مختصون أردنيون يقيّمون مشروع التربية الإعلامية
القبة نيوز-اتفق إعلاميون وصحفيون ومختصون على الإشادة بمشروع التربية الإعلامية والمعلوماتية، الذي باشرت حكومة الدكتور عمر الرزاز بمتابعته ضمن أولويات عملها للعامين 2019 و2020.
وفي ظل اتساع نطاق وسائل التواصل الاجتماعي واستخدامها لخدمة الإعلام الرقمي، تسعى الحكومة لتعزيز مبدأ الثقافة الوطنية والمواطنة الفاعلة، من خلال إدخال مفاهيم التربية الإعلامية والمعلوماتية على شكل وحدات دراسية في مناهج طلبة المدارس والجامعات.
وزيرة الدولة لشؤون الإعلام، جمانة غنيمات قالت إن الحكومة ستعمل مع فريق وطني يضمّ في عضويته شركاء من مؤسسات المجتمع المدني والجامعات والمدارس مثل معهد الإعلام الأردني، بالإضافة إلى مكتب اليونسكو في عمّان للاستعانة بخبراتهم في هذا المساق؛ حرصاً من الحكومة على التواصل المستمرّ مع جميع الشركاء في القضايا التي تتعلق بتحصين الأجيال القادمة بالثقافة الوطنية ولتعزيز مفهوم المواطنة الفاعلة.
وتاليا تستعرض "خبرني"، آراء ورؤى عدد من المختصين الذين قدموا مقترحاتهم لإنجاح المشروع.
**الإعلام الرقمي وسيلة حرب
رأى نقيب الصحفيين رئيس تحرير صحيفة الرأي، راكان السعايدة، أن مشروع التربية الإعلامية يجب أن يستهدف بناء منظومة وعي حول الدعاية والحرب النفسية، التي تستغلها الدول في الوقت الراهن من خلال الإعلام الرقمي.
وقال السعايدة لـ"خبرني"، إن كثيرا من شائعات الفضاء الإلكتروني تكون موجهة، في ظل صراعات الدول، الأمر الذي يحتم بناء الوعي لدى المتلقي للتعامل مع مثل هذه القضايا.
وبالرغم من تأكيده على ضرورة وأهمية المشروع، إلا أن السعايدة أبدى تحفظه على الفئة العمرية التي أعلنت الحكومة عن استهدافها "صفوف السابع والثامن والعاشر والجامعات"، مشيرا إلى أن زرع القيم الأخلاقية والمهنية وترسيخ ثقافة الحوار عبر منصات التواصل بدلا من تبادل الشتائم، يجب أن يبدأ من الصفوف الأولى، وذلك لسهولة تحديد الاتجاهات والتأثير في المتلقي وصولا إلى الأهداف المطلوبة.
نقيب الصحفيين أكد ضرورة بناء المشروع وفقا لخطط علمية واستراتيجية، تحدد مواطن الخلل في مواقع التواصل وتقيّمها، سعيا لوضع الحلول والأهداف ووصولا إلى الأثر المرجو، مشددا على أن فشل المشروع قد يعني فشل أي محاولة لاحقة لإعادة تصويب المسار بل وربما تفضي لنتائج عكسية.
واتفق الإعلامي صدام راتب المجالي مع السعايدة، في اعتبار مواقع التواصل الاجتماعي وسيلة حرب، وأصبحت أهمية مواد التربية الإعلامية لا تقل عن التربية الوطنية.
واعتبر المجالي خلال حديثه مع "خبرني"، أن الأردن تأخر بإقرار مثل هذا المشروع، وكان من المفترض أن يبدأ العمل به قبل 3 أو 4 سنوات، معرّجا بهذا الصدد على أن كل المحاولات السابقة لضبط مواقع التواصل الاجتماعي، أثبتت فشلها.
وهنا استذكر المجالي ما أثير في الآونة الأخيرة عن انسحاب الشركات الكبرى من السوق الأردني، وأثر ما نُشر من شائعات حول ذلك، على الاقتصاد الوطني.
المجالي دعا إلى أن تكون المناهج مبنية وفقا لأساسيات الإعلام، لنشر تربية إعلامية تجود مخرجات مواقع التواصل الاجتماعي تزامنا مع استغلالها كمنابر إعلامية لما يُعرف بـ"المواطن الصحفي"، مقترحا إفساح المجال للشباب المنخرطين بالعمل بعيدا عن الأكاديميين النظريين، لإعداد المناهج، وضرورة الاستفادة من الأزمات التي عصفت بالمجتمع الأردني مؤخرا ودمجها في المساق للتأثير على المتلقي.
** تحدي صياغة المناهج
الصحافية في يومية الغد، غادة الشيخ، اعتبرت أن صياغة مناهج التربية الإعلامية وتحديد من سيقفون على ذلك، تحديا أمام الحكومة، لضمان جني ثمار المشروع.
وأوضحت الشيخ، أن من واجب الحكومة والجهات المسؤولة عن المشروع، ضمان حيادية معدي المناهج وعدم تأثير وانعكاس توجهاتهم الفكرية على ما سيقدم للطلبة، إضافة إلى ضرورة إدماج شباب الوسط الصحفي في هذا العمل.
وبهذا الصدد، أكدت الشيخ خلال حديثها لـ"خبرني"، أن الاستعانة بالطاقات الشبابية، سُيخرج المشروع من الحالة النمطية، مستدلة بأن الشباب هم الأكثر تواصلا وتأثيرا بمستخدمي مواقع التواصل، مع عدم إغفال دور الأسرة بالدفع نحو اهتمام أبنائها بهذه المبادئ وتطبيقها.
لكن الشيخ، تحفّظت، على فكرة البدء بمشروع التربية الإعلامية في المناهج الدراسية، قبل ترسيخ تربية حقوق الإنسان، معتبرة أن تحديد حقوق وواجبات المواطن تبعا لمفاهيم ومبادئ حقوق الإنسان، يمثل الخطوة الأولى في طريق الحد والتخفيف من فوضى الفضاء الإلكتروني.
الإعلامي شرف الدين أبو رمان، أكد ضرورة بناء المناهج وفق ما يسمى في علم النفس بـ"مهارات نفس حركية"، بحيث تتواءم مع المرحلة العمرية للفئات المستهدفة وتحاكي تطبيقات الأجهزة الذكية.
ودعا أبو رمان، لاعتماد مواد سلسة بعيدة عن النظريات الثابتة، لتجنب أن تكون مناهج التربية الإعلامية عبئا جديدا على الطلاب، وهو ما لن يخدم المشروع وسيعيق الوصول إلى أهدافه، حسب ما قاله لـ"خبرني".
كما دعا إلى الاستفادة من الإعلاميين الأكاديميين في معهد الإعلام الأردني، أو من شخصيات جامعية وإعلامية تربوية، لغايات دمج المفاهيم العلمية والتربوية.
وأشار أبو رمان، إلى أن المجتمع الأردني حاليا يمثل بيئة خصبة لنجاح المشروع، مستدلا على ذلك بالرأي العام الرافض لبعض سلوكيات مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي سيسهل عملية تأطير هذا المفهوم المجتمعي.
**زيف إلكتروني
من وجهة نظر أكاديمية، رأى نائب عميد كلية الإعلام في جامعة اليرموك، الدكتور خلف الطاهات، أن مواقع التواصل الاجتماعي فرضت على المجتمع أنماطا غير حقيقية، من خلال أشخاص غير مختصين إعلاميا.
وقال الطاهات لـ"خبرني"، إن خطوة التربية الإعلامية في المناهج الدراسية، ضرورية جدا في ظل ما أسماه بـ"الخربطة الإعلامة"، والأجواء غير الصحية بسبب عدم القدرة على إدارة المعلومات، والحاجة لتأسيس جيل قادر مع التعامل مع الأزمات.
وحدد الطاهات الخطوة الأولى بإفراد منهج التربية الإعلامية وتدريب المتلقي على كيفية التعامل مع المعلومات وتمييز الإشاعة والحقيقة والتأكد من مصادر الخبر، للمساعدة في التعامل مع الأزمات الناشئة عن مواقع التواصل الاجتماعي.
أما بنية المساق التعليمي، فشدد الطاهات على ضرورة الجمع بين النظرية والتطبيق العملي، للتركيز على الجانب الأخلاقي والأركان المهنية والموضوعية وتعدد المصادر والإنصاف والتوازن، وترسيخها من خلال نماذج حية وواقعية من خلال مواقع التواصل الاجتماعي.
كما دعا إلى الاستفادة من خبرات أساتذة الإعلام وخريجي الصحافة والإعلام، بحيث تناط لهم مهمة تدريس مناهج التربية الإعلامية، بعد خضوعهم لامتحان معياري، يُثبت أنهم قادرون على إنجاز المهمة، لضمان تأسيس جيل يملك المهارات الصحفية والتحليل النقاد بحيادية وموضوعية.
الناشطة على موقع تويتر رنا ملحيس، قالت إن مواقع التواصل الاجتماعي أفرزت شخصيات تسعى للشهرة وجمع المشاركات والتفاعلية، من خلال تبني دور الصحفي.
وهنا أكدت ملحيس لـ"خبرني"، أن النقد لأجل النقد، والتشكيك بأي مبادرة حكومية رسمية، أصبح هدفا لعدد من نشطاء مواقع الاتواصل الاجتماعي، بعيدا عن النقاش البناء ومبادئ الحوار.
وانطلاقا من حجم القضايا التي أثيرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي وأثرت بالمجتمع، دعت ملحيس إلى استثمار الممارسة العملية في التربية الإعلامية، وعرض الأثر الإيجابي والسلبي لكل واقعة من وحي مواقع التواصل نفسها.
واعتبرت ملحيس ان مشروع التربية الاعلامية فريد من نوعه ويجدر دعمه والاستمرار به لمواكبة التطورات التي طرأت على المشهد الإعلامي والثقافي الأردني .
**معيار النجاح
وزير الإعلام الأسبق، سميح المعايطة، اعتبر أن معيار نجاح مشروع التربية الإعلامية، يعتمد على الهدف المطلوب تحقيقه، والمتمثل بتعليم الطالب إقامة علاقة سوية مع الإعلام سواء التقليدي أو الحديث.
وعرّف المعايطة خلال حديثه لـ"خبرني"، العلاقة السوية بالاستفادة من الإعلام إخباريا ومعلوماتيا دون أن يقع الشاب في المناطق المحظورة من شائعات أو أمور غير أخلاقية أو أي خطر على ثقافته وخلقه وعلاقته ببلده ومجتمعه .
ودعا الوزير الأسبق، إلى أن لا يكون المشروع أسيرا للمعاناة العامة مع سلبيات مواقع التواصل أو بعض وسائل الإعلام، وأن لا يكون أسيرا لأي وجهه نظر تحملها جهات مسؤولة تجاه بعض وسائل الإعلام، بل أن تكون غايته بناء علاقة معرفية للطالب مع الإعلام كعلم وممارسة وأدوات، بحيث يكون الشاب مستفيدا من الإعلام وليس ضحية من ضحايا الاستخدام السلبي له .
ولعل من المفيد أن تستعين وزارة التربية بأصحاب الخبرة الطويلة من الإعلاميين في تدريس المنهاج لأن الغاية هي خلط النظرية بالتجربة العملية التي يملكها أهل أهل الخبرة من الإعلاميين، وفقا للمعايطة .