت بمصرف لبنان الى اعتماد هندسات مالية مُكلفة، بهدف كسب الوقت وتحسن وضعية الحساب الجاري للبنان، على أمل بدء الحكومات باعتماد سياسات تساعد في تخفيف الضغط المتزايد على مصرف لبنان الذي توجب عليه كذلك تمويل عجز الموازنة بشكل متواصل، والقطاع المصرفي اللبناني الذي استمر في ضخ الائتمان في الاقتصاد.
وبين ان حجم الائتمان المقدّم من قبل المصارف الى القطاع الخاص المقيم بنهاية عام 2018 وصل لنحو 36 مليار دولار بالإضافة الى تمويل الدولة مباشرة نحو 4ر33 مليار دولار.

واوضح فتوح ان التدفقات المالية الكبيرة الى لبنان (على الرغم من تراجعها خلال السنوات العشر الاخيرة)، قد صبّت بشكل اساسي لدى المصارف اللبنانية، فتضخمت الودائع لديها (من المقيمين وغير المقيمين) في ظل اقتصاد صغير يفتقد الى الفرص التمويلية والاستثمارية الكبيرة جراء النمو الاقتصادي البطيء، وضعف الاستثمار المحلي والاجنبي نتيجة لعدم الاستقرار السياسي والامني، واستشراء الفساد، وتراجع مستوى البنية التحتية، والمعوقات العديدة الاخرى.

وبين ان كل ذلك دفع بالمصارف اللبنانية، بالإضافة الى تمويل الدولة مباشرة والقطاع الخاص المقيم الى ايداع جزء كبير من الودائع لدى مصرف لبنان، ففي شهر تشرين الاول 2019، بلغ حجم ايداعات المصارف اللبنانية لدى مصرف لبنان 3ر154 مليار دولار، الذي قام باستثمار جزء كبير منها في سندات الحكومة اللبنانية بالليرة وبالدولار.
ولفت فتوح الى ان الانهيار الاقتصادي والمالي والنقدي تسارع بعد الاحتجاجات الشعبية عام 2019، وظهور جائحة فيروس كورونا وانفجار مرفأ بيروت العام الماضي ما ادى الى هبوط قيمة الليرة اللبنانية ووصل سعر الصرف حتى اليوم 20000 ليرة للدولار الواحد، والتضخم المفرط وبخاصة الارتفاع الهائل في أسعار المواد الغذائية الاساسية، وفي نُدرة توافر المحروقات، ووصول اكثر من نصف اللبنانيين الى حافة الفقر.
واشار الى ان المصارف اللبنانية كانت من ضمن القطاعات الأكثر تضررا بفعل ازدياد حالات التعثر الناجمة عن تدهور الاوضاع الاقتصادية والركود الكبير الذي يشهده لبنان من جهة، واعلان الحكومة اللبنانية خلال شهر آذار عام 2020 عن التوقف عن دفع استحقاقات الديون من جهة أخرى.
واوضح ان المصارف اللبنانية واجهت انكماشاً كبيراً في السيولة بفعل تراجع كبير في التدفقات المالية من الخارج والايداعات الداخلية، والغياب شبه التام للإجراءات الحكومية الهادفة الى حلّ الازمة.
وقال فتوح "على الرغم من المتطلبات الاضافية لمصرف لبنان بالنسبة لزيادة الرسملة والحسابات الخارجية لدى المصارف المراسلة، تمكنت معظم المصارف وخاصة المصارف الاكبر من تلبية تلك المتطلبات وتعزيز السيولة لديها، عبر اجراءات عدة على رأسها بيع بعض فروعها الخارجية وتحويل الاموال الناجمة عنها الى لبنان".
بدوره، اعتبر الخبير الاقتصادي البروفيسور جاسم عجاقة ان "هذه السنة كانت الاسوأ بالنسبة الى الاقتصاد اللبناني، فمنذ عام 2019 بدأت سلسلة من الكوارث على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والمالي والنقدي حيث ارتفعت نسبة الفقر بشكل كبير جداً اذ بلغت عام 2019 نحو 30 بالمئة، و50 بالمئة العام الماضي، فيما التقديرات تشير الى انها ستصل الى 75 بالمئة خلال العام الحالي 2021 .
ولفت عجاقة الى نسبة الفقر المدقع الذي يعني ان نسبة الدخل اليومي اقل من 9ر1 دولا والذي بلغ عام 2019 نحو 8 بالمئة والعام الماضي وصل الى 23 بالمئة وفي نهاية العام الحالي ستفوق نسبة الفقر المدقع 30 بالمئة.
وقال "بسبب تآكل القدرة الشرائية لم يعد هناك قدرة لدى المواطنين بالحصول على المواد الغذائية التي ارتفعت اسعارها بشكل جنوني وحسب تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، فان اكثر من 77 بالمئة من العائلات اللبنانية ليس لديها القدرة بالاكتفاء غذائياً و 30 بالمئة من الاطفال ينامون وامعاؤهم خاوية وهذا الامر يعني ان الوضع متدهور ويجعلنا على الخارطة الاجتماعية في المنطقة الحمراء ونعاني نقصا حادا في المواد الغذائية، وهذا امر كارثي".
واضاف "اننا مهددون اجتماعياً بأمور اخرى كالمحروقات التي هي عنصر اساسي في الحياة بالإضافة الى ازمة الكهرباء والغاز، وعلى الصعيد الاقتصادي فإن الماكينة الاقتصادية تنقسم الى قسمين الاول يضم من يصدرون الى الخارج وتشمل الصناعيين وقسما من المزارعين، والقسم الثاني الذين يستوردون من الخارج اي التجار".
وعبر عجاقة عن أسفه ان معظم ما تنتجه بلاده سواء من صناعة وزراعة والذي يقدر بنحو 5ر3 مليار دولار يصدر الى الخارج، بالمقابل تستورد كل شيء تقريبا.
وقال "بعد مرور عامين تقريباً على بدء الازمة لم نستطع ان نخفف من استيراد المواد الغذائية وغيرها"، واصفا ذلك بالأمر الكارثي " فلا احد يستثمر والكثير من المواطنين فقدوا اعمالهم بسبب اغلاق الشركات وأزمة المحروقات، وارتفعت نسبة البطالة بشكل كبير وهذا يؤدي الى ارتفاع نسبة الهجرة".
وعلى الصعيد النقدي تحدث عن "التراجع الكبير للعملة الوطنية التي اصبحت رهينة السوق السوداء التي تديرها – ما اسماه - عصابات عابرة للمهن والطوائف"، مشيراً الى ان "حياة المواطن اللبناني اصبحت رهينة الليرة في السوق السوداء التي هي عبارة عن تطبيقات"، متوقعاً "وجود خلفيات سياسية وراء تلك التطبيقات بالإضافة الى عمليات الاحتكار وعمليات التهريب التي تنقل الدولارات خارج الماكينة الاقتصادية اللبنانية".
اما عن السيناريوهات المطروحة لحل الازمة في لبنان، قال عجاقة انها تتمثل بالإسراع في تأليف حكومة أولا واعطائها الثقة مباشرة لتضع خطتها وتقوم بمفاوضات مع صندوق النقد الذي يقوم بدعمها وعندها يستعيد الاقتصاد اللبناني والقطاع المصرفي عافيتهما"، مشيراً الى ان "هذا الامر سيتم بسرعة كبيرة وبالتالي سيشعر المواطن بالفرق في فترة قليلة قد تقاس بالأشهر".
واضاف "هذا السيناريو الايجابي والتفاؤلي ممكن تحقيقه تقنياً، اما اذا لم تتألف الحكومة فنحن ذاهبون الى وضع اقتصادي اجتماعي مالي ونقدي كارثي وهذا سيؤدي الى ردات فعل على الارض"، مؤكدا ان هذا الامر ليس من مصلحة احد.
واشار الى ضرورة وضع خطة طريق واضحة ويجب ان يكون هناك شبكة امان اجتماعي وان تتحمل الدولة مسؤولياتها تجاه مواطنيها وتعمل على تأمين المواد الغذائية والحياة الكريمة التي تنص عليها شرعة حقوق الانسان.
واكد ضرورة استقطاب استثمارات خارجية بالاقتصاد والبنى التحتية بالدرجة الاولى، وتشجيع القطاعات عبر خطة اقتصادية للتخفيف من التعلق بالخارج من خلال انتاج السوق المحلية وتشجيع السياحة، واعادة هيكلة ديون الدولة من دون اقتطاع، حيث ان قسما كبيرا منه دين داخلي ووقف دفع سندات اليوروبوند كان خطأً كبيراً.
وقال "الليرة اللبنانية هي العنصر الاساسي في الاستقرار الاجتماعي واذا لم نفرض الثبات النقدي المصطنع اقله في هذه المرحلة الى ان يستعيد الاقتصاد عافيته وعندها يصبح لدينا ثبات نقدي طبيعي من خلال الاقتصاد، الازمة لا يمكن ان تحل وهذا الامر يتطلب اجراءات تقنية لضمان حصول تثبيت سعر العملة الوطنية".
واكد عجاقة ان كل الدول التي عانت ازمات اقتصادية مماثلة للازمة اللبنانية تخطتها بتضافر عوامل كثيرة اهمها محاربة الفساد وايجاد خطة ورؤية اقتصادية واضحة تتفق عليها مختلف الاطراف، موضحا ان الاسراع في تأليف حكومة في البلاد يعجل الحلول فيستعيد لبنان دوره الاقتصادي الرائد في الشرق.
-- (بترا وفانا)


تابعوا القبة نيوز على
 
جميع الحقوق محفوظة للقبة نيوز © 2023
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( القبة نيوز )
 
تصميم و تطوير