هل حقًا يمكننا الخروج من الشبكات الاجتماعية ؟
القبة نيوز - التطبيقات والمواقع التي تنتشر يومًا تلو الآخر والتي يطلق عليها مفهوم الشبكات الاجتماعية، كانت ولا تزال تحدث تغييرات كبيرة في مجتمعاتنا، قد لا تكون هذه التغييرات واضحة أمام أعين الناس، وقد يرى البعض بأن هذه الشبكات الاجتماعية هي مجرد أدوات تسهل عملية التواصل الاجتماعي والحصول على الأخبار، لكن الواقع بأن الدور الذي تلعبه هذه الشبكات خطير والتغييرات الكبيرة التي تحدثها في المجتمعات لا يستهان بها، وهنا سنوضح بعض هذه التغييرات التي كان لها التأثير على معظم الأفراد في مختلف المجتمعات. اليوم أكثر من نصف سكان الأرض يستخدمون الشبكات الاجتماعية.
مشاكل الشبكات الاجتماعية مع التقدم التقني، توافرت وسائل التواصل الاجتماعي مع الجميع، ورغم إيجابيات هذه الوسائل أحيانًا، إلا أنها سلاح ذو حدين. فالإفراط في استخدام الشبكات الاجتماعية أو استخدامها بشكل خاطئ يتسبب في الكثير من الأضرار النفسية والاجتماعية والصحية على الصغار والكبار، ومنها:
العزلة تناقض عجيب بأن تكون الشبكات التي من المفترض أنها تجمعنا هي نفسها أداة لتضعييف العلاقات الاجتماعية، ولفهم هذا، يجب أن نفرق أولًا بين التواصل بين الأفراد وبين العلاقات الاجتماعية بمفهومها الواسع، فالتواصل هو وسيلة من وسائل تقوية العلاقات الاجتماعية في المجتمع، لكن الترابط الإجتماعي مفهوم أوسع بكثير ولا يقتصر فقط على التواصل. كذلك يجب فهم التواصل بشكل جيد، فالتواصل الذي يتم عبر الحياة الافتراضية هو تواصل يكاد يكون خاليًا من المشاعر المتدفقة لانه تواصل تنعدم فيه لغة العيون ولا تظهر به تقاسيم الوجه. التواصل الإلكتروني تواصل جاف جامد، يكاد يناسب الروبوتات الآلية أكثر من الإنسان.
فمثلًا عندما ترى أحد الأصدقاء في الفيس بوك يكتب عن وفاة أحد أقربائه، تجد سيلًا من الردود المتشاهبة أو المتطابقة، كلمتين أو ثلاث كلمات متكررة وكأنه روبوت يقوم بتكرار تلك الكلمات في تلك التعليقات لكن بأسماء مختلفة. فرق كبير بين تلك التعليقات المتبلدة وبين صوت الإنسان المليئ بالمشاعر والأحاسيس عندما يعزي صديقه باتصال، وفرق أكبر بينه وبين تلك العيون الحزينة والتعبيرات المتعطافة التي تظهر في الوجه عندما يعزي الصديق صديقه بنفسه.
إن التواصل ليس فقط بالكلمات، فالكلمات لا تصنع تواصلًا، الكلمات تنقل المعلومة كمعلومة جافة، فهي لاتنقل الأحاسيس والمشاعر المصاحبة لتلك الكلمات ولا النظرات وغيرها، لذلك فتلك الشبكات وسيلة سيئة للتواصل بين الناس، رغم أنها قد سهلت في مجال التواصل العملي والمهني.
كذلك من الأمثلة حين ترى اجتماع الأهل في البيت على طاولة الطعام، لكن في نفس الوقت ترى كل شخص منشغل مع هاتفه في الواتساب أو تويتر أو غيرها من التطبيقات الأخرى، تراه مهتمًا بالتواصل الافتراضي مع البعيدين وإهمال التواصل الحقيقي من القريبين، وقد لا يجيب الإبن أباه في نفس المجلس إلا إذا أرسل له عبر الواتساب، وهذه مشكلة حقيقية.
هدر الوقت وهي مشكلة أغلب المستخدمين، فأحيانًا تقوم بالدخول إلى صفحتك الرئيسية في شبكة من شبكات التواصل الاجتماعي لرؤية شيء محدد كأن تقرأ رسالة أو تتأكد من اسم شخص أو غير ذلك، لكنك عندما تفتح الصفحة الرئيسية وخاصة في الفيسبوك أو الانستاجرام، تبدأ بقراءة المنشور الأول الظاهر لديك في الصفحة من باب الفضول، ثم تنزل إلى الذي تحته، ثم تنزل أكثر وتقرأ أكثر اعتقادًا منك بوجود شيء قد يكون هامًا، ثم … إلى أن تتفاجأ بأنك قد أمضيت ساعة أو اكثر وأنت تنتقل من منشور إلى آخر.
مشكلة ضياع الوقت تؤثر على حياة الشخص وإنجازاته ونشاطه. فبالرغم من كون هذه الشبكات وسيلة جيدة، إلا أن استعمالها بشكل غير محكم ومنظم قد يؤدي إلى إهدار الكثير من الوقت يوميًا في صفحات تلك المواقع وبداخل تطبيقاته بلا فائدة تذكر، فساعة واحدة في اليوم قد لا تؤثر، لكن ساعة واحدة كل يوم سوف تؤثر على المدى الطويل وخاصة لأولئك الذين لديهم أهداف محددة ويسعون بجدية لتحقيقها، فهم بالتأكيد يشعرون بهذه المشكلة لأن وقتهم ثمين.
حب الذات حب النفس بدرجة كبيرة أو ما يسمى بالنرجسية هي أحد إحدى مشاكل مواقع التواصل الاجتماعي. كل شخص يحب نفسه بدرجات متفاوته، لكن عندما يزيد هذا الحب ويطغى على شخصية الانسان وتصبح جميع اهتماماته وأنشطة متمحورة حول نفسه، حينها يصاب بلعنة حب الذات. هذه المنصات المخصصة للكتابة والتعبير عن الرأي قد تستدرج الشخص إلى التفاخر بآرائه وكتاباته تدريجيًا إلى أن تجعل منه كائنًا نرجسيًا.
هل تساءلت يومًا لماذا الفيس بوك يضع إمكانية الإعجاب بالمنشور ولم يضع إمكانية عدم الإعجاب؟
السبب هو أن تلك الإعجابات تشجع المستخدم أن يكتب أكثر كلما رأى عدد الإعجابات يزيد، وكلما زادت الكتابة وزاد التفاعل كان هذا أفضل لتلك المواقع في جلب مكاسب أكثر، لكن إذا كانت خاصية عدم الإعجاب موجودة فسوف يقلل هذا من نشاطهم عند عدم الإعجاب بما يكتبون.
عندما يصبح هدف الشخص زيادة عدد الاعجابات والتعليقات الايجابية، ويصبح هذا هو الدافع الأساسي لما يكتب أو ينشر، وتصبح حالته النفسية وراحته متعلقة بهذه الأشياء، فلقد جعل من نفسه كائنًا نرجسيًا.
فقدان موثوقية المصادر في عالم الشبكات الاجتماعية تغيب المصادر الموثوقة وحقوق الملكية الفكرية، فتجد أحدهم يكتب منشورات مميزة تجذب الآلاف من المعجبين كل مرة، لكن يتضح أنه كان ينسخها من مواقع أومصادر خارجية، أو يأخذ أي صورة ويضعها في منشوره كي يجذب مئات الإعجابات دون أن يتحقق من رخصة استعمال تلك الصورة.
المشكلة الأكبر عندما تغيب ثقافة كتابة المصادر. فانتشار الأخبار الكاذبة كالنار في الحطب في هذه المواقع، وخاصة تلك الأخبار المثيرة والحساسة. فقد يكتب أحدهم وجهة نظره حول قضية معينة، فتجد العشرات يكتب وجهة النظر تلك عبر صفحاتهم، لكن مع بعض التغييرات، ثم يكتب المئات عن أولائك العشرات، ثم تأتي بعض المواقع الإخبارية على شبكة الانترنت فتنشر ذلك الرأي على أنه خبر أكيد، لكنه قد حُرّف وعُدّل قليلًا حتى تحول من مجرد رأي إلى خبر وواقع، وعندما يغيب المصدر تغيب الحقيقة، فلا يتمكن المتابع أو القارئ من الوصل إلى مصدر الخبر كي يتأكد بنفسه، فلو أن كل شخص كتب المصدر الذي نقل منه لتمكن المتابع أن يصل إلى الشخص الأول الذي نشر الخبر للتأكد من مصداقيته.
كذلك من الأشكال السلبية المشهورة في الفيس بوك على وجه الخصوص هو نسخ منشورات الآخرين وإعادة نشرها مع ذكر اسم صاحب المنشور الأصلي تحت المنشور أحيانًا. لكن هذا لا يكفي لأن الفيس بوك قد اخترع خاصية المشاركة، فإذا أعجبك الكلام فيمكنك عمل مشاركة في صفحتك وإضافة تعليقك عليه عند نشره، بهذه الطريقة تحفظ حقوق الآخرين وتجلب المصدر بأكمله للقارئ، أما أن تحصد الشهرة بواسطة مجهولين آخرين وأفكارهم، فهذا ليس منطقيًا.
الشبكات الاجتماعية أثر مواقع التواصل الاجتماعي على الانسان لمواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات اليوم مشاكل كثيرة، وقمنا بذكر أهمها. لكن لهذه المواقع والتطبيقات آثار سلبية على صحة الانسان، نذكر منها:
الصحة البدنية القليل من يعلم بأن كثرة استخدام وسائل التواصل المعروفة تؤثر على صحة الإنسان، وأثبتت ذلك دراسة قامت في جامعة ميلان بإيطاليا بأن قضاء ساعات طويلة أمام الهاتف لها تأثير سلبي على مناعة الإنسان مما يتسبب في الإصابة بالأمراض المناعية. كذلك ذكرت المجلة الطبية The Journal of School Nursing إلى أن استخدام الإنترنت لأكثر من 14 ساعة يوميًا قد يعرض الأشخاص إلى الإصابة بارتفاع ضغط الدم.
الانتاجية أصبحت تطبيقات الشبكات الاجتماعية اليوم ضرورة تربط بين الأفراد والعالم الافتراضي للحصول على المعلومات والأخبار بطريقة مبتكرة، بالإضافة إلى تعزيز الجانب الترفيهي لها، إلى أن باتت اليوم أصابع اليد هي من تنطق بلغة التواصل بين بشرٍ مطأطئي الرؤوس على أجهزتهم لمتابعة كل ما هو جديد أو مواصلة أحاديث لا تنتهي بينهم، وهذا من شأنه أن يقلل فاعليتهم وانتاجيتهم في أعمالهم.
أين الأطفال…؟ مواقع التواصل الاجتماعي مواقع ذات خطورة على الجميع بشكل عام، لكنها أكثر خطورة على الأطفال نظرًا لقلة خبراتهم وعدم تمييزهم الخطأ من الصواب في كثير من الأحيان، ومن مشاكلها:
تعرضهم للإساءة والتنمر، وهو الأمر الأخطر لوجودهم في بيئة افتراضية ينعدم فيها وجود من يصد عنهم ما يتعرضون له من إساءة وتنمر كالأهل أوالمعلم في المدرسة. وصولهم إلى محتويات مسيئة بالآداب كالمواقع الإباحية وغيرها. قيام الأطفال بنشر فيديوهات وتسجيلات غير مناسبة نتيجة لقلة وعيهم، وهو الأمر الذي قد يعود عليهم بالضرر. يمكن لوسائل التواصل الاجتماعية أن تتسبب بتعرّض الأطفال لمشاكل عديدة مثل تدني الدرجات الدراسية والقلق المستمر وقلة احترام الذات.
هل حقًا يمكننا الخروج من الشبكات الاجتماعية؟ لم لا؟
ذكر المؤلف ومهندس الحاسوب كال نيوبورت على موقع تيد بأنه لا يمتلك أي حساب على وسائل التواصل الاجتماعي، بل ويدعو إلى ما أسماه بالتخلص من السموم الرقمية. فبرأيه أن وسائل التواصل الاجتماعي ليست تقنية ضرورية أبدًا، بل هي وسيلة تستخدم بعض أساسيات التكنولوجيا للعمل، وفي حقيقتها أنها منتج ترفيهي، تركه يجلب الاستقرار والسعادة والنجاح على المستوى العملي.
وهناك شيئان يقِرّهما كال في عالم لا يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي:
حياة أكثر إنتاجية، فقد قام بتأليف خمسة كتب وهو محاضر في معهد للبحوث. وسبب نجاحه في ذلك هو احترامه للوقت وحفاظه على مستوى تركيزه أثناء العمل ومنعه مشتتات الانتباه. السلام وقت الفراغ، حيث كان يقرأ الجريدة وقت شروق الشمس، يستمع لمباريات البيسبول بالراديو، يجلس لحظات مع نفسه، ويقرأ كتاب في الليل بعد نوم أطفاله، وهنا يكون الراحة والاستقرار.
التخلص من السموم الرقمية أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي جزءًا هامًا في حياتنا، ولكنها تكون مشكلة كبيرة في حياة بعض الأشخاص، فهي تكسب الشخص العادات السيئة عند الاستخدام المفرط لها، وتعدّ من أهم المشاكل التي تواجه العاملين والموظفين وتعيقهم عن تنفيذ أعمالهم ومهامهم. فإذا كنت تنهض صباحًا وتفكر مباشرة بالدخول لمواقع التواصل الاجتماعي المختلفة كالفيس بوك وغيرها، أو تفعل المثل قبل الذهاب للنوم، إذن فأنت مدمن بلا شك. لكن لا داعي للقلق، فهناك العديد من النصائح والخطوات التي تساعدك على التخلّص من ذلك، نذكر منها:
تنظيم الوقت كي لا تدمن مواقع التواصل الاجتماعي عليك تنظيم وقتك واتباع بعض القواعد الصارمة، ومنها:
تحديد مرة واحدة في اليوم للدخول إلى هذه المواقع، والأفضل أن يكون لها وقتًا محددًا بعد الانتهاء من الأعمال الأساسية. إذا كنت تدخل على موقع الفيسبوك وتويتر عشوائيًا، يجب عليك أن تنهي هذه العشوائية لأنه وبالتأكيد هناك ما هو أهم فعله في حياتك. حدد يومًا واحدًا في الأسبوع تمنع به نفسك من دخول الانترنت، فذلك يعلمك أن تتحكم بنفسك بشكل أكبر. أعط أولوياتك للحياة الاجتماعية الواقعية، واخرج مع أصدقائك أو أقربائك.
تعلم مهارةً أو شيئًا جديدًا عليك أن تفكر في بعض الأمور المفيدة عوضًا عن إضاعة الوقت. فمعظم الناس ليس لديهم عمل ليفعلوه، فيقضون وقتهم أمام وسائل التواصل الاجتماعي. يمكنك مثلاً تعلم لغة جديدة، ممارسة التمارين الرياضية، قراءة كتاب جديد، الاشتراك في نادٍ رياضي أو غيرها من الأنشطة المفيدة التي تغذي عقلك أو جسمك.
ضع قائمة مهام! إذا أحسست بأن مواقع التواصل الاجتماعي تلهيك وتبعدك عن الحياة الاجتماعية، فيجب أن تضع قائمة بأشياء تعيد إليك حياتك، مثل قضاء مزيد من الوقت مع العائلة والأصدقاء، قراءة الكتب، ممارسة الرياضة، وزيادة المعرفة والمهارات المهنية.
أمور مساعدة إذا لم تكن قادرًا على الالتزام بالنصائح والحلول التي ذكرت أعلاه، فهناك طرق أخرى لمساعدتك، ومنها:
قم بتحميل أحد التطبيقات التي تحدد أو تحظر استخدام بعض المواقع الالكترونية، وقم بتفعيلها لمدة معينة. يمكنك أيضًا حذف تطبيقات مهدرة للوقت والتفكير كالفيسبوك وتويتر مثلًا. قم بمتابعة مواقع التعليم الذاتي والتي يمكنك من خلالها اتباع دورات كاملة في أي مجال ترغب به، ومن هذه المواقع على سبيل المثال: منصة إدراك وغيرها الكثير.
علينا أن نعلم جميعنا أن المشكلة الأساسية ليست في مواقع التواصل بحد ذاتها، وإنما في أولئك الذين يفرطون في استخدامها بشكل ينعكس ويتحول إلى الإدمان مع مرور الوقت، وهو الأمر الذي يسبب ضرر ومشاكل نفسية وصحية على الإنسان. ناهيك عن الأثر الذي يتركه هذا النوع من الإدمان على الأطفال.
السؤال الآن … كم ساعة تقضي وقتك "بعيدًا عن وسائل التواصل الاجتماعي”؟ وهل هناك نصائح أخرى تثري هذه التدوينة؟ شاركنا رأيك.