متحف اخفض بقعة على الأرض .. قصة صامتة يحكيها الغبار والاهمال (صور)
القبة نيوز - روى مدير مديرية المتاحف في دائرة الآثار العامة سابقا، تمّام الخصاونة مشاهدته "متحف أخفض بقعة على الأرض" القابع على سفح الجبل الذي يحوي كهف النبي لوط عليه السلام، واصفه بالمتحف الكئيب الذي يشكو وجعه بصمت دون آذان تسمع.
وانتقد الخصاونة حجم الاهمال الذي يعانيه المتحف بعد 10 سنوات من افتتاحه، بعد أن كان بهيا زاهيا.
المتحف يحكي قصة غور الأردن بشكل عام، وقصة منطقة عين عباطة وغور الصافي بشكل خاص، ويتناول الحضارات التي تعاقبت على المنطقة، كما يحكي قصة إبداع الأردنيين اللذين قطنوا منطقة خربة الشيخ عيسى وبدايات تصنيع السكر في العالم، ويحتوي قطع أثرية نادرة اصبحت مهددة بالتلف.
وتاليا ما كتبه الخصاونة:
اليوم وخلال عودتي من العقبة باتّجاه عمّان، لم أستطع منع نفسي من المرور على "متحف أخفض مكان على الأرض" القابع على سفح الجبل الذي يحوي كهف النبي لوط عليه السلام...
ولمن لا يعرف المتحف فقد تم افتتاحه في العام 2011 بعد أن بقي لمدة تزيد عن الخمسة أعوام غير مكتمل التجهيز، ولعلّي أمتلك حقاّ بأن أفتخر أنني قدمت الكثير من وقتي وجهدي وخبرتي لتجهيزه أثناء عملي كمدير لمديرية المتاحف في دائرة الآثار العامة، فتم افتتاحه في أقل من عام....
يحكي المتحف قصة غور الأردن بشكل عام، وقصة منطقة عين عباطة وغور الصافي بشكل خاص، ويتناول الحضارات التي تعاقبت على المنطقة، كما يحكي قصة إبداع الأردنيين اللذين قطنوا منطقة خربة الشيخ عيسى وبدايات تصنيع السكر في العالم.
تمنّيت لو أنني مضيت في رحلتي شمالاً ولم أدخل إلى المتحف، إذ أن ما رأيته خلال زيارتي أوجعني جداً، ولم أتخيل أبداً أن متحفاً بهذا القدر من الأهمية قد يصبح يوماً في هذه الحالة السيئة...
لعل ما سأكتبه لن يرضي الكثير ممن سيشعرون بمسؤوليتهم تجاه الإهمال الذي يعانيه المتحف، ولا شك أن بعضهم سيهاجمني على ما سأقول لأنه لا يملك إلا الهجوم الفارغ، ولأنه يعلم حجم التقصير.. إلا أنني أخاطب في كلامي هذا كل غيور على تاريخ وإرث بلده، ولا أنظر لمن يأخذ هذه المسألة بشكل شخصي..
بداية: عند دخولك للمتحف ستتفاجأ أن حرارة قاعات العرض تساوي أو أكثر للحرارة الخارجية، فلا أنظمة تكييف تعمل ولا اهتمام بما تتعرض له المعروضات من تقلب في الحرارة في منطقة نعرف كلّنا أنها ذات حرارة عالية، ولمن لا يعرف، فإن بعض المعروضات مصنوعة من مواد عضوية وتتأثر بشكل هائل بتقلبات الحرارة، مما يؤدي إلى تلفها بشكل سريع.
من ضمن ما يعرض مومياء لسيدة نبطية تحتضن طفلها كما هو مبين في الصور، وبإمكان أي زائر أن يرى مدى تأثرها بالعوامل الجوية غير المناسبة لعرضها وحفظها، ناهيك عن الأقمشة النبطية الملونة والمزخرفة والنادرة جداً والتي عثر عليها في خربة قازون. أكاد أجزم أننا لو جربنا تحريك قطعة من هذه القطع الثمينة ستسقط بين يدينا غباراً نظراً لتعرضها لهذا القدر من الحرارة والإضاءة القاتلة..
أعلمني أحد العاملين في المتحف والذي استغرب وجودي فلحق بي إلى الداخل، أن أنظمة المتحف معطلةً منذ أكثر من عامين..
تفاجأت أن ساحة المتحف الخلفية مزروعة بالخلايا الشمسية!! أفلا نصلح عطل الأنظمة إن كانت الكهرباء متوفرة؟ أم أن الخلايا أيضاً معطلة؟ لا جواب عندي!
كما لن تغفل كزائر لعدم الاهتمام لنظافة المتحف ولتعطل أجهزة الحماية فيه عند دخولك، ناهيك عن عدم وجود أي موظف استقبال عند المدخل، هذا غير اللوحة الإلكترونية المعطلة وغير المفهوم الغاية منها عند الباب.
علاوة على أن لا أحد في استقبال أي زائر.. فالمتحف مشرّعة أبوابه وعند اصطفافك في ساحته ستشعر أن المكان هجر منذ زمن.. حتى لوحته عند المدخل يأكلها الصدأ ولا تقرأ..
أما عن افتقار المكان وخصوصاً المدخل للنظافة فحدث ولا حرج.. فالجدران تملؤها آثار أقدام البشر اللذين يعتقدون أن الجدران وجدت للاتّكاء عليها فتركوا لنا آثارهم تملأ الجدران.
أذكر أن المتحف كان يحتوي على دكان لبيع منتجات سيدات المنطقة في محاولة لخلق فرص عمل لهنّ وإضافة دخل يساعدهنّ على تحمل عناء الحياة، لكن تحول الدكان إلى رفٍّ صغير جداً يعرض أشياء لا تعكس روح وعبق المكان والسيدات..
فوق ذلك كله، فإن اللوحات التي تشرح المعروضات غير مرتبةٍ كما يجب داخل خزائن العرض، إضافة إلى أن اللوحات الرئيسية الكبيرة ما عادت تملك أي لون.. فقد أهلكتها الشمس ومحت ألوانها..
الغبار على الخزائن يحكي قصةً صامتة.. قصةً يبدو أنها بدأت منذ زمن كافٍ لتراكمها..
كل الأبواب مفتوحة حيث لن تعلم أنت كزائر أين تنتهي جولتك..
وغرفة عرض الفيديو معتمة والأسلاك مترامية والشاشة مطفأةٌ بائسة كبؤس المكان..
الأرضية الفسيفسائية التي كلفت ولاء من عملوا بها باهتةٌ ولا يظهر من معالمها إلا بياض الغبار..
متحف كئيبٌ يشكو وجعه بصمت دون آذان تسمع..
حجم الألم عند زيارة هذا المتحف لا يمكن اختزاله ببضعة سطور على مواقع التواصل.. فأين نحن؟ سؤالٌ برسم الإجابة الموقوفة مع سبق الإصرار..
أخاطب اليوم أصحاب القرار ممن هم غيورون على تاريخنا إن وجدوا..
إن كنتم لا تملكون الخبرة والدراية الكافية لإدارة وحفظ تاريخنا، فحريٌّ بكم إغلاق المتحف.. لا لشيء ولكن حرصاً على تاريخنا الموضوع هناك برسم الضياع..
إن كنتم غير قادرين على استدامة المكان، فالأولى بكم إغلاقه وحفظ إرثنا بمستودعاتكم التي أعلم علم اليقين أنها غير مؤهلةٍ، ولكنها ستكون أرحم بهذا التاريخ من متحفكم الموجوع..
إن كنتم لا تملكون الخبرة الكافية لحفظ تراثنا وتاريخنا فلتعترفوا أنكم وبإهمالكم تضيعون تاريخاً سيحاسبكم عليه أبنائي وأبناؤكم..
وأناشد هنا كل ذي حبٍّ لوطنه ولتاريخه ولإرثه..
رفقاً بمن يأسى ورفقاً بمن يتوجع من تقصيركم بحق وطنكم وإرثه العميق..
وانتقد الخصاونة حجم الاهمال الذي يعانيه المتحف بعد 10 سنوات من افتتاحه، بعد أن كان بهيا زاهيا.
المتحف يحكي قصة غور الأردن بشكل عام، وقصة منطقة عين عباطة وغور الصافي بشكل خاص، ويتناول الحضارات التي تعاقبت على المنطقة، كما يحكي قصة إبداع الأردنيين اللذين قطنوا منطقة خربة الشيخ عيسى وبدايات تصنيع السكر في العالم، ويحتوي قطع أثرية نادرة اصبحت مهددة بالتلف.
وتاليا ما كتبه الخصاونة:
اليوم وخلال عودتي من العقبة باتّجاه عمّان، لم أستطع منع نفسي من المرور على "متحف أخفض مكان على الأرض" القابع على سفح الجبل الذي يحوي كهف النبي لوط عليه السلام...
ولمن لا يعرف المتحف فقد تم افتتاحه في العام 2011 بعد أن بقي لمدة تزيد عن الخمسة أعوام غير مكتمل التجهيز، ولعلّي أمتلك حقاّ بأن أفتخر أنني قدمت الكثير من وقتي وجهدي وخبرتي لتجهيزه أثناء عملي كمدير لمديرية المتاحف في دائرة الآثار العامة، فتم افتتاحه في أقل من عام....
يحكي المتحف قصة غور الأردن بشكل عام، وقصة منطقة عين عباطة وغور الصافي بشكل خاص، ويتناول الحضارات التي تعاقبت على المنطقة، كما يحكي قصة إبداع الأردنيين اللذين قطنوا منطقة خربة الشيخ عيسى وبدايات تصنيع السكر في العالم.
تمنّيت لو أنني مضيت في رحلتي شمالاً ولم أدخل إلى المتحف، إذ أن ما رأيته خلال زيارتي أوجعني جداً، ولم أتخيل أبداً أن متحفاً بهذا القدر من الأهمية قد يصبح يوماً في هذه الحالة السيئة...
لعل ما سأكتبه لن يرضي الكثير ممن سيشعرون بمسؤوليتهم تجاه الإهمال الذي يعانيه المتحف، ولا شك أن بعضهم سيهاجمني على ما سأقول لأنه لا يملك إلا الهجوم الفارغ، ولأنه يعلم حجم التقصير.. إلا أنني أخاطب في كلامي هذا كل غيور على تاريخ وإرث بلده، ولا أنظر لمن يأخذ هذه المسألة بشكل شخصي..
بداية: عند دخولك للمتحف ستتفاجأ أن حرارة قاعات العرض تساوي أو أكثر للحرارة الخارجية، فلا أنظمة تكييف تعمل ولا اهتمام بما تتعرض له المعروضات من تقلب في الحرارة في منطقة نعرف كلّنا أنها ذات حرارة عالية، ولمن لا يعرف، فإن بعض المعروضات مصنوعة من مواد عضوية وتتأثر بشكل هائل بتقلبات الحرارة، مما يؤدي إلى تلفها بشكل سريع.
من ضمن ما يعرض مومياء لسيدة نبطية تحتضن طفلها كما هو مبين في الصور، وبإمكان أي زائر أن يرى مدى تأثرها بالعوامل الجوية غير المناسبة لعرضها وحفظها، ناهيك عن الأقمشة النبطية الملونة والمزخرفة والنادرة جداً والتي عثر عليها في خربة قازون. أكاد أجزم أننا لو جربنا تحريك قطعة من هذه القطع الثمينة ستسقط بين يدينا غباراً نظراً لتعرضها لهذا القدر من الحرارة والإضاءة القاتلة..
أعلمني أحد العاملين في المتحف والذي استغرب وجودي فلحق بي إلى الداخل، أن أنظمة المتحف معطلةً منذ أكثر من عامين..
تفاجأت أن ساحة المتحف الخلفية مزروعة بالخلايا الشمسية!! أفلا نصلح عطل الأنظمة إن كانت الكهرباء متوفرة؟ أم أن الخلايا أيضاً معطلة؟ لا جواب عندي!
كما لن تغفل كزائر لعدم الاهتمام لنظافة المتحف ولتعطل أجهزة الحماية فيه عند دخولك، ناهيك عن عدم وجود أي موظف استقبال عند المدخل، هذا غير اللوحة الإلكترونية المعطلة وغير المفهوم الغاية منها عند الباب.
علاوة على أن لا أحد في استقبال أي زائر.. فالمتحف مشرّعة أبوابه وعند اصطفافك في ساحته ستشعر أن المكان هجر منذ زمن.. حتى لوحته عند المدخل يأكلها الصدأ ولا تقرأ..
أما عن افتقار المكان وخصوصاً المدخل للنظافة فحدث ولا حرج.. فالجدران تملؤها آثار أقدام البشر اللذين يعتقدون أن الجدران وجدت للاتّكاء عليها فتركوا لنا آثارهم تملأ الجدران.
أذكر أن المتحف كان يحتوي على دكان لبيع منتجات سيدات المنطقة في محاولة لخلق فرص عمل لهنّ وإضافة دخل يساعدهنّ على تحمل عناء الحياة، لكن تحول الدكان إلى رفٍّ صغير جداً يعرض أشياء لا تعكس روح وعبق المكان والسيدات..
فوق ذلك كله، فإن اللوحات التي تشرح المعروضات غير مرتبةٍ كما يجب داخل خزائن العرض، إضافة إلى أن اللوحات الرئيسية الكبيرة ما عادت تملك أي لون.. فقد أهلكتها الشمس ومحت ألوانها..
الغبار على الخزائن يحكي قصةً صامتة.. قصةً يبدو أنها بدأت منذ زمن كافٍ لتراكمها..
كل الأبواب مفتوحة حيث لن تعلم أنت كزائر أين تنتهي جولتك..
وغرفة عرض الفيديو معتمة والأسلاك مترامية والشاشة مطفأةٌ بائسة كبؤس المكان..
الأرضية الفسيفسائية التي كلفت ولاء من عملوا بها باهتةٌ ولا يظهر من معالمها إلا بياض الغبار..
متحف كئيبٌ يشكو وجعه بصمت دون آذان تسمع..
حجم الألم عند زيارة هذا المتحف لا يمكن اختزاله ببضعة سطور على مواقع التواصل.. فأين نحن؟ سؤالٌ برسم الإجابة الموقوفة مع سبق الإصرار..
أخاطب اليوم أصحاب القرار ممن هم غيورون على تاريخنا إن وجدوا..
إن كنتم لا تملكون الخبرة والدراية الكافية لإدارة وحفظ تاريخنا، فحريٌّ بكم إغلاق المتحف.. لا لشيء ولكن حرصاً على تاريخنا الموضوع هناك برسم الضياع..
إن كنتم غير قادرين على استدامة المكان، فالأولى بكم إغلاقه وحفظ إرثنا بمستودعاتكم التي أعلم علم اليقين أنها غير مؤهلةٍ، ولكنها ستكون أرحم بهذا التاريخ من متحفكم الموجوع..
إن كنتم لا تملكون الخبرة الكافية لحفظ تراثنا وتاريخنا فلتعترفوا أنكم وبإهمالكم تضيعون تاريخاً سيحاسبكم عليه أبنائي وأبناؤكم..
وأناشد هنا كل ذي حبٍّ لوطنه ولتاريخه ولإرثه..
رفقاً بمن يأسى ورفقاً بمن يتوجع من تقصيركم بحق وطنكم وإرثه العميق..