الفلسفة.. مشروع الدولة الثقافي لإعادة بناء معارف وقدرات الشباب في مئويتها الثانية
القبة نيوز- مع قرب دخول الدولة الأردنية مئويتها الثانية، تركز الدولة في مشروعها الثقافي القادم على بناء معارف الشباب الأردني من خلال تراث الفلسفة الانسانية، وانتاجها المعاصر من مختلف المدارس، لتزويدهم بالمفاهيم الاساسية، وتطوير قدراتهم، إضافة إلى جملة من الأهداف التي تسعى وزارة الثقافة الى تحقيقها من خلال إعادة الاعتبار للفلسفة عبر إصدار سلسلة "الفلسفة للشباب"، ومن المتوقع إطلاقها الشهر المقبل.
ومن بين هذه الأهداف، تعزيز قدرة الشباب على استلهام قيم الدولة الأردنية المعاصرة المتمثلة في الاستمرارية والوسطية والاعتدال والتوازن الاجتماعي واحترام التنوع الثقافي وغيرها، وتعزيز قدراتهم على فهم الاختلاف واحترامه، وخلق التوافق بين الافراد والجماعات، وتطوير قدرات الشباب على التفكير المستقل القائم على التحليل والتفسير والنقد، واستخدام ادوات واساليب التفكير الناقد في حياته اليومية، وتأهيل وعيهم لمواجهة المشكلات المعاصرة مثل العنف والتطرف والهروب والاغتراب الثقافي وغيرها.
هذه السلسلة "الفلسفة للشباب" التي ستكون على شكل كتب ورقية ورقمية ومواد سمعية ستقدم بلغة واسلوب مبسط، ما يمكن الشباب فهمها، تأتي في ظل ازدياد انتشار ادوات نشر المعلومات السطحية وسهولة الوصول اليها وازدياد حركات التطرف الديني والثقافي والحركات الشعبوية، وتراجع المعرفة وضعفها.
وزير الثقافة الدكتور باسم الطويسي، قال لوكالة الأنباء الاردنية (بترا) "إن سلسلة "الفلسفة للشباب" هي سلسلة نشر في موضوعات الفلسفة ومناهجها المتعددة موجهة للشباب الأردني، تتناول موضوعات فلسفية متخصصة، وهي مجموعة من الإصدارات المتخصصة، تصدر على شكل كتب أو كتيبات مختصرة وباسلوب مبسط يسهل فهمها لبناء معارف الشباب وتهيئتهم لتكوين اتجاهاتهم بشكل مستقل ما يؤهلهم للمشاركة والمواطنة الفاعلة في الحياة العامة" .
ويضيف" ان احياء الاهتمام بالفلسفة وطرائق التفكير التي تتيحها يشكل اليوم احد أهم الادوات التي تمنح الشباب قدرة على مواجهات تحديات العصر وفهم العالم المعاصر، وطبيعة التغيرات والتحولات المتلاحقة التي يشهدها العالم، كنافذة مشرقة لإفادة الشباب بأدوات التفكير النقدي والتمييز الايجابي وفهم الصالح العام.
ويتوقع الدكتور الطويسي أن تبدأ اصدارات السلسلة في اليوم العالمي للفلسفة الذي اقرته منظمة اليونسكو ويحتفل به هذا العام في 19 تشرين الثاني، بهدف تشجيع الاجيال الجديدة للإفادة من مناهج الفلسفة في فهم العالم المعاصر، وتوعية الرأي العام بأهمية الفلسفة واستخدامها نقديا لدى معالجة الخيارات التي تطرحها آثار العولمة أو دخول عصر الحداثة على العديد من المجتمعات.
أما مفردة فلسفة فجاءت – كما تقول اليونسكو- من مصدر اللغة إغريقي وتعني "حب الحكمة"، لذلك فهي بالتالي، واحدة من أهم مجالات الفكر الإنساني في تطلعه للوصول إلى معنى الحياة.
ويرى أستاذ الفلسفة الغربية المعاصرة وفلسفة العلم في قسم الفلسفة بالجامعة الأردنية الدكتور توفيق شومر، ان مبادرة "سلسلة الفلسفة" الرائدة ستمكن شبابنا من الخروج من التعامل مع الحضارة الإنسانية اليوم لا لمحو ثقافتهم وحضارتهم بل لإبرازها كمعين نستلهم منه ما هو مفيد اليوم في تعاملنا مع ما وصلت إليه هذه الحضارة.
ويقول لـــ(بترا) "كنا منتجين للمعرفة عبر تاريخنا الطويل ومساهمين أساسيين في بناء هذه الحضارة الإنسانية التي نعيشها اليوم، وبالعودة إلى الفلسفة نعود لنتمكن من المساهمة مرة أخرى في هذا البناء الحضاري الإنساني مرة أخرى".
ويشير الدكتور شومر إلى ما نشره موقع "المنتدى الاقتصادي العالمي" الأربعاء الماضي على صفحته عن المهارات العشرة الأهم في عام 2025 التي لا بد للشباب الطامح للعمل والتحلي بها، وان 6 مهارات من هذه المهارات المنشورة تقع في فضاء الدرس الفلسفي وهي: التفكير التحليلي والابداعي، والتعلم النشط، وأساليب متقدمة لحل المشكلات، والتفكير الناقد، والتفكير المنطقي وبناء الحجة، وحل المشكلات وتقديم الافكار، و كلها جزء من الدرس الفلسفي.
ويضيف عليها استاذ الفلسفة "القدرة على تقبل الاختلاف في الفكر والاعتراف والتسامح وقبول الآخر المختلف عنا، والمفاهيم المرتبطة بالإنسان والإنسانية، ومفاهيم الحرية والديمقراطية، ومفاهيم الوعي والإدراك، وغيرها الكثير من المفاهيم الفلسفية الضرورية للتعامل مع متطلبات العصر".
وبين أن الدرس الفلسفي ليس ترفا تقوم به ثلة من النخب المتخصصة، وإنما، هو درس ملتحم بالواقع وبمتطلبات الواقع، وهو الطريق نحو تقديم حلول للمشكلات التي تعترضنا كل يوم، ويساعد في صقل شخصية الشباب وتمكنه من تقديم نفسه بصورة تراعي التنوع والاختلاف، وتحديد الذات وخصائصها ومعرفة قدرات الفرد لذاته ولهويته في تعامله مع الآخر.
وكما ترى اليونسكو أن الفلسفة ممارسة يوميّة من شأنها أن تحدث تحوّلاً في المجتمعات، وتساعد على بناء مجتمع قائم على مزيد من التسامح والاحترام من خلال الحث على إعمال الفكر ومناقشة الآراء بعقلانية، فإن استاذ الفلسفة بجامعة الاميرة سمية للتكنولوجيا الدكتور محمد خالد الشياب، يرى أيضا "أن قيمة الفلسفة تتمثل في انها توقظ العقل من سباته، وتدفعه الى التساؤل، والتفكير".
ويقول إن الفلسفة "تنظم العقل الانساني وتضبط تفكيره ، وهي وسيلة لوعي الانسان بذاته، وبهذا المعنى فهي تقوي ملكة النقد وتبتعد عن التقليد"، مضيفا أن خلق وعي بالفلسفة وبعث قيمها يتطلب تضافر جهود مؤسسات عديدة في المجتمع جنبا الى جنب مع جهود وزارة الثقافة التي أدركت غياب الفلسفة في مجتمعنا".
ويتفق استاذ الفلسفة الدكتور شومر والدكتور الشياب على ضرورة نقل ما يوصف بـ"عدوى" هذه المبادرة الرائدة إلى وزارة التربية والتعليم، وأن يتم إعادة طرح منهاج الفلسفة للمرحلة الثانوية كما هو معمول به في معظم بلدان العالم المتقدمة، وكذلك الأمر في الجامعات الأردنية الحكومية والخاصة.
بدوره، قال مدير الدراسات والنشر في وزارة الثقافة الدكتور مخلد بركات، إن سلسلة الفلسفة للشباب تأتي ضمن سياسات النشر الجديدة التي اعتمدتها الوزارة بداية الشهر الحالي ، حيث أصبح هناك أكثر من سلسلة، وهي سلسة فكر وثقافة، وسلسلة الكتاب الأول، وسلسلة سرد وشعر، وسلسلة شغف المخصصة للأطفال، ضمن صورة متجددة على صعيد الموضوعات والشكل الفني والهوية البصرية لكل سلسلة.
ودعا الباحثين والأكاديميين المتخصصين في قضايا الفكر والفلسفة إلى المشاركة في سلسلة "الفلسفة للشباب" من خلال تقديم تصور بحثي منهجي ضمن العناوين المحددة المنشورة على موقع وزارة الثقافة على شبكة الانترنت أو التواصل مع المديرية للاطلاع على شروط الاستكتاب.
وتتناول السلسة مجموعة من الموضوعات الفلسفية الاساسية التي يسهل شرحها للشباب ومنها: ما الفلسفة، ما المعرفة، ما الوجود، ما المنطق، وما الاخلاق، وما الجمال، ومدارس الفلسفة الاسلامية، ومدارس الفلسفة القديمة، ومدارس الفلسفة الحديثة، وتيارات الفلسفة الغربية المعاصرة، وموضوعات فلسفة العلوم المعاصرة، والفلسفة والتكنولوجيا، والفلسفة والمشكلات المعاصرة، والفلسفة والحياة، والفلسفة والشباب.
ويستحضر استاذ الفلسفة بالجامعة الأردنية الدكتور توفيق شومر مقولة (رينية ديكارت) الفيلسوف الملقب أبو الفلسفة الحديثة، في سعيه نحو خروج أوروبا من عصر ظلماتها، مشددا على "أن معيار نهضة الأمم وتقدمها يرتبط بشكل أساسي بقدرتها على التفلسف وعلى إدراك الدرس الفلسفي".